أكد العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أنه لا يمكن أن يتحقق بناء حقيقي للأمة إلا إذا تواصل العلماء مع الشباب، لتلقينهم الإسلام الصحيح، وتحصينهم من التفريط والإفراط في الدين.
وقال القرضاوي (خلال محاضرته "الشباب وعلماء الأمة" التي جاءت ضمن فعاليات مؤتمر "الشباب وبناء المستقبل" الذي تنظمه الندوة العالمية لشباب العالم الإسلامي في القاهرة، في الفترة من 21 إلى 23 نوفمبر 2006): "إن الشباب هم العنصر الحي في الأمة؛ فهم عنصر القوة بين الضَّعفين: ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة؛ ولذلك علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يُسأل عن العمر عامة، وعن شبابه خاصة فيما أفناه، باعتبار أن الشباب هو أهم جزء في عمر الإنسان".
أنصار الدعوات
وأوضح العلامة القرضاوي: "إن الشباب لأهميتهم كان لهم دور الدفاع والجهاد في رسالات الأنبياء؛ فالشباب دائما أتباع الأنبياء وأنصار الدعوات، وقد كان أفاضل الصحابة من الشباب؛ فأبو بكر الصديق كان عمره 38 عاما حين أسلم، وعمر كان أصغر منه بعشر سنوات، وعلي كان أصغر منه بثلاثين عاما".
وأضاف: "إن ضياع الشباب -إذا لم يولهم العلماء والأمة العناية اللازمة لهم- يكون على أحد أمرين: أولهما أنهم قد يضيعون في الدنيا بأن تستهلكم وتصطادهم شبكات المخدرات، وقد يضيعون في الدين حينما تصطادهم شبكات الغلو والتشدد والتطرف؛ فيمرقون من الدين كما يرمق السهم من الرمية، وهم يظنون أنهم يخدمون الدين".
واستنكر القرضاوي ما يردده البعض من أن الدين لا يهتم بالمستقبل، وأن المتدينين لا يعرفون إلا الماضي، وقال: "إن هذا ليس بصحيح؛ فالمتدين الحقيقي يستلهم الماضي، ويعايش الحاضر، ويستشرف المستقبل، وقد وجدنا في القرآن أفعالا بصيغة المستقبل وتتحدث عنه".
وشدد الشيخ يوسف القرضاوي على أنه ليس من الإسلام أن نعيش للماضي وحده أو للحاضر وحده؛ فالإسلام يتعامل مع الزمن كله؛ ولذلك كان علينا أن نهتم ببناء المستقبل؛ لأن أمتنا حاضرها متخلف ومؤلم.
ما يريده الشباب
وأكد الشيخ القرضاوي أن الشباب يريدون من العلماء أن يعلموهم الإسلام الصحيح المتوازن، بعيدًا عن الخرافات التي أفسدت هذا الدين، وعن الزوائد والمبتدعات التي أفسدت الأديان من قبلنا.
وأضاف أنه لا بد من تعليم الشباب الإسلام الصحيح بلا زيادة عليه أو نقصان منه، وقال: "نحن في عصرنا الحالي نعاني محاولات الانتقاص من الإسلام حتى يجاري الشرائع الأخرى، ويجاري الحضارة الحديثة؛ فهم يريدون الإسلام زواجًا بلا طلاق، وعقيدة بلا شريعة، وسلامًا بلا جهاد، وعبادة بلا معاملة، ودعوة بلا دولة، ودينًا بلا دنيا".
وبيَّن الدكتور القرضاوي أنه يقع على عاتق علماء الأمة تعليم الشباب أنه ينبغي ألا يقيم الإنسان معركة من أجل أمر مختلف فيه، أو أمر مكروه، وأنه لا بد من أن نركز على المتفق عليه قبل المختلف عليه، وعلى الكليات قبل الجزئيات.
وشدد على أنه ينبغي على العلماء أن يعاملوا الشباب بروح الأب، لا بروح ممثل الادعاء، حتى وإن أخطأ الشباب؛ لأن المخطئ يمكن أن يصيب ويعود، والرسول لم يكن يغلق الباب أمام العصاة.
واجب الشباب
وحول ما يريده العلماء من الشباب، أوضح العلامة القرضاوي أن على الشباب أن يتعاملوا مع العلماء معاملة الأبناء للآباء، ومعاملة التلاميذ للأساتذة، فينبغي ألا يتعالى الشاب على المشايخ والعلماء، وقال: "بعض الشباب إذا قرأ كتابًا أو اثنين أصبح يعارض العلماء، بل يعارض أئمة الفقه؛ لدرجة أنه إذا قيل له: قال أبو حنيفة كذا والشافعي كذا، رد قائلا: هم رجال ونحن رجال".
وأضاف: "نريد من الشباب أن يتواضع وينمي نفسه معرفيا، وينمي سلوكه وإيمانه بعمل الصالحات التي تشمل كل ما يصلح به المجتمع، وكذلك أن يترك الغرور؛ لأنه سبب فقدان العلم، حيث يجعل صاحبه يخجل من السؤال".
وانتقد الشيخ القرضاوي قيام وزارات ومؤسسات في العالم الإسلامي لرعاية الشباب، وهي لا تركز في رعايتها إلا على البدن، وتنسى الروح والوجدان، مع أن المفترض -على حد قوله- تغذية جسم الإنسان وعقله ووجدانه وقلبه.