مِن أهم أحداث هذه السنة (1975): زيارة وفد من اتحاد الطلبة المسلمين في أمريكا (MSA) لدولة قطر، وكان الوفد يتكون من ثلاثة من الإخوة المسئولين عن الاتحاد، منهم: الأخ الدكتور التيجاني أبو غديري، وهو سوداني الأصل، والأخ الدكتور جمال برازنجي، وهو عراقي الأصل، ونسيت الثالث.
وقد زاروا الأمير الشيخ خليفة بن حمد، وتحدث الأخ جمال البرازنجي، فكان حديثه في غاية التوفيق، فلخص له دورهم الذي يقومون به أحسن تلخيص، وعرضه أجمل عرض، كما بيّن حاجاتهم ومطالبهم التي ينشدونها من قطر، وتتحدد في أن تساهم قطر في بناء مركزهم الذي يريدون بناءه في منطقتهم التي اختاروها في ولاية «إنديانا بولس»، وأعتقد أن الأمير انشرح صدره لهم، ووعدهم خيرًا، وسافروا من قطر ليكملوا جولتهم في بلاد الخليج، وكلفوني أن أتابع الأمر أنا، والشيخ عبد المعز عبد الستار، مع الأمير.
وقد وجهوا دعوة بعد ذلك إليَّ عن طريق الجامعة، لأشارك في مؤتمرهم السنوي الذي يعقد في شهر مايو من كل عام، ووافقت الجامعة على سفري للمؤتمر، وقابلت الأمير وذكرته بوعده للوفد الذي زاره، فكتب لهم شيكًا بمبلغ نصف مليون دولار لبناء مكتبة مركزهم، وتكون باسم أمير دولة قطر، وكلفني أن أحمل الشيك معي، وأقدمه إليهم، معونةً من الأمير لهم.
السفر إلى أمريكا:
وفي الموعد المحدد، تهيأت للسفر إلى أمريكا، لأول مرة، وقد كانت زوجتي ترافقني، حيث الطريق طويل، ويحتاج المرء فيه إلى رفيق يهوّن عليه طول الرحلة، ووعثاء السفر. فرأيت أن أصطحب زوجتي، ونقطع تذكرتين على الدرجة السياحية بثمن تذكرة الدرجة الأولى المصروفة لي، فإن الدرجة السياحية مع الرفقة المؤنسة خير من الأولى مع الانفراد في هذا السفر الطويل.
وقد سافرت من الدوحة إلى القاهرة، وبت ليلة في القاهرة، ومنها قمت من الصباح الباكر لأسافر إلى لندن، حيث ركبت الطائرة الأمريكية TWA -على ما أذكر- من مطار لندن الساعة الثانية عشرة ظهرًا إلى نيويورك، ومنها إلى مطار شيكاغو حيث وجدت بعض الإخوة ينتظرونني، لأبيت هناك وألتقي بعض الإخوة الكرام، ونعقد جلسة فكرية روحية طيبة، في بيت أحد الإخوة، لعله الشيخ أحمد زكي حماد، الذي كان يقيم في شيكاغو في ذلك الوقت هو وأهله.
وفي اليوم التالي سافرت إلى مقر الاتحاد، وسلمت الإخوة الشيك الذي حمّلني إياه الشيخ خليفة أمير قطر، تسلمه مني الأمين العام لاتحاد الطلبة المسلمين: الأخ الكريم الدكتور محمود رشدان، الذي كان شعلة متوقدة من الحيوية والنشاط، مع إيمان صادق، والتزام صارم، ووعي بالحاضر، واستشفاف للمستقبل، ومرونة بصيرة في التعامل مع الأحداث.
وكان الاتحاد قد مر بدور الطفولة ثم الصبا، وقد بدأ دور الشباب، وهو دور القوة والحيوية والنشاط الدافق، وقد بدأت تنبثق منه جمعيات وأجهزة ومنظمات لها قيمتها ووزنها.
مثل: جهاز التعليم الذي يشرف عليه الأخ التيجاني أبو غديري.
ومثل: جهاز «الوقف الإسلامي» الذي يشرف عليه الأخ جمال برزنجي.
ومثل: جهاز آخر، يشرف عليه الأخ الدكتور هشام الطالب.
ومثل: رابطة العلماء الاجتماعيين، ويشرف عليها الدكتور إسماعيل الفاروقي.
وكذلك الجمعية الطبية الإسلامية، وجمعية العلماء والمهندسين المسلمين.
وهكذا أطلعني الإخوة على مؤسساتهم وفروع أنشطتهم، مما زادني اطمئنانًا على سداد خطواتهم، ورشد مسيرتهم.
وقد بقينا في مقر الاتحاد يومين ثم انتقلنا إلى مدينة «بولمنتو» حيث يعقد المؤتمر، وهي المدينة التي يقيم فيها الأخ النشيط المتحرك الواعي: مانع الجهني من طلاب السعودية.
كان الإخوة يستأجرون عادة مساكن إحدى المدن الجامعية في إحدى الإجازات لعدة أيام، ليستفيدوا من حجرات المساكن، ومن المطاعم، والقاعات، والساحات. وكانت هذه الأيام كلها نشاطًا مكثفًا: فكريًّا، وروحيًّا، ورياضيًّا، واجتماعيًّا.
وكان كل مؤتمر يدور حول محور معين تلقى فيه محاضرات، وتدار حوله الأسئلة والمناقشة، وهناك محاضرات عامة للجميع. وهناك حلقات ولقاءات نوعية خاصة، مثل لقاء للنساء، أو لقاء لذوي اختصاص معين.
وكان التركيز شديدًا عليَّ، فكنتُ أشارك في المحاضرات العامة، وألتقي لقاءات خاصة، ولا سيما مع الأخوات، ونعقد جلسة عامة للإجابة عن الأسئلة الفقهية والدعوية، وأقول كلمات موجزة بعد الصلوات، وبخاصة صلاة الفجر.
ونظرًا لاختلاف التوقيت في أمريكا عن الدوحة اختلافًا شاسعًا، فقد أصبح نهاري ليلًا، وليلي نهارًا، واختلاف نوع الأكل عما اعتدته في قطر، وانشغالي الشديد بالنشاط، فقد نسيت نفسي، فلم أدخل المرحاض للتبرز أكثر من ثمانية وأربعين ساعة، وأصابني إمساك شديد، لم أستطع أن أخرج ما تخرجه أمعائي الغلاظ، رغم تكرار المحاولة والمعاناة، التي جعلتني أتلوى من الألم، ولا أخرج شيئًا، وكانت نتيجة ذلك: أن أصبت بشرخ في الشرج، ظللت أشكو منه عدة سنوات، ولم أشف منه إلا بعملية جراحية أجريتها في «مستشفى الرميلة» بالدوحة. أجراها د. النجار، أستاذ الجراحة في طب الأزهر. وكان طبيبًا زائرًا، استدعاه المستشفى للقيام ببعض العمليات المهمة. وكان من الأطباء المتميزين في الجراحة، وفي هذه العملية خاصة، جزاه الله خيرًا.
على أن الإخوة المسئولين عن المؤتمر، أحضروا لي طبيبًا ممن يشاركون في المؤتمر، وهم كثر، والحمد لله، وقد نصح باستعمال الحقنة الشرجية، لتسهيل إنزال المخزون في البطن، وبعد ذلك تمشي الأمور طبيعية، وخصوصًا مع مراعاة الإكثار من الخضراوات والفواكه ونحوها مما يجنب المرء الإمساك المحظور.
الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء:
وكان الإخوة قد اعتادوا في مؤتمراتهم: أن يصلوا كل صلاة في وقتها، مع أن (99%) من المشاركين مسافرون، وكان الإعداد للصلاة يأخذ من الإخوة جهدًا ووقتًا ليس بالقليل، فالمنطقة التي تقام فيه الصلاة مشغولة في العادة بأشياء، فلا بد أن تفرغ من كل ما فيها من نشاط، وأن تفرش، ويطوى الفرش بعد الصلاة.
فقلت للإخوة: لماذا لا نأخذ برخصة الجمع، ونحن في هذا المؤتمر أحوج ما نكون إليها، لازدحام الوقت بالنشاط المكثف، ولأن أداء كل صلاة في وقتها يرهقنا من أمرنا عسرًا.
قالوا: إن إخواننا من الهند وباكستان يرفضون الجمع؛ لأنهم أحناف، والمذهب الحنفي -كما تعلم- لا يجيز الجمع إلا في عرفة ومزدلفة في الحج.
قلت: لهم أن يقلدوا غير مذهبهم في هذه القضية، ولا سيما أن القول فيها أرجح، والحاجة إليه ماسة، والله يحب أن تؤتى رخصه، ولا داعي للتعصب المذهبي، والتعسير على سائر الإخوة.
أنا سأدعو إلى الْجَمْع بين الصلاتين إذا أقمنا صلاة الظهر، ومن قبل قولنا صلى وراءنا، ومن لم يقبل صلى ما شاء بعد ذلك، وعندما أقيمت الصلاة أخبرتهم بما سنفعل، وسكت الإخوة على مضض، وأكثرهم صلى خلفي، ثم ما لبثوا أن صلوا جمعًا، وقالوا: ما كان أغبانا! عسَّرنا على أنفسنا ما يسَّر الله. وبذلك وفرنا الجهد والوقت، وأصبح هذا هو المعمول به في كل المؤتمرات بعد ذلك، والحمد لله.
مؤتمر للإخوة والأخوات جميعًا:
كان مؤتمر الاتحاد يضم الإخوة والأخوات، ويحضر الجميع المحاضرات، ويشارك الجميع -رجالًا ونساء- في الأنشطة المشركة، ثم تكون حلقات خاصة للنساء.
وكان الرجال عادة يجلسون في جانب والنساء في جانب، وأحيانًا يكون الرجل وعائلته: هو وزوجته وأبناؤه وبناته يأخذون مكانهم في أحد الصفوف، وعائلة أخرى بجوارهم، فهناك أماكن مخصصة للعائلات، وأماكن أخرى للعزاب، أو للرجال الذين ليس معهم عائلاتهم.
لم يكن كل الحضور عربًا، بل كان منهم الهنود والباكستانيون والماليزيون والأمريكيون وغيرهم ممن لا يعرفون العربية، وكان لا بد من مترجم ينقل معنى كلامي إلى الإنجليزية، وكان هناك أكثر من مترجم، ولكن أفضل مترجم لي كان هو الأخ العلامة الدكتور جمال بدوي، فقد كان لجودة معرفته باللغتين: العربية والإنجليزية، ولخلفيته العلمية الإسلامية، ولروحه الدعوية، كان ينقل كلامي بمعانيه وأفكاره، وبروحه وحرارته، وقد قال لي الشيخ أبو الحسن الندوي في لكهنو: إننا إذا وجدنا من يترجم معاني كلامك، فأنى نجد من يترجم حرارتك وحيويتك؟ ولكني وجدت الدكتور بدوي، يترجم الفكر والروح جميعًا، بارك الله فيه، ونفع به.
بعد انتهاء أيام المؤتمر، عدنا إلى مقر الاتحاد، ومن هناك رتب الإخوة عدة زيارات لبعض المدن، ومنها: مدينة «نيوجرسي» التي تعد لنيويورك، مثل الجيزة للقاهرة، فهما متصلتان.
إلى مدينة نيوجرسي:
وفي نيوجرسي يوجد مركز إسلامي قوي، فيه حركة ونشاط، ويقوم عليه عدد من الإخوة معظمهم مصريون، وإمامه عالِم أزهري مصري كبير، هو أستاذنا الدكتور سليمان دنيا، أحد علماء الأزهر المتمكنين، وأحد أساتذة العقيدة والفلسفة، الذين دخلوا تخصص المادة، وحصلوا على شهادة العالمية من درجة «أستاذ» بامتياز، وابتعث إلى لندن، مع زميليه: حمودة غرابة، ومحمد بيصار، لإتقان اللغة الإنجليزية، والحصول على الدكتوراه من لندن، وقد أحيل على التقاعد، واختار أن يقيم في أمريكا إمامًا ومستشارًا دينيًّا لهذا المركز الإسلامي الكبير، وقد سعدت بالتعرف عليه وجهًا لوجه، بعد أن كنت أعرفه بالاسم وقراءة كتبه فقط.
كان هذا المركز في الأصل كنيسة اشتراها المسلمون، وحولوها إلى مركز إسلامي، يسع أنشطتهم المختلفة، وأولها: الصلاة، ففيها صالة كبيرة ومنصة، تتحول عند الصلاة إلى مسجد جامع، تتراص فيه الصفوف، وفق علامات معينة، ترسم خطوطًا، تحدد القبلة.
وبعد الصلاة يجلس الناس في هذه القاعة الكبيرة، التي تتحول إلى قاعة محاضرات، يجلس المتحدثون فيها على المنصة المعدة لذلك من أول الأمر، ويجلس الناس فيها على الكراسي، ويولون وجوههم شطر المنصة.
جنوح إلى التشديد لا مبرر له:
وهنا وجدنا -كالعادة- بعض الإخوة الذي يجنحون إلى التشديد والتعسير، يعترضون -فيما يعترضون عليه- على جلوس الناس على الكراسي، وتوجهم إلى غير القبلة في الجلوس، وعلى لبس «البنطلونات» ولبس الساعة في اليد اليسرى، بدل اليمنى... إلخ. نظم الإخوة لي محاضرة في المركز، لا أذكر موضوعها، وبعد المحاضرة: يخصص وقت للأسئلة للإجابة عنها ما وسعنا الوقت والجهد.
وكان من الأسئلة هذه الأشياء، التي يعترض بها الإخوة الذين يوصفون بأنهم: «سلفيون»، وقلت للإخوة: إن الإسلام يقوم على التيسير، كما قال تعالى: {يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ} (البقرة: 185)، وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖ} (الحج: 78)، وقال رسوله: «إنما بُعثتم ميسِّرين ولم تُبعثوا معسِّرين» رواه البخاري، وقال: «يسِّروا ولا تُعسِّروا» متفق عليه، والمسلمون في هذه البلاد خاصة -ومثلهم كل من يعيش خارج المجتمعات الإسلامية- أولى الناس بالتيسير ورفع الحرج عنهم؛ لبعدهم عن دار الإسلام، والله يحب أن تؤتى رخصه.
والمسلمون ينتهزون يومي الإجازة: السبت والأحد، ليلتقوا فيها في هذا المركز وأمثاله، ليتعلموا دينهم، ويتدارسوا أمورهم، ويتفاهموا ويتوادوا، ويقترب بعضهم من بعض، وهم يقضون سحابة النهار -وربما بعض الليل- في المركز، ويتغدون فيه، وقد يتعشون أيضًا، ولا بد أن نهيئ لهم أسباب الراحة، حتى يمكثوا هذه المدة دون تعب كثير، وتوفير المقاعد والكراسي التي اعتادوا الجلوس عليها مما يساعدهم على ذلك.
والاتجاه إلى القبلة في الجلوس: أدب من الآداب، وليس فرضًا ولا واجبًا ولا سنة مؤكدة، وخصوصًا إذا عارضه ما هو أهم منه، وهو ضرورة الجلوس في مواجهة المنصة التي يجلس عليها المتكلمون.
وأما لبس البنطلونات، فهو مطلوب في هذه البلاد؛ لأن الأزياء تتغير بتغير الأعراف، والإسلام لم يلزمنا بزي معين نراه وحده الزي الشرعي، لكن له مواصفات لا بد من مراعاتها: من ستر العورة، وأن لا يشف ولا يصف، وأن لا يكون زيًّا اختص به الكفار، وهو يريد أن يتشبه بهم، وقد أصبح هذا الزي معتادًا في كثير من بلاد العالم، ومنه بلاد المسلمين..
فإذا كان الناس في مصر والشام والعراق والمغرب والخليج وباكستان، يلبسون هذا الزي؛ فكيف لا يلبسه المسلم الذي يعيش في قلب أمريكا نفسها؟! بل الأولى أن يلبس لبسهم -ما دام غير محرّم- حتى يكون قريبًا منهم، غير مخالف لهم، فهذ أدعى إلى تأثيره فيهم، وتجاوبهم معه. ونحن ندعو إلى أن يندمج المسلم في المجتمع لا أن ينعزل عنه؛ ما دام محافظًا على هويته الدينية.
سؤال من المسلمين الجدد حول الصوم:
وهنا سأل أحد الإخوة الأمريكيين الجدد سؤالًا، حول أمر الصيام، وهو: لماذا اختار الإسلام للصيام شهرًا قمريًّا يتنقل بين الفصول الأربعة، ولم يثبّته في شهر شمسي بحيث يظل ثابتًا لا يتغير؟
وقبل أن أجيب عن السؤال قام شيخنا إمام المسجد رحمه الله تعالى فقال للسائل: كل من له سؤال في العبادات يحتفظ به؛ لأننا ندرس فقه العبادات للمسلمين الجدد، كل يوم ثلاثاء، هنا في المركز، ونحن ندرس الفقه في كتاب يدرس في القسم الثانوي بمعاهد الأزهر الشريف، وهو: «الشرح الصغير على الدردير»..
وسكتُّ، ولم أعلق على كلام شيخنا، فلم يكن من اللائق أن أرد عليه أمام الناس، ولكني بعد ذلك أشرت إليه: أن هذا الكتاب يستصعبه طلاب الأزهر، وهم عرب متخصصون، فكيف يسهل على مسلمين جدد غير متخصصين يدرسونه بغير العربية؟! وإذا كان الشيخ يُدرسهم الآن فقه الطهارة، فمتى يصل إلى الصوم؟ على أنه لو وصل إليه لن يجد فيه جواب السؤال الذي طرح.
وجواب السؤال واضح، وهو: أن يتعبد المسلم لربه سبحانه بالصيام في كل فصول السنة، ما كان فيها حارًّا، وما كان باردًا، وما كان معتدلًا، ما كانت أيامه قصيرة، وما كانت أيامه طويلة، وهذا يدل على قوة الإذعان والطاعة والاستجابة لأمر الله في سائر الأحوال.
رسالة من الشيخ المجذوب:
كان الشيخ محمد المجذوب من دعاة سوريا، الذين يجمعون بين العلم والأدب والشعر. وكان قد ترك سوريا، كما تركها كثير من أبنائها المخلصين من أهل العلم والدعوة، فرارًا من طغيان حكم البعث النصيري المتعصّب.
وكنت لقيت المجذوب، وتعرفت عليه عند الشيخ العلامة الدكتور مصطفى السباعي، حينما لقيته في المدينة في موسم الحج سنة (1384هـ - 1964م). كما تعرفت عليه في المدينة المنورة مع أخي في الدعوة وزميلي في معهد طنطا: العالِم الداعية الشيخ محمد السيد الوكيل رحمه الله تعالى.
كما سمع الشيخ المجذوب عني من الإخوة السوريين الذين يعملون في قطر، ولا سيما زوج ابنته «أبو العز» الأستاذ محمد نعسان عرواني، مدرس التاريخ، وزميلنا في قطر لعدة لسنوات، وقد كان مثالًا عاليًا في الأدب وحسن الخلق، وسلامة الذوق، وحسن التعامل مع إخوانه.
وقد أراد الشيخ المجذوب أن يصنف كتابًا بعنوان: «علماء ومفكرون عرفتهم»، وخطط لأن يكون اسمي فيهم، وأرسل إليَّ رسالة مطولة، يرجوني فيها: أن أجيب عن أسئلته التي أرسلها إلى كل من سيكتب عنهم، لتعينه على استكمال فكرته عن الشخص، ورسم صورة له أقرب ما تكون إلى الحقيقة.
وكنت في أول أمري متثاقلًا أو متكاسلًا عن إجابة الشيخ، ولكنه استعان عليَّ بصهره وإخوانه في قطر، فدفعوني إلى تحقيق ما طلب، وأجبته عن أسئلته، إجابة مفصلة بعض التفصيل، وقد سر بها، وشكرني عليها. وصدرت في الجزء الأول من كتابه المذكور، والذي ضم عددًا من أعلام العلم والفكر والدعوة، وكنت عندما أرسل إليَّ كتابه أخطو إلى الخمسين من عمري.
وقد لقيني قبل أن يرحل إلى العالَم الآخر بقليل، وقال: إنه يحاول الآن تحديث كتابه، وأرسل إلى كل من كتب عنهم، أن يضيفوا، أو يهذبوا ما شاءوا من ترجماتهم، فلعلك تبعث إليَّ بما يعن لك في ذلك، فشكرت له، وقلت له: أدعو الله أن يعينني على ذلك. ولكن الأقدار لم تسعفني فبقيت الترجمة على ما هي عليه .