السؤال: أوصتني زوجتي قبل مرض موتها بأن أقسم حليها الذهب بين ولديها، وهي وصية كلامية غير مكتوبة، وأكدت هذه الوصية في أثناء مرض موتها، وأخبرت به أهلها، وبعد وفاتها قال لي والدها: إنهم لا يريدون شيئًا من ميراثها، وإنهم سيتركونه لأولادها، وعلى هذا الأساس عملت إعلان وراثة أن تركة زوجتي هي الوديعة البنكية التي أودعتها في البنك، ولم أذكر فيها حليها الذهبي.
ولكن بعد شهرين طالب والداها بحقهما من الميراث، وبالفعل أخذاه من الوديعة، وأنا لم أعارض؛ لأنه حقهم الشرعي، أما الذهب فلم أستطع أن أعطي منه شيئًا طبقًا لوصية زوجتي، وسألت دار الإفتاء المصرية، فأفتوني بأن أقوِّم الذهب وأضيف قيمته للوديعة، فإذا كان ثلث ما تركته أو أقل من الثلث يأخذه الأولاد بجانب حقهم الشرعي في الوديعة، وسألت أيضًا فضيلة الشيخ عطية صقر، فقال لي: لا بد من تنفيذ الوصية، بمعنى أن الحلي الذهبي يكون للأولاد، بجانب حقهم الشرعي في التركة.
وبعد نقاش طويل مع والد زوجتي أوضحت له أنني لا أستطيع مخالفة أمر الله؛ لأني أنا المسئول عن تنفيذ الوصية، واتفقنا على أن الذهب يكون للأولاد، يعني أنا لم آخذ منه شيئًا.
وسؤالي الأول: ماذا أفعل بالذهب؟ هل أبيعه وأقسمه بين الولدين؟ علمًا بأني لم أخرج عليه زكاة؛ لأني لم أجد الوقت الكافي لتقويم الذهب، فقد وضعته في البنك، وهو بعيارات مختلفة، ومجموعه حوالي خمسمائة جرام، وقمت بتقييم مؤخر الصداق بسعر الذهب وقت عقد القران، كما سمعت ذلك من فضيلتكم في برنامج "هدي الإسلام" وأنتم تتحدثون عن الديون التي مر عليها وقت طويل، واختلفت قيمتها الشرائية عن قيمتها الآن اختلافا شاسعًا، ووزعت قيمتها على حسب الأنصبة الشرعية على جميع الصغير (1789)، عن أبي الأفراد المستحقين.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
أقول للأخ السائل: وصية الأم لأولادها الوارثين لا تجوز إلا بإذن بقية الورثة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث"(1). وكانت الأم تستطيع أن تعطي هذا للأولاد في حياتها، وتتصرف في مالها، إنما ما علَّقته من تصرفات إلى ما بعد الموت فهي وصية تُنَفَّذ، لكن بشرطين، الأول: ألا تزيد على الثلث. والثاني: ألَّا تكون لوارث. لا بد أن يتحقق الشرطان جميعًا.
أما عن قسمة هذا الميراث فللزوج الربع، والأبوان لكل واحد منهما السدس، كما قال الله في آية المواريث: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} (النساء:11)، الأب له السدس، والأم لها السدس، والباقي يكون للأولاد تعصيبًا للذكر مثل حظ الأنثيين، وما داما ذكرين فهما متساويان، وإذا تنازل الجد والجدة لحفيديهما عن نصيبهما في الذهب فقد حُلَّت المشكلة، وحل للأولاد أن يأخذوا ذهب أمهم.
أما قضية ماذا يفعل في الذهب إذا رضي الجدان أن يتركوه لأحفادهما، فالأولى أن يباع، وتقسم قيمته على الأولاد.
وأنا أشكر للأخ حسن تصرفه في المهر المؤخَّر، وأنه عمل بفتواي في أن الديون القديمة التي طال عليها الأمد ينبغي أن تؤدَّى قيمتُها ذهبًا، لأنه ليس من المعقول أني متزوج منذ أربعين سنة وكان الجنيه له قيمة، فلو أن مؤخر الصداق مائة جنيه في ذلك الوقت، فالقيمة الشرائية للمائة جنيه تساوي الآن آلافا مؤلَّفة، ويمكن تصل إلى عشرات الآلاف، فمن ظلم أن أدفع مائة جنيه الآن، وهي لا تساوي أكلة غداء أو عشاء، فالعدل أن نقوِّم هذا بسعر الذهب في ذلك الوقت، ننظر المائة جنيه كانت في هذا الوقت تشتري كم جراما من الذهب، إذا كانت -مثلًا- تشتري خمسين جرامًا من الذهب، أو عشرين جرامًا، ننظر كم تساوي الآن، وهكذا.
..................
(1) رواه أحمد (22294)، وقال مخرجوه: إسناده حسن، وأبو داود (2870)، والترمذي (2120)، وقال: حسن، وابن ماجه (2713)، ثلاثتهم في الوصايا، والبيهقي في الفرائض (6/212)، وحسن الحافظ إسناده في التلخيص الحبير (3/202)، عن أبي أمامة الباهلي.