د. طارق السويدان

النجومية علم حديث يمكن من خلاله تدريب الشباب ليكونوا رموزا على مستوى الأمة، وقد ألفت فيه ودرسته لسنين، لكني لا أجد أفضل من أن يرى الشباب النجومية متمثلة في مثال عملي يرونه أمامهم ، ولا أجد بين الأحياء اليوم أفضل من أستاذي وقدوتي د. يوسف القرضاوي نجم الدعاة والعلماء.

النجومية هي الشهرة التي تتجاوز الحدود في مجال معين ، واليوم العالم كله لا يعرف أشهر من د. يوسف القرضاوي نجما للعلماء والدعاة.
النجومية لها قيم أخلاقية وإيمانية ونفسية تحفظ النجوم من سلبيات الشهرة وخاصة الغرور.

وباحتكاكي لسنين طويلة ومنذ كنت طالبا في أمريكا أدير المؤتمرات التي شارك بها أستاذنا د. يوسف القرضاوي، وبعد ذلك من خلال المشاريع والمؤتمرات المستمرة، رأيت فيه قيم التواضع والإيمان مع الثقة بالنفس والشجاعة في المواقف، ورأيت فيه الثبات على الحق والرجوع للحق عند الخطأ ، ورأيت فيه حسن الاستماع حتى لتلاميذه وصغار السن، ورأيت فيه المنهجية في التفكير والوضوح في الطرح ، ورأيت فيه حرصا عاليا على الأمة ونهضتها والدفاع عن قضاياها ، وكلها قيم أصيلة تندر عند النجوم.

النجومية تتطلب المهارات اللازمة للعطاء، ود. يوسف القرضاوي متعدد المواهب والقدرات بشكل نادر بين النجوم.
فتراه شاعرا مرهف الحس ، يجمع بين عاطفة الشعر وعمق التفكير والوعي بالقضايا ، حتى صارت بعض قصائده أناشيدا تربت عليها الأجيال وساهمت في غرس القيم لديهم ، بل تبنت الحركة الإسلامية في السودان نشيدا رسميا لها قصيدته الرائعة التي يقول فيها أبياتا رائعة اخترت منها هذه الأبيات التي كان لها دور رئيسي في فهمي للإسلام ووعي لوسطيته:
أنا المسلم دستوري ومنهاجي كتاب الله
وقائد دربي الهادي محمدنا رسول الله
وداري موطن الإسلام وما دوى نداء الله
وهمي في الحياة هداية الدنيا لدين الله
أنا المسلم لا أرجو ولا أخشى سوى ربي
عزيز النفس لا أحني لغير الله من صلبي
سليم القلب لا أحمل للناس سوى الحب
أنا بالعدل والإحسان مأمور وأمار
رحيم القلب لكني على الطاغين جبار
أنا نجم أنا رجم أنا نور أنا نار

يا لها من كلمات من عرف أن الله تعالى اختاره فدّوى (أنا نجم) ليكون رمزا لكل النجوم في عصرنا.

ومن مواهبه الفذة قدرته العالية على التأليف والكتابة المنهجية ، حتى صار كل كتاب من كتبه مرجعا أساسيا في مجاله، حتى احترت عن أيها أتحدث ، لكني اخترت الكتب التي كان لها دورا أساسيا في تشكيل فهمي للإسلام والذي انصبغ بشكل كبير بما تعلمته من د. يوسف القرضاوي ، ومن أهم هذه الكتب:
الحلال والحرام في الإسلام
فقه الزكاة
فقه الجهاد
عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية
الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد
الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والإفراط
فتاوي معاصرة
دراسة في فقه المقاصد
العقل والعلم في القرآن
المدخل لدراسة السنة النبوية
وغيرها الكثير الكثير حتى زادت مؤلفاته على أكثر من 120 كتابا حسب علمي ، نسأل الله تعالى أن تبقى رصيدا دائما له.

ومما يبرز النجوم ويجعل نجوميتهم مستمرة (المؤسسات) التي ينشئونها أو يساهموا بشكل كبير في بنائها.
وأستاذنا د. يوسف القرضاوي صاحب السبق بين العلماء والدعاة في بناء المؤسسات وإبداع أفكارها ، حتى صرت أتعجب من هذه القدرة الفذة لديه رغم أنه لم يدرس الإدارة والإبداع ، ومع ذلك تفوق على روادها . ومن أهم المؤسسات التي كانت من بنات أفكاره وقاد بناءها:
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية
العديد من الهيئات الشرعية للمصارف الإسلامية
العديد من جهات الفتوى ومجامع الفقه والبحوث في العالم
العديد من جهات الدعوة الإسلامية في العالم
وغيرها الكثير مما سيبقى رصيد حسناته لمدى طويل جزاه الله تعالى .
ومما يصنع النجوم المواقف التي يبرزون من خلالها ، حيث يكفي موقف بارز واحد ليصنع نجما ، فما بالكم بمن إذا وقف أي موقف تحدث كل العالم عنه، وكلها مواقف تدل على عمق إيمانه وسعة علمه ووسطيته وشعوره الدائم بهموم الأمة، حتى صرنا ننظر لمواقفه إذا تردد الدعاة والنجوم ، فقد عرفناه عالما عاملا أصيلا لا يخشى في الله تعالى لومة لائم ، ومن أبرز مواقفه المؤثرة:
تأييده للربيع العربي للتخلص من الطغاة من أجل الحرية والعزة والكرامة والنهضة
تأييده للمقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني
فتاواه المراعية للعصر مع الحرص على الأصل الشرعي
رفضه للإرهاب والقاعدة وداعش والحركات المتطرفة
رفضه للتدخل الإيراني الطائفي في العالم كله ، ودعوته لوحدة المسلمين واحترام المذاهب دون طائفية من أحد
وعشرات المواقف للدفاع عن الإسلام ، وقضايا المسلمين ورموز الحركات الإسلامية الذين تم اعتقالهم أو أذاهم، وبالذات موقفه الوسطي الرائع في الرسوم المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن أهم إنجازاته (برنامج الشريعة والحياة) على قناة الجزيرة ، والذي كنا نتابعه بشغف لنتعلم من كل حلقة منه الجديد في فهم الدين وتطبيقه بوسطية في العالم.

يا أستاذنا الرائع د. يوسف القرضاوي أشهد الله تعالى على حبك ، والاعتزاز بفكرك ، والتعلم الدائم من فقهك ، والاقتداء بمواقفك وهمتك وعطائك ، رفع الله تعالى شأنك في الدنيا والآخرة.

وأخيرا أقول فيك أستاذي وقدوتي د. يوسف القرضاوي كما قال سيدنا علي رضي الله عنه في سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
"ما من أحد تمنيت أن ألقى الله تعالى بمثل عمله منك"
لك حبي وتقديري ودعائي الدائم يا "نجم العلماء والدعاة"