سؤال للإبنة المؤمنة بالله تقول فيه: هل هناك أوقات يستجيب الله فيها الدعاء؟
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
نعم، هناك أوقات يستجاب فيها الدعاء، هي مظنة لإجابة الدعاء أكثر من غيرها، منها:
وقت السَّحَر، لذلك قال ربنا: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} (آل عمران:17)، وقال: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الذاريات:17-18)، وهو الوقت الذي يتجلَّى الله فيه على عباده، وينزل فيه إلى سماء الدنيا، يقترب فيه من عباده، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثُلثُ الليلِ الآخِرُ، يقول: من يدعوني، فأستجيبَ له؟ من يسألني، فأعطيَه؟ من يستغفرُني، فأغفرَ له؟"(1). ومعلوم أن ثلث الليل في بلد ينتهي، ويبدأ ثلث آخر في ما يليه، وهكذا، ولذلك نأخذ من مضمون الحديث قرب الله من عباده قربا لا نفرق نحن. وحسبنا أن نستفيد من هذا.
ومن الأوقات التي يرجى فيها قبول الدعاء: ما بين الأذان والإقامة، فهذا وقت يستجاب فيه الدعاء، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الدعاءَ لا يُردُّ بينَ الأذان والإقامة، فادعوا"(2).
ومنها: ساعة الجمعة، والله أعلم متى هي، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الجمعة ساعة، لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي، يسأل الله خيرًا إلا أعطاه"(3)؛ لذلك يدعو المسلم كثيرًا يوم الجمعة لعله يوافق هذه الساعة.
وهناك الدعاء في السجود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: "أقربُ ما يكون العبدُ من ربِّه وهو ساجد، فأكثِروا الدعاءَ"(4).
ومن مواطن الإجابة ومظانها: دعاء الإنسان لأخيه بظهر الغيب، أي وهو غائب عنك؛ لأن هذا الدعاء فيه إخلاص، فلو دعوت لأخيك في حضرته ربما كنت تريد بذلك أن ترضيه أو ترائيه، أما دعاؤك له وهو بعيد عنك، فهذا دليل الإخلاص في الدعاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكَّل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكَّل به: آمين ولك بمثل"(5).
وكذلك دعاء الصائم حين يفطر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للصائم عند فطره لدعوةً ما ترد"(6). وقال: "ثلاثة لا يُرَدُّ دعاؤهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام يوم القيامة، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب عز وجل: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين"(7).
ومنها: الدعاء عند الاستيقاظ من الليل، ففي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تعارَّ (أي: استيقظ) من الليل فقال:لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمدلله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولاحول ولاقوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي. أو دعا؛ استجيب له، فإن توضأ وصلَّى قُبِلَت صلاته"(8).
ودعاء المسلم وهو متطهر ومتوضئ أفضل من دعائه وهو على غير وضوء، وإن كان الإنسان يدعو الله في كل حين، لكنها حالة أفضل من حالة.
وعلى المسلم أن يحرص على الدعاء ما استطاع، فـ"الدعاء هو العبادة"(9)، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يتعبد المسلم به لله تعالى ويتقرب إليه، سواء استُجيب له أم لم يُستجب له، فهو كاسب على كل حال، وهو رابح رابح، كما جاء في الحديث الذي ذكرناه من أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته، وإما أن يدَّخِرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها". قالوا: إذن نكثر. قال: "الله أكثر"(10). أي ما عند الله من الخير والرزق والأجر أكثر، وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل: "يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما ينقص المِخْيَط إذا أدخل البحر"(11).
.................
(1) متفق عليه: رواه البخاري في التهجد (1145)، ومسلم في صلاة المسافرين (758) عن أبي هريرة.
(2) رواه أحمد (12584) وقال مخرجوه: حديث صحيح، وأبو داود (521)، والترمذي (212)، وحسنه، كلاهما في الصلاة، عن أنس بن مالك.
(3) متفق عليه: رواه البخاري في الطلاق (5294)، ومسلم في الجمعة (852)، عن أبي هريرة.
(4) رواه مسلم في الصلاة (482)، وأحمد (9461)، عن أبي هريرة.
(5) رواه مسلم في الذكر والدعاء (2733)، وأحمد (21707)، أبي الدرداء.
(6) رواه ابن ماجه في الصيام (1753)، والطبراني (13/47602)، والحاكم في الصوم (1/422)، وقال: إسحاق (أحد الرواه) هذا إن كان ابن عبد الله مولى زائدة فقد خرج عنه مسلم، وإن كان ابن أبي فروة فإنهما لم يخرجاه، وقال البوصيري في الزوائد (636): إسناد صحيح رجاله ثقات، عن عبد الله بن عمرو، وانظر: تعليقنا في (المنتقى) على الحديث (521).
(7) رواه أحمد (8043) وقال مخرجوه: صحيح بطرقه وشواهده، والترمذي في الدعوات (3598) وحسنه، وابن ماجه في الصيام (1752)، عن أبي هريرة.
(8) رواه البخاري في التهجد (1154)، عن عبادة بن الصامت.
(9) رواه أحمد (18352) وقال مخرجوه: إسناده صحيح، وأبو داود في الصلاة (1749)، والترمذي في التفسير (2969) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه في الدعاء (3828)، عن النعمان بن بشير.
(10) رواه أحمد (11133)، وقال مخرجوه: إسناده جيد، وابن أبي شيبة في الدعاء (29780)، والبخاري في الأدب المفرد (710)، والحاكم في الدعاء (1/493)، صحيح الإسناد، ولم يخرجا للرفاعي، ووافقه الذهبي، عن أبي سعيد الخدري.
(11) رواه مسلم في البر والصلة (2577)، عن أبي ذر.