السؤال: سماحة الشيخ: وقعت في مشكلة ولا ملجأ لي بعد الله إلا أنت. فقد سلَّم أحد موظفي الشركة التي أقوم بتمثيلها قانونيًا شيئًا لعميلة من عملاء الشركة، ولما حدث خلاف قضائي بين الشركة والعميلة طلبتني المحكمة للشهادة، ووجهت إلي اليمين الحاسمة، وصيغتها: "أقسم بالله العظيم بأن أحد موظفينا ويدعى "فلانا" سلَّم مفاتيح الفيلتين للمدعية بتاريخ كذا".

فهل يجوز لي أداء اليمين، والقسم بالله العظيم أمام المحكمة، أن شخصًا من الأشخاص فعل شيئًا ما، مع العلم بأني لم أشاهد ما فعل، وإن كنت أُصدِّقه؟ ولفضيلتكم جزيل الشكر.

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

الأصل في الشهادة ألا يشهد الإنسان إلا بما علِم، إذ الشهادة معناها الخبر القاطع والحضور والمعاينة والرؤية.

وقد اشترط العلماء لتحمُّل الشهادة أن يكون الإنسان عالمًا بما يشهد به، معاينًا للمشهود به، بأن رآه بعينه، أو سمعه بأذنه، فقد روى الحاكم والبيهقي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا ابن عباس، لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء هذا الشمس" (1). وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى الشمس.

وفي رواية: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة قال: "هل ترى الشمس؟" قال: نعم. قال: "على مثلها فاشهد، أو دع" (2).

وحكى القرآن على لسان إخوة يوسف قولهم: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} (يوسف:81).

قال الحسن: مَن دُعي إلى شهادة فليُجب، ولكن لا تشهد إلا على ما تعلم (3).

فلا يجوز للسائل أن يشهد على شيء لم يره أو لم يسمعه أو لم يحضره، والمفروض أن تطلب المحكمة اليمين من صاحب الفعل (الذي سلَّم المفاتيح)، وللمحكمة أن تقبل شهادته أو لا.

وعند تعذر مثول صاحب الفعل (الذي سلَّم المفاتيح) أمام المحكمة - بأن كان مريضًا أو مسافرًا، أو لأي عذر من الأعذار؛ يجوز للسائل أن يشهد على شهادته، أي ينقل شهادته للمحكمة، فيُقسم بالله العظيم أن فلانًا أخبره، أو أقسم له أنه فعل كذا، بذات الألفاظ التي سمعها منه. ولا تُقبل شهادته على شهادة صاحب الفعل إلا عند تعذر حضور الأصل، وذلك باتفاق الفقهاء.

والله ولي التوفيق

......

(1) رواه الحاكم في الأحكام وصحح إسناده وتعقبه الذهبي، والبيهقي في الكبرى، عن ابن عباس.

(2) رواه البيهقي في الشعب باب الجود.

(3) رواه ابن أبي شيبة في البيوع.