د. القرضاوي

السلاح الذي تنكره اليوم أمريكا هي التي أمدت به صدام العراق، ولم تنكره حينما ضرب به الإيرانيين والأكراد، كان حلالاً في ذلك الوقت، أصبح اليوم حراماً

كنت أفتي بتحريم فوائد البنوك لمسلمي الغرب ثم غيرت رأي، ربما لأن الإنسان حينما يبلغ الشيخوخة يكون أرق قلباً أو ربما كان نضج الإنسان عن طريق القراءة والتجربة سبب في تغيير الفتوى

أجرت الإذاعة العربية في بي بي سي لقاء مع الشيخ القرضاوي

خلال زيارته الحالية للندن العاصمة البريطانية بدعوة من الرابطة الإسلامية فيبريطانيا، لإلقاء عددا من المحاضرات ولعقد لقاءات إعلامية مكثفة الهدف منها هو تصحيح المفاهيم المغلوطة التي غابت معها وسطية الإسلام وسماحته.


أجرى اللقاء المقدم زين العابدين توفيق الذي حاور القرضاوي حول عدة مواضيع منها الحرب الوشيكة على العراق وبما يسمى بصدام الحضارات، وفيما يلي نصل الحوار

إلى أعلى

حكم مساندة العدوان على العراق

المقدم: المسلمون الان يواجهون تحديات عدة وآخر هذه التحديات الهجوم المتوقع على العراق، وتحدثت فضيلتكم أكثر من مرة عن دور المسلمين في التضامن مع الشعبين العراقي والفلسطيني، ماذا عن الحكومات العربية والإسلامية، يعني حكم من يقف إلى جوار المهاجمين في هذه المسألة؟


أمريكا هي التي أغرت صدام بغزو الكويت حينما سأل السفيرة الأمريكية ماذا لو حدث شيء بالنسبة للكويت فقالت ليس بيننا وبين الكويت معاهدة دفاع معنى هذا الطريق مفتوح لك

القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم... أنا أدين كل من يساند العدوان، سواء كان على المسلمين أم كان على غير المسلمين لان من شأن المسلم أن لا يظلم وأن لا يكون عونا للظالم فمعاونة الظالمين في الإسلام هي أيضا بمثابة الظلم وعندنا من المأثورات الإسلامية

حكماء الأمة يقولون: من مشى مع ظالم ليقويه فقد خلع رقة الإسلام من عنقه، ويقول بعضهم: من دعا بظالم بطول البقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه، يعني عندما يقولون (يطول عمرك) أي يطول عمر الفساد والظلم، فلذلك لا ينبغي لأي مسلم أن يساعد على ظلم، فكيف إذا كان الظلم هذا يشمل شعوباً، ظلم الفرد محرم فكيف بظلم الشعوب، ظلم يترتب عليه موت وخراب وهلاك، فلهذا لا يقبل الإسلام الظلم لأي إنسان بل لا يقبل ظلم الحيوان لا يقبل لإنسان أن يعذب حيوان بغير حق، "دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" فإذا كان هذا الظلم على شعب مسلم وعلى وطن مسلم يكون هذا أشد في الإثم، لأن المفروض أن يكون المسلم مناصراً لأخيه المسلم، "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله" و "المسلمون أمة واحدة يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم" فأنا أنتظر منك أن تنصرني وتساعدني فتأتي مع عدوي لتضربني وتحطمني؟، هذا لا يقبل.

المقدم: نعم، البعض يقول أن تخليص العراق من الحكومة الحالية ومن النظام الحالي هو خير للعراق وخير للمسلمين وقد يجد بذلك مبرراً للوقوف بجانب من يريدون تغيير النظام في العراق..

القرضاوي: هذا كلام في الحقيقة يراد به تغليف الأهداف العدوانية بغلاف محسن ومزوق ولكن الحقيقة هل المقصود من هذا هو تخليص العراق من صدام ومن الذي يخلص، أمريكا؟ أمريكا هي التي ساندت صدام في مراحل طويلة من حياته، ساندته لضرب إيران، ضرب الثورة الإسلامية في إيران في نشأتها ومدته بالسلاح، السلاح الذي تنكره اليوم أمريكا هي التي أمدت به عراق صدام أو صدام العراق، ولم تنكره حينما ضرب به الإيرانيين ولم تنكره حينما ضرب به الأكراد في بلده منطقة حلبشة المعروفة كان حلالاً في ذلك الوقت، أصبح حراماً يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً، أمريكا ساندت سنوات طويلة في حياته ثم الآن تتنكر له، بل من المعروف أن أمريكا هي التي أغرت صدام بغزو الكويت حينما سأل السفيرة الأمريكية ماذا لو حدث شيء بالنسبة للكويت فقالت ليس بيننا وبين الكويت معاهدة دفاع ولا شيء من هذا معناها الطريق مفتوح لك، فليس المقصود التخلص من صدام، ثم إذا كان يراد التخلص من صدام .. فلابد أن يتخلص منه الشعب العراقي ليختار البديل بنفسه، أما أن يفرض على الشعب العراقي حاكم عميل بديل للحاكم الدكتاتور أنا عندي أن الدكتاتور على ظلمه وسوءه خير من العميل الخائن لبلده المنضم لعدوه.

إلى أعلى

صدام الحضارات

المقدم:فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي .. كنت قد قمت بزيارة إلى الفاتيكان وفيما عرف بالحوار الإسلامي المسيحي قبل ذلك أسامة بن لادن قسم العالم قال إن أحداث سبتمبر قسمت العالم إلى فسطاطين .. فسطاط إيمان وفسطاط كفر .. هل ترى هذه التحركات الأمريكية في المنطقة و التحركات البريطانية معها مقدمة لصراع حضارات كما تحدث عنها صامويل هانتنجتون؟

القرضاوي: أولاً نحن نؤمن بحوار الحضارات وحوار الأديان، وإمكان التفاهم بين المختلفين، والإسلام يأمرنا بالحوار يعني نحن لسنا مخيرين في الحوار نحن مأمورون بأن نحاور مخالفينا (جادلهم بالتي هي أحسن)، نحن لسنا مع نظرية صامويل هانتنجتون هذا بصراع الحضارات أو صدام الحضارات، فالتفاهم ممكن، وإن كان هو يخفي في كلامه عن صراع الحضارات أنه في الحقيقة صراع الأديان، فهو قسم الحضارات السبعة أو الثمانية مثل الحضارة الإسلامية والحضارة الكونفوشيوسية والحضارة الأرثوذوكسية والحضارة اللاتينية يعني كلها تحمل عنصراً دينياً خفياً وإن كان هو يقول الحضارة الأرثوذوكسية الروسية وحضارة أمريكا اللاتينية فهو يخفي العنصر الديني، هو يرى أن كل الحضارات يمكن التفاهم معها ما عدا الحضارة الإسلامية حتى الحضارة الكونفوشيوسية وهو يعبر بها عن الحضارة الصينية يقول أنه يمكن التفاهم معها ولكن الحضارة الإسلامية هذه الحضارة الناشزة التي يصعب التفاهم معها، نحن نخالفه وإن كان هذا يعتبر من التبريرات الفلسفية للسياسة الأمريكية ولكن نحن لا نأخذ هذه التحليلات مسلمة، نرى أن هناك شوائب كثيرة تشوبها.

المقدم: ألا يلتقي كلامه عن الصدام مع الحضارة الإسلامية بالذات مع ما يقال أيضاً في الجانب الإسلامي عن أن الكفر ملة واحدة أي أن كل الملل الأخرى في كفة والإسلام في كفة أخرى؟

القرضاوي: لا، الإسلام ينظر إلى الملل الأخرى في كفة والإسلام في كفة على أساس أنه له وجهة غير وجهتها وله فلسفة غير فلسفتها وإن كان الإسلام يرى أن أهل الكتاب أقرب إليه من غيرهم، ولهذا أجاز مصاهرة أهل الكتاب، وهذا قمة في التسامح، يعني أهل الكتاب لا يجيزون هذا ولكن الإسلام أجاز أن يتزوج المسلم مسيحية أو يهودية، ومعنى هذا أنها تكون ربة بيته وشريكة حياته وتكون أم أولاده، ومعنى هذا أن يكون أبوها يصبح جد أولاده وأمها تصبح جدتهم وأختها تصبح خالتهم وأخوها يصبح خالهم أصبحت هناك رحم مشتركة وأصبحت هناك حقوق ذوي القربى هذا قمة في التسامح، ومع هذا الإسلام يرى أن اختلاف الناس في الأديان واقع بمشيئة الله وأن الله حينما خلق الإنسان وأعطاه العقل والإرادة فمعنى هذا أعطاه حرية التغاير مع الآخرين ولهذا قال (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)، المفسرون يقولون (لذلك) أي للاختلاف خلقهم، لأنه خلقهم بعقول.. كل واحد له عقله وله إرادته وله اختياره فلابد أن يتغايروا ولابد أن يختلفوا.

إلى أعلى

موضوع الردة

المقدم: فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي .. ذكرت الاختلاف وإذا كان الإسلام يسمح بالاختلاف بين المسلمين وغير المسلمين .. هل يسمح بالاختلاف بين المسلمين أنفسهم، وكما نعلم أنك من المجتهدين وتفتح باب الاجتهاد لكثير من العلماء، كلام كثير قيل عما يسمى في الإسلام بالردة، هل إذا رأى المسلم نفسه مولوداً مسلماً ورأى طريقاً آخر غير الإٍسلام هل أيضاً يحكم بقتله كما هو الحال؟

القرضاوي: موضوع الردة كبير وأنا قدمت فيه رسالة اسمها (جريمة الردة وعقوبة المرتد) حتى عقوبة القتل هذه ليس متفقاً عليها، هناك من العلماء من يقول أن المرتد يستتاب أبداً يعني يناقش دائماً وهذا رأي الإمام النخعي من فقهاء التابعين، والإمام الثوري وهو نظير الإمام أبي حنيفة وكان له مذهب استمر مدة طويلة، ولذلك ليس هذا الأمر متفق عليه، ثم ليست الردة كلها من نوع واحد، يعني هناك واحد ارتد اقتنع بشيء آخر فيذهب إلى جهنم ومثلما قال القرآن الكريم (ومن يرتد منكم عن دينه فيموت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة) إنما الخطر حينما يصبح المرتد داعية لدينه الجديد ومهاجماً للدين القديم، ويدعو المسلمين إلى الخروج عن دينهم ويفتنهم في عقيدتهم هنا يصبح الخطر لأنه يهدد الأمة في كيانها المعنوي، وكل نظام من الأنظمة عنده أشياء أساسيات لا يقبل الاختلاف فيها .. وهذه الردة والدعوة إليها ممكن تكون خطورة هائلة، وأنا أضرب لك مثلاً .. أتعرف ماذا حدث لأفغانستان؟ الذي حدث لأفغانستان منذ أكثر من عشرين سنة من اليوم سببه جماعة ذهبوا إلى روسيا، هؤلاء حينما أخذوا الحكم أرادوا أن يفرضوا هذا الدين الجديد أو المذهب الجديد على الشعب الأفغاني الذي رفض لتمسكه بدينه، هؤلاء استعانوا على الشعب الأفغاني بالسوفييت، بالدبابات السوفيتية والطائرات السوفيتية تدك البلد واستمرت الحرب إلى اليوم، كل ما يجري فيه أفغانستان إلى اليوم سببه هؤلاء المرتدون الذين أرادوا أن يفرضوا الردة على الأمة، فالردة ليست جريمة هينة ليست مجرد فكري، لا، هذا إنسان يغير ولاؤه من أمة إلى أمة أخرى ومن وطن إلى وطن آخر، هل يقبل أي داعية وطني الآن الخيانة الوطنية؟ هل يقبل واحد يقول لك أنا أرى أن أفضل شيء لمصر أن يحكمها البريطانيون ويدعو إلى هذا؟ ماذا تسمي هذا؟ نسميه خائن، خيانة عظمى، ويستحق القتل والإعدام، أحياناً الردة تكون بمثابة الخيانة العظمى لأنها تكون عمل ضد الأمة، إنما إذا كان هناك شخص يقف موقف وهو في نفسه لا يكون خطراً على الأمة فهو وما يرى.

إلى أعلى

الغرب والتعامل مع فوائد البنوك

المقدم: هنالك قضايا كثيرة تطرأ كل اليوم، فاليوم يتجدد فيه أكثر بكثير مما تجدد خلال القرون


أفتى المجلس الأوروبي للافتاء للأقليات الإسلامية في أوروبا، بجواز شراء البيوت بالقرض من البنك بالفائدة واعتبر هذا حاجة من الحاجات للفرد المسلم، وشنوا علينا الغارة بالتهاون في الدين وتحليل الحرام، ولكن الفتوى من منطلق رعاية المقاصد للشريعة، وأن الشريعة لا تريد إعنات الناس

والعقود الماضية، المسلمون في الغرب مثلاً يجدون صعوبة شديدة في تفادي مسألة الفائدة في البنوك والتعامل مع النظام المصرفي وهو نظام بعضه يشبه بعضاً فلا فكاك لهم في التعامل مع هذه التعاملات .. هل تفتي المسلمين هنا في أوروبا وأنت رئيس مجلس الفتوى الأوروبي بالتعامل مع هذه الأشياء على أن لا يجوز لهم ذلك إذا عادوا إلى بلادهم العربية والإسلامية؟

القرضاوي: المجلس الأوروبي للإفتاء اعتنقوا الفلسفة الشيوعية المادية الجذرية والمادية التاريخية وعادوا يبشرون بالماركسية وانضم إليهم بعض الناس ثم للأسف انقلبوا على الحكم .. وثبوا على الحكم وأخذوا الحكم، أفتى للأقليات الإسلامية في أوروبا، أفتى لهم بجواز شراء البيوت بالقرض من البنك بالفائدة واعتبر هذا حاجة من الحاجات للفرد المسلم وللأسرة المسلمة وصدرت فتوى من المجلس بهذا الأمر.. وطبعاً هناك من شنوا علينا الغارة بالتهاون في الدين ونحلل الحرام ونعمل كذا .. ولكن من منطلق رعاية القواعد ورعاية المقاصد للشريعة، وأن الشريعة لا تريد إعنات الناس وإنما تريد رفع الحرج عنهم (وما جعل عليكم في الدين من حرج، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) من هذا المنطلق – وقد قال الفقهاء إن الحاجة تنزل منزلة الضرورة – ولاشك أن السكن للإنسان حاجة فأفتينا بجواز هذا في البلاد التي يعيش فيها المسلمون أقليات ويحتاجون إلى السكنى وقد يفضي عدم إجازة هذا إلى حرج ومشقات كثيرة للفرد المسلم وللأسر المسلمة.

إلى أعلى

الرجوع عن الفتوى

المقدم: أخيراً فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي .. كم مرة حدث ورجعت عن فتوى أفتيت بها في وقت سابق؟

القرضاوي: هي هذه من الأشياء التي رجعت عنها، فقد كنت أفتي بتحريم هذا منذ مدة طويلة ثم بدا لي أن أغير رأيي، ربما كان الإنسان حينما يبلغ الشيخوخة يكون أرق قلباً وأرفق بعباد الله أو ربما كان نضج الإنسان عن طريق القراءة والتجربة والإطلاع لعل له سبب في تغيير الفتوى .. الإمام الشافعي كان له فتاوى وله فقه قبل أن يستقر في مصر وبعد أن استقر في مصر أصبح له مذهب آخر، العلماء يقولون (قال الشافعي في القديم) يعني في المذهب القديم، (وقال في الجديد) أي في المذهب الجديد وأصبح هذا معروفاً عند الناس، لأنه في مصر رأى ما لم يكن قد رأى وسمع ما لم يكن قد سمع ثم إنه قد نضج فكره، أصبح في الخمسين أو فوق الخمسين، فهنا يمكن للإنسان أن يراجع أفكاره واجتهاداته ويغيرها.

ومن الأشياء التي غيرت فيها أيضاً ويتعلق بالأقليات الإسلامية حينما تسلم المرأة ويبقى زوجها على دينه كنت أفتي بأن هذا لا يجوز وأنه يجب التفريق بينهما، ثم بعد أن زاد إطلاعي في هذه القضية وجدت الإمام ابن القيم يقول في أحد كتبه وهو كتاب (أحكام أهل الذمة) يقول: إن في المسألة تسعة أقوال، ويذكر هذه الأقوال، فاخترنا منها أيضاً – المجلس الأوروبي للإفتاء – القول الذي روي عن سيدنا عمر أنها تخير في الفراق أو بقائها مع زوجها وسيدنا عليّ نفسه روي عنه هذا وأن بعض السلف قالوا: هما على نكاحهما ما لم يفرق بينهما سلطان يعني ما لم يصدر حكم قضائي فيبقى العقد الأول معمولاً به، أخذنا هذا بالتيسير أيضاً لأن إسلام النساء في الغرب كثير جداً أكثر من إسلام الرجال وبعضهن متزوجات وبعضهن على علاقة طيبة مع زوجها وزوجها لا يمنعها من الإسلام ولا يحجر عليها ولا يضيق عليها، فلماذا نصر على التفريق؟ وجدنا في هذا حلاً لهذه المشكلة.

إلى أعلى

الحجاب في الغرب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر

المقدم: بعض النساء في الغرب خلعن الحجاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وقيل أن هنالك من أفتى لهن بخلع هذا الحجاب حفظاً للنفس على أساس أن النفس حفظها مقدم على أداء فريضة الحجاب.. هل توافق على هذا الرأي؟

القرضاوي: أنا أوافق عليه مؤقتاً، يعني إلى أن تستقر الأمور وتعود الحياة إلى طبيعتها لأن مثل هذه الأشياء لا تدوم، يعني أحياناً تكون القبضة شديدة ثم تهدأ العاصفة ويعود الناس إلى الحياة الطبيعية ففي مواجهة العاصفة يمكن أن تتخلى والتخلي أيضاً .. يعني نحن عندنا قاعدة تقول الضرورات تبيح المحظورات، ولكن هذه القاعدة تكملها وتضبطها قاعدة أخرى هي (ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها) يعني لا نتوسع في الضرورة، لا تصبح الضرورة أصلاً، تظل الضرورة استثناء من القاعدة، ويظل الإنسان مشدوداً إلى القاعدة عندما تتاح الفرصة، فالمسلمة مثلاً عندما نقول لها اخلعي الحجاب فلا تخلع الحجاب مثلاً وتلبس الجابونيز .. لا، تخلع الرأس فقط، حتى بعض المسلمات خلعن الخمار ولبسن برنيطة يعني تغطي الرأس للتحايل، ثم إذا خلعتها أثناء العمل الذي يعرفها الناس فيه فتخلعه وفي الأماكن الأخرى تلبسه وهكذا، فهذه الأمور لها ضوابط بحيث يظل الإنسان مشدوداً إلى الأصل الشرعي غير حائد عنه.

إلى أعلى

الاستنساخ البشري

المقدم: ذكرت فضيلتكم أن العلم عندنا دين والدين عندنا علم، هنا يطرح الاستنساخ نفسه على من ملك رأياً في الاستنساخ البشري هل يمكن أن يتغير هذا الرأي لضرورات مستقبلية؟ يعني مثلاً أسرة لا تنجب تريد أن تنجب طفلاً أو طفلة هل يجري عليها التحريم أيضاً؟

القرضاوي: هو الأصل في هذا هو التحريم من غير شك، إنما يمكن أن يباح الاستنساخ الجزئي، استنساخ عضو معين بعض الناس يحتاجون إلى عضو .. في علاج خلايا معينة مصابة بالسرطان ومصابة بكذا وممكن الاستنساخ من هذا .. إنما استنساخ البشر ينبغي أن نغلق الباب في هذا الأمر الحقيقة .. حتى لا تحدث الفوضى .. والإسلام يريد للإنسان أن ينشأ نشأة طبيعية بين أبوين وفي حضانة أسرة .. تعرف أن الطفولة الإنسانية هي أطول الطفولات في الحيوانات لأن الإنسان في حاجة إلى حضانة طويلة الأمد، في حاجة إلى تربية مستمرة فترة، فهو في حاجة إلى أبوة راعية وإلى أمومة حانية وإلى أخوة عاطفة، يريد أن يعيش في هذا الجو فلابد أن نوفره له، فلا ينبغي أن نتوسع في هذا حتى لا يفتح الباب بعد ذلك على مصراعيه.

إلى أعلى

متى يضحك القرضاوي ملء فيه؟

المقدم: سؤال أخير فضيلة الدكتور .. متى يضحك الدكتور القرضاوي ملء فيه ..؟

القرضاوي: (يضحك) .. أنا يا أخي لست إنساناً عابساً .. كان النبي صلى الله عليه وسلم كما وصفه الصحابة ووصفه الصحابي عبدالله بن الحارث الزبيدي وهو دفين قريتنا وهي قرية في الغربية اسمها صفت تراب مركز المحلة الكبرى، وهو آخر من مات من الصحابة بمصر كان من صغار الصحابة وكان مع عبدالله بن عمرو بن العاص وتزوج في بلدنا واستقر بها ومات بها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول "ما رأيت أكثر تبسماً من النبي صلى الله عليه وسلم" فأنا لا أحب العبوس ولا التكشير ولي فتوى طويلة اسمها الدين الضحك حتى أننا نقول الإنسان حيوان ضاحك فالضحك في الأصل .. ولكني كما أضحك كذلك أحزن وأبكي .. وفي حالتنا هذه أعتقد أن الحزن والبكاء هو الواجب على ما تعانيه أمتنا .. كان الشاعر محمود غنيم وهو شاعر له قصائد معروفة قال في أحد الأعياد:

قالوا عجبنا ما لشعرك باكي في العيد ما هذا بشعر معيـّد

ما حيلة العصفور قصوا ريشه ورموه في قفص وقالوا غرد

فأنا أريد أن أضحك ولكن تبكيني هموم الأمة نسأل الله أن يفرج عنها همومها ويكشف غمتها .. اللهم آمين.

المقدم: شكراً جزيلاً فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي

القرضاوي: شكراً لك يا أخ زين العابدين وفرصة طيبة إن شاء الله

المقدم: في ختام هذا اللقاء سيداتي وسادتي نتقدم بخالص الشكر لفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي العالم الإسلامي الكبير على الجهد والوقت الذي أتاحه لمستمعي الـ (بي بي سي) ولكم من زين العابدين توفيق أرق وأجمل تحية.

إلى أعلى