د. يوسف القرضاوي
ما أسرع ما تمر الأيام، إنها تمر مرَّ السحاب، وخصوصا أيام الخير والفضل والنفحات، مثل أيام رمضان ولياليه المباركة. فبالأمس القريب كنا نستقبل هذا الشهر، وما أسرع ما مرَّ علينا، وهانحن في الليلة السابعة والعشرين منه، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل حظنا منه الرحمة والمغفرة والعتق من النار.
وهذه الليلة (ليلة السابع والعشرين من رمضان) هي من ليالي العشر الأواخر، التي تلتمس فيها (ليلة القدر)، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان"، فهي أرجى ما تكون في هذه العشر الأواخر، وفي الليالي الأوتار منها، وهي الليالي الفردية: (21 ، 23، 25، 27، 29).
والمطلوب من المسلم الذي يريد أن يخرج من هذا الشهر بمغفرة ورحمة، التماسا للأجر الذي في الحديث: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، أن ينشط في الليالي العشر كلها، فما أكثر ما نضيع أوقاتنا، وما تضيع إلا في لهو ولغو، لا يفيد في الدنيا ولا في الآخرة، وقد وصف الله المؤمنين بقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}[المؤمنون:3]، فالأوقات ثمينة جدًا، ولكن الناس يضيعونها.
وبعض الحكماء يقول: الوقت من ذهب، ولكن الأستاذ الإمام حسن البنا رحمه الله، له كلمة يقول فيها: الوقتُ هو الحياة. فالذهب يمكن أن يُعوَّض، وقيمته محدودة، أما الوقت أغلى من الذهب وأغلى من الماس، وأغلى من أي جوهر نفيس، لأن الوقت هو الحياة، والحياة: هي الوقت الذي تقضيه من مهدك إلى لحدك، من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة، من صرخة الوضع إلى أنة النزع. وهذا الوقت هو حياتك، وإذا ضيعت وقتك ضيعتَ حياتك. ولذلك الذين يقولون: تعالوا نقتل الوقت، إنهم يقتلون أنفسهم، ينتحرون وهم لا يشعرون، ولذلك فعلينا أن ننتفع بالوقت، وخصوصا في الأيام المباركة، التي نتعرض فيها لنفحات الله، كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "ألا إن لله في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها".
وكان أبي بن كعب يحلف بأن ليلة السابع والعشرين هي ليلة القدر، وابن عباس وابن عمر يقولان بذلك أيضا. وخالفهم غيرهم. فعلينا أن ننتفع بهذه الأوقات في الطاعات، والسيدة عائشة رضي الله عنها قالت: يا نبي الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول ؟ قال: "تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني". فأفضل ما يُطلب من الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.