السؤال: المرأة التي فاتها قطار العلم، وعندما أرادت أن تدرس حتى تخرج من بئر الجهل أخذ الناس يسخرون منها، ويقولون: بعد ما شاب أرسلوه إلى الكُتَّاب. أريد أن أتعلم من أجل أن أعرف القراءة والكتابة وأساعد أولادي، فما ردكم على هؤلاء؟

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

هؤلاء مخطئون قطعًا، الإسلام يفتح باب التعلم إلى آخر العمر، الإنسان يطلب العلم من المهد إلى اللحد، ما دام قادرا على أن يتعلم، فليتعلم، صحيح أن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، وأن الأفضل أن يتعلم الإنسان في صغره بقدر الإمكان؛ لأن الفرصة تكون أمامه أوسع، لكن ليس معنى هذا أن الدنيا انتهت، وإنما يعني أن الأخت التي اقتربت من الأربعين فاتها كثير، لكنها قد تعيش إلى السبعين، إلى الثمانين، فما زال نصف عمرها أمامها، فالتعلم مطلوب.

الدول الآن تحاول محو أمية الكبار، بل تتيح باب تعليم الكبار، وقد رأينا بعض الناس الكبار تعلموا الإنجليزية والفرنسية وهم شيوخ كبار، فتعلموا وأتقنوا، ومنهم من حصل على الثانوية العامة، ومنهم من أكمل دراسته الجامعية.

وكم رأينا من أناس تعلموا كبارًا وفاقوا الذين تعلموا في صغرهم، فبعض من تعلموا في الكبر وكان عندهم ذكاء فطري وقدرات خاصة تفوَّقوا، أعرف من أخذ الثانوية العامة، ودخل الجامعة، وفاق الذين تعلموا تعليمًا نظاميًّا طوال حياتهم؛ لأن الذكاء هبة من الله سبحانه وتعالى، ويمكن إنسان لم يتح له هذا الأمر في صغره ولكن الله هيأ له الفرصة في الكبر، فلا ينبغي أن تفوته الفرصة.

الإنسان يظل يتعلم طوال حياته، سُئل بعض الناس: أيحسن بالشيخ الكبير أن يتعلم؟ قال: يحسن بالإنسان التعلم ما دام يقبح منه الجهل، وكما يقبح منه الجهل ما دام حيًّا كذلك يحسن به التعلم ما دام حيًّا. وسئل بعض العلماء: إلى متى تتعلم؟ قال: إلى الممات. وروي عن الإمام أحمد: مع المحبرة إلى المقبُرة(1). وقال سفيان بن عيينة: أحوج الناس إلى طلب العلم أعلمهم؛ لأن الخطأ منه أقبح (2).

إذا كان العلماء الكبار يتعلمون، فالإنسان الذي ليس عنده علم أولى.

وأختنا السائلة تريد أن تساعد أولادها في دراستهم، وهذا أمر مهم في الحياة الآن؛ لأنه لا بد أن يتعاون البيت مع المدرسة، والأم الأمية لا تستطيع أن تساعد أولادها ولا أن تتابعهم، ولكن إذا تعلمت تستطيع ذلك، خصوصًا في المراحل الأولى، المراحل الابتدائية والإعدادية.

فعلينا جميعًا أن نشجع هذه الأخت أن تتعلم، وأن نشجع كل من يرغب في طلب العلم أن يطلب العلم، وأن يزداد علمًا، وقد قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه: 114).

.....

(1) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص37)، نشر دارهجر، الطبعة: الثانية، 1409هـ.

(2) رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (589).