السؤال: أنا امرأة مؤمنة بالله أصلي وأصوم وأقرأ القرآن، وأحاول أن أقوم بما أمرني الله تعالى به، وأن أنتهي عما نهاني عنه، وأبر والدي - والحمد لله- وأصل رحمي، وأنا متزوجة منذ ست سنوات، ولم يرزقني الله تعالى بالخلف الصالح، مع أني أدعو الله أن لا يحرمني من نعمة الأمومة؛ لأني أحب الأطفال جدًّا، لكني راضية بقضاء الله عز وجل وعطائه، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة:216).

لم أيئس من روح الله؛ لأني أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأنه يرزق من يشاء بغير حساب، فإيماني قوي جدًّا بالله والحمد لله، وأدعوه دائمًا أن يعينَني على ذكره وشكره وحسن عبادته، لكن المشكلة أن هناك أناسًا يعيِّرونني بهذا الأمر، ويعتبرون أن تأخر الإنجاب غضب من الله عليَّ، فهل صحيح أن عدم الذرية دليل على أن الله غير راض عني؟

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:          

ليس هذا صحيحًا، فالله سبحانه وتعالى يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، كما قالت الأخت، الله عز وجل يقول في كتابه: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (الشورى:49-50)، هناك أناس يعطيهم الله الإناث، {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا}، وآخرون يعطيهم الذكور، {وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}، وصنف ثالث يعطيهم الصنفين {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا}، وآخرون لا يعطيهم لا هذا ولا ذاك، {وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا}.

وبعض الأنبياء لم تأته الذرية إلا على كبر، فهذا سيدنا إبراهيم ظل مدة طويلة لم ينجب من زوجته سارة، ثم أنجب سيدنا إسماعيل من جاريته هاجر التي أهداها له ملك مصر، ثم بعد ذلك كافأه الله على صبره وعلى بذله وتضحيته بأن أعطاه إسحاق من سارة، وكلاهما أُعطِيَه على كبر، كما قال ربنا سبحانه وتعالى على لسانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} (إبراهيم:39)، جاءته الملائكة فبشرته بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، وقالت امرأته لمَّا بشرتها الملائكة: {يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} (هود:72-73).

وكذلك سيدنا زكريا تأخر في الإنجاب، فدعا ربه قائلًا: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} (مريم:4-7)، امرأة زكريا كانت عاقرًا لا تلد، فربنا سبحانه وتعالى وهب له يحيى، كما قال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} (الأنبياء:89-90).

وعائشة وحفصة وغيرهما من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عدا خديجة، كلهن لم ينجبن منه صلى الله عليه وسلم، عاشت عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين ولم تنجب، وحفصة بنت عمر، وزينب بنت جحش، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية، وصفية بنت حيي بن أخطب، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، فهل هذا لذنب من أمهات المؤمنين أم من النبي صلى الله عليه وسلم؟! حاشاه وحاشاهن.

الله سبحانه وتعالى له حكمة يعرفها من يعرفها، ويجهلها من يجهلها، وليس إعطاء الأولاد دليلًا على الرضا، ولا عدم إعطائهم دليلًا على السخط من الله عز وجل، فالله يعطي للمسلم والكافر، والبر والفاجر، الله تعالى يقول عن الكفار: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ} (المؤمنون:55-56)، فأقول للأخت السائلة: لا تحزني ولا تيئسي من رحمة الله.

أما هؤلاء الذين يعيرونها فهذا دليل على جهلهم بدين الله، وجهلهم بسنن الله عز وجل، والمسلم لا يجوز له أن يُعيِّر أخاه بابتلاء الله له، وربما يعير إنسان أخاه بشيء فيبتليه الله به، ومن أعطاه الله نعمة من النعم قد حُرِم منها غيره فعليه أن يحمد الله على نعمائه، لا أن يعير غيره. وعلى الأخت أن تدعو وتصبر، وأن تعرض نفسها على طبيب مختص، فربما يطلب منها شيئًا تأخذه، دواءً أو طعامًا، وبالله التوفيق.