القرضاوي يأخذ هدية رمزية من المخرج الياباني في ختام الحوار


المجتمع الإسلامي مجتمع عالمي بطبيعته ليس مجتمعاً مغلقاً والمسلمون ليسوا جنساً من الأجناس ولا وطن من الأوطان.. وإنما هو دين عالمي .. يستطيع أي إنسان في أي مكان في العالم أن يكون مسلماً.

المسلمون أشد شعوب العالم معاناة من خطر الغرب عليهم .. وهم بحاجة لأن تتحرر أراضيهم ومقدساتهم ولأن يبنوا بلادهم، فلماذا يعتبرهم الغرب خطراً .. إنه خوف لا يوجد مبرر واقعي له.

العولمة كلمة جديدة لمضمون رديء لأنها تهدف للسيطرة على العالم وهي اسم جديد للاستعمار القديم الذي غير جلده كما يغير الثعبان جلده وغير اسمه كما يفعل المحتالون والمزورون.

مقدمة

القرضاوي أثناء حواره مع فريق التلفزيون الياباني

هذا هو الجزء الثاني من الحوار الذي أدلى به د. القرضاوي لمحطة التليفزيون الياباني الرسمية (NHK) والذي بثته مطلع العام الجديد .. وفي هذا الجزء يجيب القرضاوي على أسئلة مندوبي المحطة حول كيفية علاج مشكلة الريبة والخوف التي ينظر بها الغرب تجاه الإسلام، ويوضح الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها الحوار بين الإسلام والمسيحية، ويذكر فضيلته أسباب معارضته للعولمة ويؤكد أنها اسم جديد للاستعمار القديم وهدفها سيطرة أميركا على العالم. وبين أن كثيراً من الأنظمة الحاكمة في الدول الإسلامية سارت في طريق العولمة وانصاعت لها لأن النفوذ الأميركي أصبح يتحكم فيها،  أخيراً أكد على أن الإسلام دين يدعو للمساواة والحرية والعدل بين البشر جميعاً ويستطيع أي إنسان في أي مكان في العالم أن يكون مسلماً.

 

إلى أعلى

 

دور المسلمين في طمئنة الغرب
محطة التليفزيون: ما هو دور المسلمين في طمأنة الغرب وعلاج مشكلة الريبة والخوف التي ينظر بهما الإسلام؟

د. القرضاوي: أعتقد أن المسلمين مطالبون بمد جسور التعاون والتفاهم والحوار مع المعتدلين من علماء ومفكري وساسة الغرب .. وفي رأيي أن موقف الغرب من الإسلام ليس ظلامياً كله ..ففي الغرب معتدلون وفيه متطرفون ويجب أن يكون سعينا الأول هو اللقاء مع المعتدلين منهم وهؤلاء المعتدلون هم الذي يستطيعون أن يقنعوا هؤلاء المتطرفين.

على سبيل المثال: بالنسبة لقضية الخطر الإسلامي والخوف منه، في أميركا أساتذة جامعيون وكتاب كبار أنكروا وجود خطر من الإسلام على الغرب، من هؤلاء البروفيسور (سبوزيتو) الأستاذ الجامعي الكبير الذي ألف كتاباً بعنوان (هل الخطر الإسلامي وهم أم حقيقة) وبين فيه أن الخطر الإسلامي وهم وليس حقيقة.

ونحن نؤكد في لقاءاتنا مع أهل الغرب أن الإسلام رحمة وليس شراً كما يتوهمون، الإسلام خطر على الإلحاد والكفر بالله والدين وخطر على الاستعمار واستعباد الشعوب وخطر على الإباحية والتحلل الأخلاقي وخطر على الظلم بين الناس بعضهم وبعض سواء كان ظلماً سياسياً أم اجتماعياً أم اقتصادياً .. وكل الرسالات السماوية ترفض ظلم العباد بعضهم لبعض – ومن واجبنا نحن المسلمين أن نبين هذا للآخرين من الغربيين وغيره. ثم إني أتساءل: كيف يكون المسلمون خطراً وهم المستضعفون في الأرض .. هم أهل الديانة الوحيدة على ظهر الأرض الذين يعانون من الاضطهاد والمآسي صباحاً ومساء في الشرق والغرب .. في فلسطين وفي كشمير وفي الشيشان وفي أفغانستان وفي الصومال وفي بلاد شتى.

إن المسلمين أشد شعوب العالم معاناة من خطر الغرب عليهم .. وهم بحاجة لأن تتحرر أراضيهم ومقدساتهم ولأن يبنوا بلادهم، معظم الدول الإسلامية الآن في مرحلة التحرير والبناء والتعمير فلماذا يعتبرهم الغرب خطراً .. إنه خوف لا يوجد مبرر واقعي له.

إلى أعلى

الحوار الإسلامي المسيحي
محطة التليفزيون: دعوتم للحوار بين الإسلام والمسيحية .. ما هو المنطلق الذي بنيتم عليه


الخطر الكبير الذي يهدد البشرية هو أن هناك جزءاً من العالم يريد أن يسعد على حساب شقاء بقية العالم.

دعوتكم .. وما هي الموضوعات التي يمكن أن يدور حولها الحوار؟

 

د. القرضاوي: عندما التقينا أنا وعدد من علماء الإسلام بمجموعة من رجال الدين المسيحي في روما ذكرنا لهم أن الإسلام يرحب بالحوار بصفة عامة ويرحب بالحوار مع المسيحيين بصفة خاصة والقرآن الكريم يعتبر النصارى أقرب مودة للمسلمين من اليهود ورسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم يقول "أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة".

وفي القرآن الكريم سورة اسمها سورة (مريم) أم المسيح وسورة اسمها سورة (آل عمران) وهم أسرة المسيح التي تنتمي إليها أمه مريم ابنة عمران .. وسورة اسمها (المائدة) وتلك المائدة نزلت على المسيح. ولا يجد المسلمون في القرآن الكريم سورة باسم آمنة أم محمد عليه الصلاة والسلام ولا باسم زوجته خديجة ولا باسم فاطمة ابنته.

وما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية يقربان المسافة بين المسلمين والمسيحيين.

والقرآن يدعو للحوار مع أهل الكتاب من النصارى فيقول (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا والذي أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) وهو بذلك يأمرنا في حوارنا وجدالنا مع أهل الكتاب من المسيحيين أن نذكر الجوامع المشتركة والقواسم التي تجمع بيننا وبينهم وألا نذكر نقاط الاختلاف والتمايز ولكن نقاط الالتقاء والاشتراك.

وقد ذكرت في لقاءنا برجال الدين المسيحي في روما عدة مجالات يمكن أن يتعاون فيها أهل الديانتين من المسلمين والمسيحيين المجال الأول: هو محاربة الإلحاد والكفر بالله وإنكار رسالة الدين والتكذيب بالآخرة وبالقيم الأخلاقية .. وطالبت بأن نقف معاً في جبهة واحدة لمقاومة الإلحاد.

والمجال الثاني الذي يمكننا أن  نتعاون فيه هو مقاومة الإباحية .. فنحن نعرف أن الحضارة الغربية للأسف حضارة تتسم بالإباحية والتحلل والشذوذ الجنسي وزواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء.

والأمر الثالث الذي يجب أن يتعاون فيه أهل الأديان هو محاربة المظالم الاجتماعية والإنسانية في العالم .. ولذلك دعوت رجال الدين المسيحي في الغرب لأن يقفوا مع الشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم وأن يقفوا مع الشعوب المستضعفة ضد المستعمرين والمستكبرين في الأرض. إذن فهناك ثلاثة مجالات يمكن أن يتعاون فيها أهل الديانتين الإسلامية والمسيحية.

إلى أعلى

العولمة استعمار جديد
محطة التليفزيون: لماذا تعارضون الدعوة للعولمة .. ولماذا تعتبرونها خطيرة على العالم الإسلامي؟

د. القرضاوي: أنا أفرق بين العالمية وبين العولمة .. بالنسبة للعالمية فلا تحفظ لي عليها لأن الإسلام رسالة عالمية وليس رسالة قومية أو محلية، والقرآن الكريم يعتبر أن الله رب العالمين ويعتبر الإنسانية كلها أسرة  واحدة ربها واحد وأبوها واحد .. ونبينا صلى الله عليه وسلم قال "أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد" .. فالله عز وجل رب جميع الناس وآدم عليه السلام أبو الناس أجمعين .. لذلك فأنا لست  ضد العالمية ولا أعارض أن يكون الناس متعاونين عالمياً .. أما معارضتي للعولمة فلأنها كلمة جديدة لمضمون رديء لأنها تهدف للسيطرة على العالم وهي اسم جديد للاستعمار القديم الذي غير جلده كما يغير الثعبان جلده وغير اسمه كما يفعل المحتالون والمزورون.

وحقيقة العولمة هي "الأمركة" أي سيطرة أميركا على العالم والتحكم فيه .. فمن أجل ذلك نحن نرفضها لأنها تسعى للسيطرة على العالم نحن ندعو للتعاون بين الناس في مختلف الدول ولا نؤيد سيطرة بلد واحد على مقدرات البشر كما تريد أميركا.

وقد رأينا مظاهر العولمة اقتصادياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً وأمنياً وعسكرياً .. عندما أرادت أميركا أن تحارب ما أسمته (إرهاباً) ساقت العالم كله معها وأقنعته بتفسيرها هي للإرهاب .. وجندت طاقاتها وطاقات مختلف الدول لمحاربة ما اعتبرته إرهاباً .. ونحن نقول أن الدفاع عن الأوطان والحرمات والمقدسات لا يعتبر إرهاباً .. كما هو حال أهل فلسطين .. ولكن أميركا تعتبر الشرفاء الذين يدافعون عن أوطانهم كأبناء حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وباقي الفصائل الفلسطينية .. اعتبرتهم أميركا إرهابيين. كذلك اعتبرت الجمعيات والمنظمات الخيرية التي تعاون الشعوب الفقيرة جهات إرهابية وأدخلت في قوائم الإرهابيين أفراداً ومنظمات ومؤسسات. تلك هي العولمة التي نرفضها لأن أميركا تريد فرض هيمنتها على العالم وتسوقه بعصاها إلى ما تريد.

أما التعاون بين دول العالم بحيث يأخذ القوي بيد الضعيف ويساعد الغني الفقير ويتبادل الناس السلع والمنافع والخدمات بعضهم مع بعض على قدم المساواة فهذا نرحب به ول  نرفضه بحال من أحوال.

إلى أعلى

معارضة العولمة
محطة التليفزيون اليابني: كيف يمكن للدول الإسلامية مواجهة العولمة أو التعامل معها ؟

د.القرضاوي: بصراحة أرى أن كثيراً من الأنظمة الحاكمة في الدول الإسلامية سارت في طريق العولمة وانصاعت لها لأن النفوذ الأميركي والسيطرة الأميركية بأساليبها المختلفة وبآلياتها القوية وبتأثيراتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية أصبحت تتحكم في كثير من الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين ولم يبق إلا قليل ممن يعارضون العولمة .. والمعارضة معظمها معارضة فكرية.

ونحن نقول إذا كان هناك من دخلوا في العولمة فيجب أن تكون ثمة وقفة إسلامية للتحفظ على الأشياء التي لا تتفق مع قيم المسلمين ومع عقائدهم وأخلاقياتهم وشرائعهم مثلما حدث من معارضة إسلامية لمحاولات عولمة الإباحية والعلاقات الجنسية الشاذة في مؤتمرات السكان التي عقدت في القاهرة وبكين .. ولم تتوقف المعارضة على جانب الإسلاميين وحدهم بل عارضتها الكنيسة الشرقية ووقفت في صف علماء الإسلامي في رفض إباحة الإجهاض إباحة مطلقة ومنع سيطرة الآباء والأمهات في تربية الأولاد الصغار ورفض فكرة الأسرة واحدة الجنس التي تتمثل في زواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء.

وقد رأينا وحدة الكلمة الإسلامية في مواجهة تلك العولمة اللاأخلاقية حيث وقف الأزهر في مصر إلى جانب رابطة العالم الإسلامي في السعودية ومعها المؤسسة الدينية في إيران وساندتهم معظم الجمعيات والهيئات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، الجميع وقف ضد وثائق مؤتمرات المرأة ووقف الفاتيكان بجانبهم ورأينا جبهة واحدة تضم علماء الإسلام ورجال الكنيسة ضد الاتجاهات الإباحية التي تريد أن تسلخ الأمم من جلدها.

وبرأيي أن الجميع مطالبون بالوقوف في وجه تلك الاتجاهات العولمية.

والواقع أن معارضة ما تنادي به العولمة لا يتوقف على الإسلاميين وحدهم بل هناك جمعيات ومنظمات كثيرة في أوروبا وأميركا وغيرها تعارض مؤتمرات منظمة التجارة العالمية وقد رأينا ذلك في المؤتمر الأخير الذي عقد في الدوحة والمؤتمرات التي سبقته.

إلى أعلى

المسلمون في الألفية الثالثة
محطة التليفيزون الياباني: كيف يمكن للمسلمين التعايش مع باقي دول العالم في الألفية الثالثة؟

د. القرضاوي: المجتمع الإسلامي مجتمع عالمي بطبيعته ليس مجتمعاً مغلقاً والمسلمون ليسوا جنساً من الأجناس ولا وطن من الأوطان.. وإنما هو دين عالمي .. يستطيع أي إنسان في أي مكان في العالم أن يكون مسلماً.. يستطيع الياباني والصيني والأميركي أن يكونوا مسلمين. لأن الإسلام دين مفتوح لجميع الناس وهو دين يقوم على مبادئ وقيم إنسانية تقوم على المساواة بين بني البشر  جميعاً دون تفرقة بين عربي وغير عربي ونبي الإسلام قال "لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى" وقال: "الناس سواسية كأسنان المشط الواحد" فالإسلام دين يقوم على المساواة ويقوم على اعتبار كرامة الإنسان (ولقد كرمنا بني آدم) فكل إنسان كريم على الله عز وجل والله استخلف الناس في الأرض وأمرهم بعمارتها وإقامة العدل والحق فيها.

والإسلام يدعو للحرية الإنسانية .. حرية الإنسان بحيث لا يجوز لأحد أن يستبعد أحداً وقد سجل التاريخ لأحد خلفاء المسلمين وهو عمر بن الخطاب قولته المشهورة لواليه على مصر عمرو بن العاص قال له "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" هذه الكلمات أصبحت تتصدر دساتير معظم الدول المتحضرة التي  ترفع شعارات الحرية لأبنائها.

والإسلام دين يكفل الحياة الكريمة والمعيشة التي تكفل الضروريات لكل إنسان مثل المأكل والمشرب والملبس والعلاج والتعليم.. تلك حقوق للإنسان يدعو لها الإسلام. من أجل ذلك نقول أن المجتمع الإسلامي ليس مجتمعا منغلقاً كما يفهمه البعض .. وإنما هو مجتمع عالمي مفتوح بطبيعته.

لهذا لا يمكن أن تكون ثمة أي عقدة أو مانع يحول دون قيام علاقات طبيعية بين المسلمين وغيرهم من البشر.

المشكلة أن كثيراً من المخالفين للإسلام يريدون أن يفرضوا سيطرتهم على المسلمين ولا يحبون أن يعيش المسلمون في ظل مجتمع إسلامي متماسك بقيمه وشريعته وعقيدته وأخلاقياته ويريدون أن يفرضوا الثقافة والأخلاق الغربية على المسلمين .. حتى تصبح المجتمعات الإسلامية جزءاً من مجتمعاتهم.

نحن أمة لها شريعتها ودينها وقيمها وعقيدتها ولا نقبل أن يسلبنا أحد تلك الشرائع والقيم والعقيدة والدين الذي نتعبد الله به.

ومن يريد أن  يتعايش مع المسلمين فعليه أن يدعهم ليكيفوا حياتهم وفقاً لأسس دينهم .. وأن يتركنا نتعبد ونقيم شعائر ديننا في بلادنا كما نريد.

بعد ذلك يمكننا التعاون مع غيرنا من البشر فوق الكوكب الأرضي على البر والتقوى ومتواصين بالحق والصبر يضع كل منا يده في يد أخيه من أجل خير الإنسانية ورشدها ومن أجل سعادة الناس جميعاً لا سعادة دولة على حساب باقي الدول.

الخطر الكبير الذي يهدد البشرية هو أن هناك جزءاً من العالم يريد أن يسعد  على حساب شقاء بقية العالم. نحن نريد للخير والعدل والسلام أن يعم بين البشر جميعاً.. وذلك ما تريده الأمة الإسلامية للإنسانية جمعاء.

إلى أعلى

المصدر جريدة الوطن القطرية - بتصرف