د. يوسف القرضاوي
أصدر الفاروق عمر بن الخطاب قانوناً يمنع غش اللبن يخلط بالماء.. ولكن هل تستطيع عين القانون أن ترى كل مخالف؟ وهل تستطيع يده أن تقبض على كل غاش!
القانون أعجز من هذا..
الإيمان هو الذي يعمل عمله في هذا المجال.
وهنا تحكى القصة المشهورة حكاية الأم وابنتها: الأم تريد أن تخلط اللبن طمعاً في زيادة الربح، والبنت تذكرها بمنع أمير المؤمنين.
الأم تقول: أين نحن من أمير المؤمنين؟! إنه لا يرانا..
وترد الابنة بالجواب المفحم: إن كان أمير المؤمنين لا يرانا فرب أمير المؤمنين يرانا!!
وروى الطبري: لما هبط المسلمون "المدائن" وجمعوا الأقباض، أقبل رجل بحق معه فدفعه إلى صاحب الأقباض فقال الذين معه: ما رأينا مثل هذا قط، ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه!!
فقالوا له: أخذت شيئاً؟
فقال: أما والله لولا الله ما أتيتكم به..
فعرفوا أن للرجل شأناً فقالوا: من أنت؟
فقال: لا والله لا أخبركم لتحمدوني، ولا غيركم ليقرظوني، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه، فأتبعوه رجلاً حتى انتهى إلى أصحابه، فسأل عنه فإذا هو "عامر بن عبد قيس".
وقد نقل إلى عمر كثير من الغنائم التي يخف حملها ويغلو ثمنها، أداها بأنفسهم جنود مخلصون لوجه الله لا يريدون جزاءاً ولا شكوراً، فقال في إعجاب وتقدير: إن قوماً أدوا هذا لأمناء!
وقال عبد الله بن دينار: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة فعرسنا في بعض الطريق فانحدر بنا راع من الجبل، فقال له: يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم.
فقال: إني مملوك.
فقال، اختباراً له: قل لسيدك أكلها الذئب.
فقال الراعي: فأين الله؟
فبكى عمر رضي الله عنه ثم غدا مع المملوك، فاشتراه من مولاه، وأعتقه، وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تعتقك في الآخرة.
.....
- المصدر: "الإيمان والحياة" لسماحة الشيخ.