جائزة بروناي تكريماً لمبدأ الوسطية الإسلامية
ينبغي معاملة أهل العلم كما يعامل أهل الحفظ
أول جائزة واحد وربع جنيه وآخر جائزة (50) ألف دولار
المؤامرة على اقتصاد ماليزيا وإندونيسيا يهودية أميركية غربية
أسفاري تعطلني لكنها توحي بأفكار جديدة
هذه هي حكايتي مع الفضائيات

بعد أن حصل فضيلة العلامة د. يوسف القرضاوي مؤخراً على جائزة سلطان بروناي في الفقه الإسلامي هذا العام عبّر فضيلته عن سعادته بها واعتبر هذا التكريم ليس شخصياً له. لكنه تكريم لمبدأ واتجاه يمثله ويتبناه ويدعو إليه، هو مبدأ

(الوسطية الإسلامية).. وفي لقاء صحفي لفضيلته عقده بالدوحة تحدث عن رأيه في مثل هذه الجوائز وقارن بين هذه الجائزة أول جائزة حصل عليها في حياته. ثم عرج على نشاطه في ماليزيا التي مر عليها في طريق عودته من بروناي ملقيا الضوء على أحداثها الاقتصادية والمؤامرة اليهودية عليها.. وأخيراً فتح قلبه لما يوجه إليه من عتاب على كثرة أسفاره ثم مشاركاته في الفضائيات المختلفة ودورها في نشر الدعوة.
في البداية تحدث فضيلته عن جائزة الفقه الإسلامي التي حصل عليها فقال: كل سنة تحدد الجائزة في علم من علوم الإسلام.. في عامها الأول كانت عن السنة النبوية وعلومها أخذها الشيخ عبد الفتاح ابو غدة يرحمه الله تقديراً لمجموع إنتاجه في حقل السنة. وفي عامها الثاني كانت عن القرآن وعلومه وحصل عليها د. عدنان زرزور الأستاذ بجامعة قطر ومعه زميل آخر وفي عامها الثالث كانت عن مجموع الجهود والإنتاج في الفقه الإسلامي.
والجائزة تمنح كل سنتين.. ويتم منحها بناء على ترشيح الجهات العلمية لمن يستحقونها. ومن الطريف أن الجائزة السابقة التي كانت مخصصة لعلوم القرآن كان من ضمن المرشحين لها نصر حامد أبو زيد.

ما هي الجهة التي تستقبل الترشيحات للجائزة؟
الذي يحدد موضوع الجائزة ويعلن عنه ويتولى الإشراف عليه هو مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية في لندن.. وهو الذي يحدد لجنة التحكيم التي تختار الشخصيات الفائزة.

وكيف تم حفل التكريم الذي تسلمتم فيه الجائزة؟
الحفل أقيم بقاعة المؤتمرات الدولية في عاصمة بروناي في الثاني والعشرين من مارس الماضي بحضور ولي العهد حيث كان سلطان بروناي خارج البلاد.. وبعد مراسم احتفالية استلمت الجائزة.. وقد ألقيت كلمة في الحفل.

قال فضيلته في هذه الكلمة:
فلم أر ديناً احتفى بالعلم وكرم العلماء مثل الإسلام الذي كان أول ما انزل الله فيه من الوحي قوله تعالى:( اقرأ باسم ربك الذي خلق). أمرت هذه الآيات بالقراءة مرتين والقراءة مفتاح العلم ونوهت بالتعليم والقلم وهو أداة نقل العلم من فرد إلى آخر ومن أمة إلى أمة ومن جيل إلى جيل ولهذا اقسم الله تعالى بالقلم في قوله : (نون والقلم وما يسطرون).

د.يوسف القرضاوي ورابع جائزة عالمية

ولكن القراءة التي أمر الله بها ليست مجرد قراءة وإنما هي قراءة باسم الله. القراءة باسم الله لا تثمر إلا عملاً نافعاً فهو علم في حضانة الإيمان. ولم نر أمة احتفت بالعلم وضربت الأمثال في طلبه وتدوينه وخدمته وابتكرت علوماً جمة لم تعرفها الإنسانية من قبل وهذبت علوماً سابقة أضافت إليها وصنفت المكتبات وكرّمت العلماء أعطتهم مكانة لم يعطها غيرهم كما فعلت ذلك امتنا الإسلامية. ومن العلوم التي ابتكرها المسلمون أبدعوا فيها وأصلوا وفرعوا: علم الفقه الذي استبحر وتوسع وتفرع إلى فقه مذهبي يتبع المذاهب المعروفة وفقه عام خارج المذاهب وقبل أن توجد المذاهب مثل فقه الصحابة والتابعين واتباعهم. ولا غرو أن اعترفت المؤتمرات العالمية في القانون المقارن بقيمة هذا الفقه الحقوقية وأصالته التشريعية وأوصت بضرورة اعتباره والاستفادة من تنوعه وثرائه كما في مؤتمر لاهاي سنة 1937م ومؤتمر باريس سنة 1951م.

علم الفقه أيها السادة هو العلم الذي يضبط مسيرة الحياة الإسلامية ويقود الدورة الحضارية للأمة بأحكام الشرع. ومن مزايا هذا الفقه: الشمول، رعاية مصالح الخلق وقال: واحمد الله تعالى أن وفقني لخدمة هذه الشريعة وخدمة فقهها بعدد من الكتب استقبلها المسلمون في أنحاء العالم استقبالاً حسناً ابتداءً بكتاب (الحلال والحرام) الذي طبع بالعربية اكثر من خمسين مرة وترجم إلى عشرات اللغات في مشارق الأرض ومغاربها مروراً ب (فقه الزكاة) في مجلدين و (فتاوى معاصرة) التي صدر منها جزءان إلى غيرها من الكتب. كما احمده تعالى أن وفقني إلى أن انهج المنهج الوسط في الفقه والفتوى خصوصاً وفي الدعوة والفكر عموماً وقد قال الإمام أبو إسحاق الشاطبي في (الموافقات): المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور فلا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال.

ودلل على ذلك بان هذا هو الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة من غير إفراط ولا تفريط. وإنه كان المفهوم من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه الأكرمين. وإن الخروج إلى أحد الطرفين خروج عن العدل فان في طرفي التشديد والانحلال مهلكة ولاتقوم بأحدهما مصلحة الخلق. بل أرى أن عصرنا بما يتجدد فيه من أحداث كل يوم وما يمور به من تيارات فكرية وسياسية أحوج ما يكون إلى التيسير الذي أمر به رسولنا العظيم حين قال: يسّروا ولا تعسّروا. وقد نقل الإمام النووي في مقدمات المجموع كلمة عن الإمام سفيان الثوري ما أحرانا أن نحفظها وننشرها قال: إنما الفقه الرخصة من ثقة أما التشديد فيحسنه كل أحد.

وإني اعتبر هذه الجائزة التي منحت لي من قبل سلطان بروناي ليست تكريماً لشخصي وإنما هي تكريم لمبدأ واتجاه أمثله أتبناه أدعو إليه في كل ما أكتبه من بحوث ودراسات وما ألقيه من دروس ومحاضرات وهو مبدأ محوري ومركزي بالنسبة لي وهو سمة عامة لفكري هو مبدأ الوسطية الإسلامية تلك الوسطية التي تتجلى في التوازن بين المتقابلات بين العقل والنقل فتوفق بين صحيح المنقول وصريح المعقول وتربط بين الدين والدنيا فلا تقبل ديناً يعتزل الدنيا ولا دنيا تنفصل عن الدين. وتمزج بين الروحانية والمادية فلا تضيع حق الرب ولاحظ النفس ولا نحرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق وتجمع بين الثبات والمرونة: الثبات في الأهداف والكليات والمرونة في الوسائل والجزئيات.. وتدعو إلى التسليم في القطعيّات والاجتهاد في الظنيّات وترد المتشابهات إلى المحكمات وتفهم النصوص الجزئية في ضوء المقاصد الكلية وتفقه متغيرات العصر في ضوء ثوابت الشرع وتقتحم المستقبل انطلاقاً من استلهام الماضي وفقه الواقع والحاضر وتستفيد من كل الثروة الفقهية لجميع المذاهب المتبوعة وخارج المذاهب تختار منها ما هو اقوى برهانا. وارجح ميزانا واليق بتحقيق مقاصد الشرع ومصالح الخلق دون تعصب لرأي قديم، ولا عبودية لفكر جديد، وتقتبس من حضارة الغرب والشرق ما يلائمها وما يصلح لها دون انبهار اسر ولا انغلاق حاصر والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها. هذه الوسطية تجمع في العقيدة بين السلفية والتجديد وفي الفقه بين الاجتهاد والانضباط وفي الثقافة بين الأصالة والمعاصرة وفي السياسة بين التماسك والانفتاح.

فهي مع ثوابت الشرع في صلابة الحديد ومع متغيرات العصر في ليونة الحرير وهي تعتز بالإسلام وتستمسك بعروته الوثقى لا انفصام لها ونتسامح مع مخالفيه وتحاورهم بالتي هي احسن وهي ترحب بكل جديد نافع كما تستفيد من كل قديم صالح تستلهم تراث الماضي الحافل وتعايش الواقع الماثل: واقع الأمة وواقع أعدائها لا تهون منه ولا تهول فيه وتستشرف المستقبل تحاول أن نقرأه ونخطط له في ضوء الحاضر يحدوها الأمل ويدفعها الطموح ويقودها الإيمان. لا تجنح إلى الغلو والإفراط ولا تركن إلى التسّيب والتفريط . فهي مع ثوابت الشرع في صلابة الحديد ومع متغيرات العصر في ليونة الحرير وهي تعتز بالإسلام وتستمسك بعروته الوثقى لا انفصام لها ونتسامح مع مخالفيه وتحاورهم بالتي هي احسن وهي ترحب بكل جديد نافع

كما تستفيد من كل قديم صالح تستلهم تراث الماضي الحافل وتعايش الواقع الماثل: واقع الأمة وواقع أعدائها لا تهون منه ولا تهول فيه وتستشرف المستقبل تحاول أن نقرأه ونخطط له في ضوء الحاضر يحدوها الأمل ويدفعها الطموح ويقودها الإيمان. لا تجنح إلى الغلو والإفراط ولا تركن إلى التسّيب والتفريط.

هذه أهم معالم الوسطية الإسلامية التي أؤمن بها أتبناها أدعو إليها وارى أنها هي المعبرة عن روح الإسلام وعن وسطية الأمة التي أثنى الله عليها بقوله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس). (البقرة: 143) وهذه المدرسة الوسطية لم تبتكر شيئاً من عندها ولم تبتدع جديداً إنما وسطيتها من وسطية الإسلام ذاته التي تعيش الواقع وتتطلع إلى المثال وتمشي في الأرض وهي ترنو إلى السماء وتعمل للدنيا وعينها على الآخرة وتتعامل مع الخلق وهمها رضا الخالق فتحقق السعادتين ويفوز أهلها بالحسنيين. أيها الاخوة في هذه الآونة الدقيقة التي يعيش فيها المسلمون أحرج موقف في تاريخهم الحديث حيث يهدد مسجدهم الأقصى بالزوال لا يكون أمامهم ملاذ إلا دينهم وشريعتهم قرآنهم وسنتهم، يقتبسون منها الضياء، ويلتمسون فيها الدواء، وبهذا ينصرون الله فينصرهم الله.

أعلن فضيلته أن قيمة الجائزة سوف تكون وفقاً لنشر الدعوة والفكر الإسلامي

بمناسبة الحديث عن جائزة سلطان برونايما هي الجوائز العالمية التي سبق لفضيلتكم الحصول عليها..؟

أسفاري تعطلي لكنها توحي بأفكار جديدة

حصلت على أربع جوائز عالمية هي على التوالي: جائزة البنك الإسلامي في التنمية (في الاقتصاد الإسلامي) وجائزة الملك فيصل العالمية. وجائزة العطاء العلمي من ماليزيا وجائزة سلطان بروناي هذه التي يمنحها مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية.

ما رأي فضيلتكم في مثل هذه الجوائز..؟
المبدأ مطلوب ولا بأس به.. والنبي صلى الله عليه وسلم شرع مثل هذه في الجهاد عندما أمر بالسباق بين الخيل أعطى الفائز الأول.. فمبدأ الجوائز مشروع وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
وإذا كان غير المسلمين ينظمون جوائز عالمية مثل جائزة نوبل وغيرها فلا مانع أن تكون للمسلمين جوائزهم لتكريم العلماء والذين يبذلون جهداً مميزاً وأعتقد أنها عمل إيجابي في حد ذاته إذا وضعت موضعها وروعيت ظروفها وضوابطها ولم تدخل فيها الأهواء.

ولكن بالنسبة لجوائز حفظ القرآن لفضيلتكم رأي معارض في الإكثار منها..؟
معارضتي تنصب على المبالغة في هذه الجوائز بعد أن وصلت قيمة بعضها لمئات الألوف من الدراهم.. وأنا أطالب بأن يعامل أهل العلم كما يعامل أهل الحفظ.. لا أن ينصب التكريم على الحفظة وحدهم.. وليس بالحفظ وحده يحيا القرآن..

لكن فضيلتكم حصلتم على جوائز في حفظ القرآن؟
أول جائزة حصلت عليها في حياتي كانت بسبب حصولي على المركز الأول في حفظ القرآن بين مراكز مديرية الغربية شمال مصر وكنت وقتها في العاشرة من عمري وبعد أن ختمت القرآن بسنة..

كم كانت قيمة هذه الجائزة؟
قيمتها كانت جنيه وربع جنيه مصري.. وكان هذا المبلغ يعادل ألف جنيه مصري حالياً..

وما هو إحساسكم وقتها مقارنة بمشاعركم بعد الفوز بجائزة سلطان بروناي؟

سعادتي بالفوز بجنيه وربع كانت أكثر من سعادتي بالفوز بخمسين ألف دولار.. لان الجائزة الأولى التي حصلت عليها وأنا طفل كانت ثروة كبيرة بالنسبة لي.. وقتها أعطيت العريف أو الشيخ الذي حفظني القرآن ربع جنيه وادخرت الجنيه لنفسي وكان ثروة كبيرة بالنسبة لي لم اعرف أين سأنفقها. والذي أريد أن أقوله أن تشجيع حفظة القرآن مطلوب.. لكن بشرط أن نشجع التفوق في النواحي العلمية الأخرى.. فهذه الجوائز التي تمنح للمتفوقين في الدراسات الإسلامية المختلفة مؤشر طيب.. وكلما كانت الجوائز أكثر وأكبر زاد تشجيع الباحثين والدارسين.

نشاط مكثف في ماليزيا
زرتم ماليزيا بعد تكريمكم في بروناي.. ما هي تفاصيل هذه الزيارة؟
في ماليزيا قمت بنشاط مكثف منذ وصولي إليها وحتى قبل السفر.. وفي يوم الجمعة الذي صادف وجودي هناك حضرت ثلاثة أنشطة قبل الصلاة التقيت برئيس المحكمة الشرعية العليا وقضاتها .. ثم ألقيت خطبة الجمعة وبعدها التقيت بأساتذة كلية الاقتصاد..

كيف وجدت الأحوال في ماليزيا بعد الأزمة الاقتصادية التي مرت بها البلاد مؤخراً؟
الأزمة تركت آثارها على البلاد وعلى الناس بلا شك خاصة من الناحية النفسية.. وهم لم يكونوا يتوقعون ما حدث.. والأزمة تدلنا على أن القوى المعادية للأمة الإسلامية تقف لها بالمرصاد.. والدليل على ذلك أن بلداً إسلامياً مثل ماليزيا حقق نهضة اقتصادية وصناعية وأصبح أحد النمور الآسيوية دبرت له مؤامرة لتدمير اقتصاده. لكن المؤامرة على ماليزيا أخف مما حدث لإندونيسيا التي استطاعت التغلب على ما حدث. وقد انخفضت العملة الماليزية التي تسمى الرنجي إلى أربع رنجات مقابل الدولار الأميركي، الآن استقر الرنجي عند ما يعادل (5ر3 دولار) وهم في طريقهم إلى رفع قيمة العملة شيئاً فشيئاً.. الوضع في إندونيسيا أصعب حيث هبطت قيمة العملة إلى ما يعادل الربع.
والماليزيون وضعوا خططاً جيدة لمواجهة الأزمة يشرف عليها اخونا أنور إبراهيم نائب رئيس الوزراء ووزير المالية وهو رجل إسلامي وصاحب عقلية جيدة ومتزنة ونتمنى من الله أن تكلل خطته للإصلاح الاقتصادي بالنجاح حتى يخرج هذا البلد الإسلامي الواعد من أزمته في مدة لا تطول.

ماليزيا والمؤامرة
هل ثبت أن هناك مؤامرة أجنبية وراء الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها ماليزيا وإندونيسيا؟
هم يؤكدون ذلك.. وما قام به الملياردير اليهودي الذي دخل السوق الآسيوية مضارباً بشراء العملة يدل على أن ثمة نية مبيتة وراء ما حدث..

إذن فهي مؤامرة يهودية؟
المؤامرة يهودية أميركية غربية.. وأسبابها متعددة منها أن ماليزيا بدأت تستقل بقرارها السياسي أخذت مبادرات إسلامية تجاه بعض القضايا مثل قضية فلسطين وغيرها.. والذين دبروا المؤامرة أرادوا أن يقولوا لكل من يخرج على الخط المرسوم قف عند حدك ولا تتجاوز قدرك. وما حدث إنذار لكل من تسول له نفسه أن يتجاوز الخطوط الحمراء في السياسة الدولية