د. خالد فهمى*
مدخل: القرضاوى والعربية (مقيم وليس عابر سبيل)
إذا كان عابر السبيل لا يجوز له أن يكون حجة فى تفاصيل ما يمر به فى عبوره ؛ فإن القرضاوى يصح وصفه بالمقيم من هذه الوجهة ؛ ذلك أنه حاز من العلامات ما يصح معه أن يقال عنه إنه لغوى!
وهذا الحكم على الرجل نتيجة لما حازه خلال رحلة تكوينه و عطائه العلميين معا ؛ فلقد تخرج يوسف القرضاوى ( 1345هـ=1926م) من الأزهر الشريف حاصلا على شهادته العليا ( العالمية ) مع إجازة تدريس اللغة العربية سنة 1954م ، ثم شفعها بحصوله على دبلوم الدراسات العربية العالية فى اللغة و الأدب سنة 1958م، واشتغل فى كثير جدا ممن صدر عنه بعناية ظاهرة ، ستكون مشغلة هذا البحث ، باللسان العربى فى غير ما مستوى من مستوياته ، حتى توج جهاده فى هذا المجال باختياره عضوا مراسلا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 2004م.
والذين يتابعون عطاء الشيخ الدعوى والعلمى يلحظون عنايته ببيان ما يحيط بالعربية من مخاطر وتحديات ، ويلحظون رعايته لمستقبلها ، ومن أمارات ذلك إفراده عددا من حلقات برنامج (الشريعة و الحياة) الذى تبثه قناة الجزيرة للحديث عن اللغة العربية ، والتحديات و المخاطر التى تواجهها، و فيما يلى أمثلة لذلك:
1-حلقة يوم 4/4/2004م من تقديم الأستاذ / ماهر عبد الله حيث قرر الدكتور فيها أن اللغة دين وهوية.
2- حلقة يوم 25/7/2007م من تقديم الأستاذ عبد الصمد ناصر ، وكانت بعنوان ( مستقبل اللغة العربية و تحدياتها ) وجاء فيها : أن هوان اللغة ناتج هوان الأمة ، وأن اللغة من أعظم دلائل الهوية .
3- حلقة يوم 26/3/2009م بعنوان ( اللغة و تحديات اليوم ) وجاء فيها : أن اللغة بحاجة إلى قرار سياسى.
هذا فضلا عن كثير من حواراته ، وفتاواه عما يطيف بالعربية من مخاطر الألسنة الأعجمية التى تزاحمها فى ديارها ، ومخاطر العاميات ومخاطر اللحن والأغلاط اللغوية.
وقد كان مقصود هذا المدخل أن يبرهن على أن الدكتور القرضاوى واحد من اللغويين بحكم ما حازمن مؤهلات ، وبحكم ما مارس وحصل من معرفة.
(2) أبعاد عناية القرضاوى باللغة العربية واستثمارها (مقال فى حدود المنجز)
(2/1) فى العناية بدلالات الألفاظ
يسعى هذا الجزء من الحديث عن ملامح عناية القرضاوى باللغة العربية إلى رصد حدود ما استثمره الشيخ فى مؤلفاته المختلفة خدمة لأفكاره ، وقضاياه من المعلومات اللغوية موزعة على مستوياتها المختلفة ، وهى خطوة لازمة قبل الحديث عن خصائص هذه العناية ، و سماتها التى حكمت تعامله مع ما أورده من معلومات لغوية فى دراساته و مؤلفاته ، و معالجاته الفكرية المختلفة.
وجدير بالذكر أن نقرر أنه من الطبيعى ألا نجد للقرضاوى كتابات لغوية خالصة فى المسائل والقضايا اللغوية ؛ ذلك أنه كان يستثمر المعلومات اللغوية لأغراض خدمة قضايا الفكر و الإفتاء والدعوة الإسلامية ، فيما صدر عنه من مؤلفات. صحيح أن ثمة عددا قليلا من الكتابات خلصت لعدد من القضايا اللغوية بما هى من مشاغل اللسانيات أو علم اللغة.
وقد جاء عن القرضاوى أنه يرى اللحن والأغلاط اللغوية من آكد ما يطيف بالعربية من مخاطر ، وهو ما تجلى فى الدراسة التى ألقاها بمجمع اللغة العربية بالقاهرة فى دورته السبعين ، ظهيرة يوم الأربعاء 10 من صفر 1425هـ الموافق 31 من مارس سنة 2004م على خلفية اختياره عضوا مراسلا بالمجمع و نشرت فى مجلته فى عددها (103) ص 69-92 وعنوانها:
- اللغة الفصحى والإعلام.
وقد بين ما للإعلام من سهمة فى تنمية اللغة و تصويب مسيرتها ، وبين مخاطره على اللغة من جهتين هما:
أ- استعمال العاميات . ب- شيوع اللحن.
وفى مواجهة الخطر الثانى توقف القرضاوى أمام عدد من اللحون والأخطاء على مستوى المعجم أو المفردات ، والتراكيب والأساليب.
هذا بالإضافة إلى عنايته ببيان عدد من حقائق اللسانيات التى تدخل فى الصميم من اهتمامات اللسانيات الاجتماعية ( الهوية و اللغة ) ، والتخطيط اللغوى ( تحديات المستقبل التى تواجه اللغة العربية) و( تعليم العربية ) على ما أشرنا إلى بعضه فى الفقرة السابقة.
ثم جاءت سهمة القرضاوى فى استثمار المعلومات اللغوية جميعا بعد ذلك لأغراض آلية تطبيقية ؛ بمعنى أنها جاءت لخدمة قضية فقهية أو أصولية أو تفسيرية أو فكرية أو دعوية ، بما يظهر من التعامل مع علوم اللغة بما هى " آلة لفهم كتاب الله وسنة رسوله ، وهما مصدرا الإسلام عقيدة وشريعة ، فهى علوم وسائل ، لا علوم مقاصد " على حد تعبيره فى : اللغة الفصحى و الإعلام (ص 69) ( مجلة المجمع ع103 رمضان 1425هـ/ نوفمبر 2004م).
وقارئ كتابات العلامة القرضاوى لا يجد كتابا لا يعتمد فيه عددا من المعلومات اللغوية فى سبيل خدمة قضية فقهية أو فكرية أو دعوية ، وهى المراكز الثلاثة الكبرى التى حكمت حركة الشيخ فى منحاه العلمى.
وفيما يلى محاولة لرصد أنواع هذه المعلومات اللغوية التى انسربت فى مؤلفات العلامة الدكتور القرضاوى سعيا لخدمة قضاياها المختلفة.
وقد كانت أكثر المعلومات دورانا فى مؤلفات الشيخ بحساب الإحصاء هى المعلومات المنتمية إلى مستوى المعجم ، ولا سيما فى بابة التعريفات التى كان يرى لزومها فى مفتتحات معالجاته المختلفة ؛ إيمان بقيمة التفهيم والوضوح ، وانطلاقا من إيمان راسخ بقيمة تأسيس الإدراك على وضوح التصورات.
وفى هذا السياق يظهر انتشار معلومات شروح المعنى ، بما هى آكد وظائف المعجمية ، فى كتابات القرضاوى المختلفة ، وفيما يلى إثبات ذلك بالدلالة على أمثلة استثمار الشروح اللغوية للألفاظ فى مؤلفاته المتنوعة ؛ وسوف نمثل على ما نقول باختيار أمثلة من كتاباته بدءا بأحدثها صدورا ؛ تأكيدا لوعيه القائم بأهمية مثل هذا النوع من المعلومات اللغوية:
• تعريف الشذوذ لغة فى التمهيد من كتابه ( الفتاوى الشاذة ، دار الشروق سنة 2010م ص9)
• مفهوم الوسطية فى اللغة فى الفصل الأول من كتابه ( فقه الوسطية الإسلامية و التجديد ، دار الشروق سنة 2010م ص 33 ) و (كلمات فى الوسطية الإسلامية و معالمها ، دار الشروق سنة 2008م ص13)
• تعريف الوطن و المواطنة فى مفتتح كتابه ( الوطن و المواطنة فى ضوء الأصول العقدية والمقاصد الشرعية ، دار الشروق سنة 2010م ص13)
• مفهوم كلمة الدين و كلمة السياسة فى الفصلين الأول و الثانى من الباب الأول من كتابه ( الدين و السياسة : تأصيل ورد شبهات ، دار الشروق سنة 1428هـ=2007م ص 18، 27 على الولاء)
• مفهوم الخطاب الدينى فى مفتتح كتابه ( خطابنا الإسلامى فى عصر العولمة ، دار الشروق 1424هـ=2004م ص15)
• معنى العلمية فى كتابه (الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد ص 105 ) و معنى التيسير فيه أيضا ( ص 135 و معنى التعصب فيه كذلك ص213)
• مفهوم البيئة فى أول كتابه ( رعاية البيئة فى شريعة الإسلام دار الشروق 1421هـ/2001م ص12)
• معنى التجديد فى كتابه ( من أجل صحوة راشدة تجدد الدين و تنهض بالدنيا ، دار الشروق سنة 1421هـ/2001م ص29).
• مفهوم العلمانية فى أول كتابه ( التطرف العلمانى فى مواجهة الإسلام نموذج تركيا و تونس ، دار الشروق سنة 2001م ص 13 و ما بعدها).
• معنى التفسير فى كتابه ( كيف نتعامل مع القرآن ، دار الشروق 1999م ص 197 ) و معنى المحكم و المتشابه فيه أيضا 268
• مفهوم الأقلية فى كتابه ( فقه الأقليات المسلمة : حياة المسلمين وسط المجتمعات الأخرى ، دار الشروق سنة 1422هـ/2001م ص15)
• مفهوم الثقافة فى أول كتابه ( ثقافتنا بين الانفتاح و الانغلاق ، دار الشروق سنة 1421هـ/2001 ص13)
• مفهوم السنة فى كتابه ( السنة مصدرا للمعرفة و الحضارة ، دار الشروق 1417هـ/1997م ص46)
• جوهر الديمقراطية فى كتابه ( من فقه الدولة فى الإسلام ، دار الشروق 1417هـ/1997م ص132)
وقد حرصنا فى هذه الأمثلة المشار إليها من كتبه المنشورة فى هذا العقد الأخير وقبله بقليل؛ لندلل بها على بقاء العناية بإرادة الوضوح والتفهيم الذى يعد مدخله العبقرى فى تصانيف العلامة القرضاوى هو العناية ببيان المعانى اللغوية والاصطلاحية للكلمات المختلفة.
والحق أن هذه العناية ببيان معانى الكلمات والمصطلحات منهجية ثابتة مستقرة ملازمة لمنهج القرضاوى فى تآليفه المختلفة منذ فترة مبكرة جدا من انشغاله بالتأليف والكتابة العلمية فى الفقه و الدعوة و الفكر والحركة معا.
وفيما يلى أمثلة مقرونة بالكتابات التى وردت فيها للتدليل على ثبات هذه المنهجية التى تعلى من قيمة اللجوء إلى تقنية شرح معانى الألفاظ و المصطلحات:
• معنى الاشتراكية فى كتابه ( مشكلة الفقر و كيف عالجها الإسلام ، 1966م ص10).
•معنى الزكاة فى تمهيد كتاب ( فقه الزكاة : دراسة مقارنة لأحكامها و فلسفتها فى ضوء القرآن و السنة ، 1389هـ=1969م ج1 ص 37 ) و معنى الصدقة فيه أيضا ( 1/40) ومعنى النماء فيه كذلك (1/139) و فيه معنى المعدن و الكنز و الركاز (1/433)
• معنى حرية المواطن فى ( حتمية الحل الإسلامى (1) الحلول المستوردة و كيف جنت على أمتنا ،سنة 1371هـ/1971م ص 199).
• معنى الموقوذة و المتردية و النطيحة فى كتابه ( الحلال و الحرام 1380هـ/1960م ص 48) ومعنى الحمالة و الجائحة والقدام و الحجا (122) والتمائم و التطير (235)
• معنى الوسطية فى كتابه ( الخصائص العامة للإسلام 1397هـ/1997م ص 119)
• معنى الجزية والخراج فى كتابه ( غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى 1405هـ/1985م ص31)
• مفهوم الإسلام و العلمانية فى كتابه ( الإسلام و العلمانية : وجها لوجه ص 3 ، 48 )
• معانى الجمود و التطور فى كتابه ( حتمية الحل الإسلامى (3) بينات الحل الإسلامى و شبهات العلمانيين و المتغربين ، مكتبة وهبة 1408هـ/ 1998م ص 76 ،95)
• معنى الصبر فى اللغة فى كتابه ( الصبر فى القرآن الكريم ، مكتبة وهبة 1410هـ/1989م ص8)
• مفهوم الحركة الإسلامية فى كتابه ( أولويات الحركة الإسلامية فى المرحلة القادمة ، مكتبة وهبة 1410هـ/ 1990م ص 9 ).
• معنى الوتر و النمص و الوصل والوشم فى كتابه ( فتاوى معاصرة للمرأة والأسرة المسلمة ، دار الضياء بعمان الأردن ، دار الإسراء بالقاهرة 1991م ص 13 ) ومعنى الخطبة فيه ( ص 30)
• ماهية الفهم فى كتابه ( نحو وحدة فكرية للعاملين للإسلام ( شمول الإسلام ) مكتبة وهبة 1412هـ/ 1991م ) ص 23.
• معنى الصحوة فى كتابه ( الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربى والإسلامى ، دار الصحوة للنشر ، 1413هـ/1993م ص 11)
• مفهوم الإيمان فى كتابه ( الإيمان و الحياة ، مكتبة وهبة 1410هـ/1990م ص 17)
• معنى المتشابه فى كتابه ( المرجعية فى الإسلام للقرآن والسنة ، مكتبة وهبة 1413هـ/1992م ص 208)
• مفهوم الأصالة فى كتابه ( الثقافة العربية بين الأصالة والمعاصرة ، مكتبة وهبة 1414هـ/1994م ص 41 ) و مفهوم المعاصرة كذلك ص 77
• معنى الإخلاص فى كتابه (النية و الإخلاص، مكتبة وهبة ،1416 هـ/1995م ص 11 ) ومعنى النية فيه كذلك ( ص 23)
• مفهوم التوكل فى فصل حقيقة التوكل من كتابه ( التوكل ، مكتبة وهبة ، 1416هـ/1995 ص 17 وما بعدها )
وقد ظهر من تتبع هذه الأمثلة التى أطال البحث فى رصدها أن الدكتور يوسف القرضاوى من أئمة المفكرين والدعاة والفقهاء الذين عرفوا قيمة المعجمية بما هى آلة ومفتاح لازم للتعاطى مع القضايا الفكرية والدعوية والفقهية من باب التفهيم والإيضاح و البيان ، تحرزا من الأوهام و الأغلاط ؛ التى يمكن أن تحل فى صفوف القارئين؛ بسبب من غياب العناية بمعانى الألفاظ أو شروح المصطلحات المختلفة.
وقد ظهر من هذه الأمثلة حرص العلامة القرضاوى على اللجوء إلى المعجمية العربية المتنوعة منذ بداياته التأليفية من جهة التاريخ ، واللجوء إلى المعجمية فى التآليف الكبيرة و المتنوعة معا.
ولم يقف أمر استثمار التعريف اللغوى والاصطلاحى للكلمات عند حدود مؤلفاته الكبيرة فى الحجم ، و إنما تجاوزها إلى مؤلفاته الصغيرة فى الحجم ، أو ما اشتهر تسميتها باسم الرسائل.
وفيما يلى أمثلة دالة على ما نقرره:
• معنى الخيانة فى كتابه ( درس النكبة الثانية ... لماذا انهزمنا و كيف ننتصر ) مكتبة وهبة 1968م ص 20).
• معنى التطرف فى كتابه ( الصحوة الإسلامية بين الجمود و التطرف ، كتاب الأمة رقم 2 ، قطر 1402هـ ص 23)
• الدوران حول معانى الشجاعة والزهد والإخلاص والعزة فى كتابه ( رسالة الأزهر بين الأمس و اليوم و الغد ، مكتبة وهبة ، 144هـ/1984م ص85 و ما بعدها )
• تعريف الاستحسان والاستصلاح و العرف فى كتابه ( عوامل السعة و المرونة فى الشريعة الإسلامية ، دار الصحوة ، 1406هـ/1985م ص 15 وما بعدها )
• تحديد مفهومى الأصالة والتجديد فى كتابه ( الفقه الإسلامى بين الأصالة والتجديد ، دار الصحوة ، 1406هـ/1986م ص 24)
• مفهوم الحق فى رسالته ( الناس و الحق مكتبة وهبة 1407هـ/1987م ص9 )
• معنى الفتوى ( فى اللغة و الشرع ) فى رسالته ( الفتوى بين الانضباط و التسيب ، دار الصحوة ، 1988م ص 11)
• معانى الكفر فى رسالة ( ظاهرة الغلو فى التكفير ، مكتبة وهبة 1397هـ،ص52)
• معنى توحيد الألوهية ومعنى العبادة فى رسالته (حقيقة التوحيد ، مكتبة وهبة ، 1989م ص 23 ؛24)
• معنى " لا إله إلا الله " فى رسالته ( جريمة الردة و عقوبة المرتد فى ضوء القرآن و السنة مكتبة وهبة 1416هـ/1996م ص 13 ) ومعنى " محمد رسول اله " كذلك ( ص 22 )
• مفهوم الأصولية فى رسالته ( مستقبل الأصولية الإسلامية، المكتب الإسلامى ، دمشق 1417هـ/1997م ص 11)
• معنى الربا فى رسالته ( فوائد البنوك هى الربا الحرام ، مكتبة وهبة ، 1998م ص 54)
• مفهوم القراءة فى محاضرته ( قراءة فى واقع الأمة فى الفترة الأخيرة مكتبة وهبة ،2009م ص 5)
و قد بلغ من عنايته بمعانى الألفاظ والمصطلحات حدا رائعا قاده إلى إفراد عدد من الرسائل والفصول لتحرير مفاهيم عدد كبير من الألفاظ و المصطلحات ، من مثل تحريره لمفهوم الإسلام فى رسالته:
• الإسلام الذى ندعو إليه ، دار الوفاء ، و دار الصحوة ، 1415هـ/1994م.
وتحرير لمفهوم الإيمان بالغيب فى رسالته:
• موقف الإسلام العقدى من كفر اليهود و النصارى ، مكتبة وهبة ، 1420هـ/1999م ( ص 9-14) (يتبع)
...........
* كلية الآداب، جامعة المنوفية، مصر