في هذه الفترة*، وفّقني الله للقيام بنشاط مكثّف في مصر: في القاهرة، والإسكندرية، وفي سائر محافظات مصر، بدعوةٍ من الجامعات، أو من الأندية، أو من النقابات والجمعيات المختلفة.
محاضراتي في جامعة القاهرة:
أكثر محاضراتي كانت في جامعة القاهرة، التي دُعيت إليها مرارًا وتكرارًا، أحيانًا بدعوة من رئيس الجامعة، وأحيانًا من وكيل الجامعة، مثل: أ. د. علي السِّلْمي، أو أ. د. أحمد فتحي سرور، وأحيانًا بدعوة من عميد كلية، وكانت أكثر الكليات دعوة لي هي كلية الطب؛ وكانت تحضر جموع حاشدة تملأ القاعة، ويقف الأكثر داخل وخارج القاعة.
كما كنت أحضر معسكراتهم أو مخيّماتهم الصيفية التي يعقدونها داخل الجامعة، أحاضرهم وأحادثهم وأتلقى أسئلتهم في كل اتجاه وأجيب عنها.
وكثيرًا ما لا يكتفون بمثل هذا اللقاء فيزورونني في بيتي، ويستكملون النقاش في القضايا العلمية المختلف فيها بين السلفيين وغيرهم، والقضايا الفكرية المختلف فيها بين التحرريين وغيرهم، والقضايا العقدية المختلف فيها بين التكفريين وغيرهم.
كما حاضرت في جامعة عين شمس، وجامعة الأزهر، وجامعة الإسكندرية، وجامعة طنطا، وجامعة المنصورة، وجامعة أسيوط، وجامعة المنيا، وغيرها.
كما دُعيت من جهات أهلية وثقافية وخيرية، للاحتفال بمناسبات إسلامية، كالمولد والهجرة، أو لإلقاء محاضرات في قضايا إسلامية: فكرية، وثقافية، وتربوية، وسياسية، وغيرها.
ولقد دعيت مرات ومرات من قبل نقابة الأطباء بدار الحكمة بالقاهرة، ومن قبل نقابة المهندسين، ومن جهة نقابة الصحفيين، ونقابة المحامين، وغيرهم. ودعيت من المحافظات والمدن المختلفة: طنطا، وشبين الكوم، والزقازيق، ودمياط، ورشيد، وكفر الشيخ، ودمنهور، ومحافظات الصعيد.
كما دعاني إخواني في المحلة الكبرى بمناسبات شتى، وكانت تحتشد لسماع المحاضرة جموع هائلة تأتي من كل البلاد المحيطة بالمحلة؛ لأن بيني وبينهم روابط روحية وفكرية وثيقة وقديمة.
خطبة العيد في الإسكندرية:
وفي إستاد الإسكندرية خطبت العيد أكثر من مرة، ومنها مرة كان الذي رتَّب لي الذهاب إلى الإسكندرية، وقطع لي التذكرة: هم رجال أمن الدولة أنفسهم، وهم الذين حجزوا لي الفندق على كورنيش الإسكندرية، وأقاموا بالاشتراك مع وزارة الأوقاف حفل الإفطار يوم الوقفة (9) من ذي الحجة.
وكانوا أرسلوا إليَّ مندوبهم مع مندوب وزير الأوقاف «المحجوب» يرجوني أن أقبل الذهاب إلى صلاة العيد، وقالوا: إنَّ الجموع المحشودة للصلاة كبيرة، وإذا لم يكن الخطيب حكيمًا ومأمونًا، يخشى أن يفلت الزمام. ومثلك مَنْ يؤمن على ذلك.
وفي الصباح عند الذهاب إلى الاستاد، تنازع رجال الأمن والشباب المشرف على الصلاة: أيهما الذي يتولى نقلي إلى الصلاة؟ فقلت لرجال الأمن: دعوا الشباب يتولى هذا الأمر؛ فهذا أكرم لي من أن أذهب في صحبتكم!
العودة إلى القاهرة بالقطار:
وبعد انتهاء الصلاة وخطبة العيد، أخرجني الشباب بأعجوبة، قبل أن يهجم عليَّ المصلّون، فلا أملك الفكاك منهم، وكنت قطعت تذكرة طائرة للعودة إلى القاهرة بصورة أسرع، ولكن بعد ذهابنا إلى المطار، وجدنا المطار مغلقًا في انتظار إقلاع طائرة الرئيس حسني مبارك، الذي كان يصلي العيد في الإسكندرية، ولا يُدرى متى يفتتح المطار.
وهناك قال مسئول الأمن الذي صحبني إلى المطار، وأمر أن تفتح لي قاعة التشريفات: إذن نقطع لك تذكرة على القطار، ونكلِّف من ينتظرك في محطة القاهرة، ليوصلك إلى البيت. وعبثًا حاولت أن أدفع لهم ثمن التذكرة أبوا. وأظنها كانت في ذلك الوقت بخمسة جنيهات!
العقيد محمد رفعت:
وفي المحطة وجدتُ أحد رجال أمن الدولة ينتظرني على الرصيف، وقد احتفى بي وقدّم نفسه لي، وقال: أنا العقيد محمد رفعت. قلت: سمعت باسمك من قبل، ولم أتشرّف باللقاء إلا اليوم.
قال: أنا في خدمتك إذا أحببت أن تذهب إلى أيِّ مكان فأنا حاضر.
قلت: جزاك الله خيرًا، إنما أريد أن أذهب إلى أولادي. وقد قام العقيد رفعت بالمهمة على ما يرام، وحاولت أن أدعوه لشرب فنجان شاي، فاعتذر، وقال: لعل ذلك يتم في مناسبة أخرى.
وكان وزير الأوقاف محمد المحجوب، قد قال لي: إذا أحببت أن تبقى أسبوعًا أو عشرة أيام أنت وأهلك في الفندق، هيّأنا لك ذلك بكل سرور.
قلت له: شكرًا يا سيادة الوزير، أنا أتيت لمهمة، فإذا أدَّيتها عدت من حيث أتيت. وأنا بحمد الله عندي شقة في الإسكندرية على الكورنيش، إذا احتجت إلى شاطئ الإسكندرية ذهبتُ إلى شقّتي.
..................
* من أواسط العقد السابع إلى أواسط العقد التاسع من القرن العشرين.