د. يوسف القرضاوي
رحم الله الأخ الكريم, والصديق الكبير صاحب السمو الملكي الأمير محمد الفيصل بن عبد العزيز آل سعود, الذي عملنا معه سنين طويلة, جنبًا إلى جنب في إقامة المصارف الإسلامية والمؤسسات المالية والاقتصادية الإسلامية، في عدد من البلدان الإسلامية, مثل مصر والسودان والبحرين وسويسرا, وإلى تحسين نوعية هذه المصارف وأهدافها ومشاريعها وصياغة هيئات الفتوى فيها على أسس سليمة، ونشر الفكر الإسلامي السليم، وإعانة المسلمين الفقراء من أموال الزكاة والخيرات. ولذا كان بنك فيصل المصري من أول البنوك الإسلامية، التي بدأت تنشر ظلالها في البلاد.
كان الأمير محمد حريصًا كل الحرص على تبني المشروعات الإسلامية، ومساعدة رجالها، كما فعل مع د. أحمد عبد العزيز النجار ودعمه ونشر فكرته. كما كان حريصا على أن تكون هذه المصارف إسلامية بحق, لا إسلامية الشكل, فارغة الموضوع, وكان حريصا على أن يلتصق بها اسم والده الشهيد فيصل رحمه الله, وأن تكثر هذه المصارف في البلاد الإسلامية, وتصبح رائدة الاقتصاد الإسلامي.
وقد تعاون مع الأمير محمد عدد من الرجال الأكْفاء والعلماء الأحرار من أنحاء العالم العربي والإسلامي, فلا ريب أنه كان من أبرز العاملين للبنوك الإسلامية، والعاملين في النشاط الاقتصادي، وإن حاربه كثيرون، وحاولوا أن يحبطوا تجربته, وأن يؤخروا مسيرته, وأن يسعوا إلى تخسيره وتخسير مشاريعه.ولكن الله تعالى ثبته وأيده بكثير من الرجال الصادقين والعلماء العاملين. "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ" (الرعد:17) .
زار الأمير محمد كثيرا من من البلاد، وساهم في بناء كثير من المصارف الجديدة، ومنها مصرف قطر الإسلامي، وأقام مصرف فيصل الإسلامي بالخرطوم، والشركة الإسلامية في الخليج، ودار المال الإسلامي في سويسرا، كما زار مع رجاله وعلمائه باكستان في عهد الرئيس ضياء الحق، وزار نيجيريا ورئيسها.
لا بدّ لنا هنا أن نقف أمام هذا الجثمان الطاهر خاشعين، مصلين، داعين الله تعالى أن يغفر له ويرحمه, ويجزيه خيرًا عما قدَّم لدينه وأمَّته وبلاده, من عمل صالح يظل رصيدا يربو ويتسع لصاحبه وللأمة, ويجلب عليه الخير والبركة والنماء في الدنيا والآخرة.
اللهم ارحم محمدا الفيصل, واغفر له, واعف عنه, واجزه عما قدم للأمة من خير وفضل, وتقبله في عبادك الصالحين, هو ومن سلك سبيله وعمل عمل الخالدين المفلحين.