د. يوسف القرضاوي

أغراض هذه السورة أشبه بالأغراض العامَّة، التي اشتركت فيها كل السُّوَر المكيَّة، التي جاءت تُقِرُّ العقائد الأساسية، التي جاء بها الوحي، من إثبات البعث والجزاء، والجنة والنار، وإثبات الوحدانية الحقَّة لله تعالى، فلا يُتَّخذ غيره ربًّا، ولا يُعبد غيره إلهًا، ولا يُبتغي غيرَه حكمًا، والإيمان برسالة محمد الذي ختم الله به النبيِّين، وأتمَّ به مكارم الأخلاق، التي تُمثِّلُها الرحمة العامة التي بُعث الله بها محمدًا للناس كافة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107) .

تزيد هذه السورة على ذلك بما اختُصَّت به، ممَّا ذكره الإمام ابن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير) حيث قال: (الإشعار بملاطفة الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بندائه بصفة تزمُّله. واشتملت على الأمر بقيام النبيِّ صلى الله عليه وسلم غالب الليل، والثناء على طائفة من المؤمنين حملوا أنفسهم على قيام الليل.

وعلى تثبيت النبيِّ صلى الله عليه وسلم بتحمُّل إبلاغ الوحي.

والأمر بإدامة إقامة الصلاة وأداء الزكاة وإعطاءِ الصدقات.

وأمره بالتمحُّض للقيام بما أمره الله من التبليغ، وبأن يتوكل عليه.

وأمره بالإعراض عن تكذيب المشركين.

وتكفَّل الله له بالنصر عليهم، وأن جزاءهم بيد الله.

والوعيد لهم بعذاب الآخرة.

ووعظهم ممَّا حل بقوم فرعون لما كذَّبوا رسول الله إليهم. وذكر يوم القيامة ووصف أهواله.

ونسخ قيام معظم الليل بالاكتفاء بقيام بعضه؛ رَعْيًا للأعذار المُلَازمة. والوعد بالجزاء العظيم على أفعال الخيرات، والمبادرة بالتوبة. وأدمج في ذلك أدب قراءة القرآن وتدبُّره، وأن أعمال النهار لا يغني عنها قيام الليل) .

الخطاب المباشر للرسول

والسورة كلها خطاب مباشر للرسول محمد، كما هو واضح من أولها: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}، وأكثر سور هذا الجزء -ما عدا سورة نوح- تخاطب الرسول، وكذلك سور الجزء السابق، وهو الجزء الثامن والعشرون، وكذلك معظم سور جزء (عمَّ) وهو الجزء الثلاثون.

وفي هذه الأجزاء الثلاثة يحس من يقرأ القرآن الكريم أن هناك علاقة متعينة خاصة بين الله تعالى ورسوله، هي علاقة القرب والمحبَّة والمناجاة، فليس هناك من يستطيع أن ينكر هذه العلاقة، أو يعكرها، أو يضعفها بأي وجه من الوجوه، أو بأية حال من الأحوال. انظر هذه العلاقة في سورة الصف أو الجمعة أو المنافقون أو التغابن أو الطلاق أو التحريم، يتبين لك قوة الصلة بين محمد وربه. وكذلك في سور الجزءين الأخيرين، في سور المزمل أو المدثر أو الضحى أو الشرح أو الكوثر أو المسد، وكلها تنبئ بقرب هذا الرسول المكرم من ربه الأكرم، الذي أحب الله وأحبه الله وحببه إلى خلقه، وجعل تعالى حب النبي صلى الله عليه وسلم مع حبه جزءًا من الإيمان الحقيقي. (يتبع)

.....................

*عن صحيفة العرب القطرية 2 رمضان 1437هـ / 7-6-2016م.