د. يوسف القرضاوي

ينقل لنا محمد أبو فارس هذه النصوص:

التثنية/ 6: 18: "احفظوا وصايا الرب إلهكم وشهاداته وفرائضه التي أوصاكم بها".

التثنية/ 6: 18: "اعمل الصالح والحسن في عيني الرب لكي يكون لك خير، وتدخل وتمتلك الأرض الجيدة التي حلف الرب لآبائك".

التثنية/ 7: 11: " فاحفظوا الوصايا والفرائض والأحكام التي أنا أوصيك اليوم لتعلمها".

هذه النصوص الثلاثة من سفر التثنية ـ العهد القديم ـ تشرح الشروط وتفصل الأسس التي جعلها الرب " رب بني إسرائيل" جوهر " العهد".

لكن.. هل أدّى.. والتزم.. وحافظ الطرف الثاني على ما أمره الرب به؟

الكتاب المقدس ـ الذي هو حسب اعتقاد أتباعه المسيحيين كتابٌ نصوصه ربانية، واتَّباعُه طاعةٌ لأوامر الرب ـ يسجل:

أولاً: سفر الخروج/ 32: 2ـ 3ـ 4: " فقال لهم هارون: انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها، فنـزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون، فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالإزميل وصنعه عجلاً مسبوكًا ، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر".

لقد عبد بنو إسرائيل أصنامًا من دون الله الواحد الذي قام "العهد" بينه وبينهم، وهكذا ارتدوّا إلى الوثنية وخرقوا ـ من جانبهم ـ بقيادة هارون (شقيق النبيّ موسى)! شروط وأسس "العهد".

ثانيًا: النبي إيلياه (إلياس) بعد ذلك بزمن طويل يخاطب الرب بهذه الكلمات:

الملوك الأول/ 9: 10: " . . لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف . . وهم يطلبون نفسي ليأخذوها".

ثالثًا: النبي موسى "ذاته" (أي قبل النبي إيلياه) كان قد قال:

التثنية/ 9: 23 ـ 24: " يقول موسى: عصيتم قول الرب إلهكم، ولم تصدقوه ولم تسمعوا لقوله، قد كنتم تعصون الرب منذ عرفتكم".

رابعًا: الرب نفسه يقول ليشوع:

يشوع /7: 11: " الرب يقول: قد أخطأ إسرائيل بل تعدوا عهدي الذي لأمرتهم به، بل أخذوا من الحرام، بل سرقوا، بل أنكروا . . . ".

ملاحظة: " أخطأ إسرائيل" في هذا النص تعني: ارتكبوا خطيئة.

خامسًا: خاطب نحميا بني إسرائيل بهذا القول:

نحميا /3: 20: " حقًا إنه كما تخون المرأة قرينها هكذا خنتموني يا بيت إسرائيل، يقول الرب".

سادسًا: نورد مرة أخرى مخاطبة وجهها موسى إلى بني إسرائيل:

عدد /32: 14: " يقول موسى لبني إسرائيل: فهو ذا أنتم قمتم عوضًا عن آبائكم تربية أناس خطأة لكي تزيدوا أيضًا حنق (غضب) الرب على إسرائيل".

سابعًا: ميخا /3: 9 ـ 10 ـ 11: " اسمعوا هذا يا رؤساء بيت يعقوب، وقضاة بيت إسرائيل، الذين يكرهون الحق، ويعوِّجون كل مستقيم، الذين يبنون صهيون بالدماء وأورشليم بالظلم، رؤساؤها يقضون بالرشوة، وكهنتها يعلّمون بالأجرة، وأنبياؤها يعرّفون بالفضة . . ".

نكتفي بهذه الأمثلة السبعة من أسفار العهد القديم، حيث إنها تكشف مقدار التزام وطاعة بني إسرائيل لشروط وبنود " العهد" الذي يدَّعون قيامه بين الرب وإبراهيم وإسحاق من بعده ويعقوب من بعدهما.

أيضًا في العهد الجديد من الكتاب المقدس يوجد نصوص تصف مسلكيات القوم مع " العهد المزعوم".

أولاً: يوجه يسوع المسيح للإسرائيليين هذا الخطاب:

متى /21: 31: 43: " . . قال لهم يسوع: الحق أقول لكم أن العشارين   والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله، لأن يوحنا جاءكم في طريق الحق فلم تؤمنوا، لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله ينـزع منكم، ويعطي لأمة تعمل آثاره".

ثانيًا: يوحنا المعمدان هكذا يخاطب بني إسرائيل:

متى /3: 7: " قال لهم . . يا أولاد الأفاعي".

ثالثًا: يسوع نفسه يقول لبني إسرائيل:

متى /23: 31 ـ 32 ـ 33: " فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء، أيها الحيّات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم".

هكذا... واستنادًا على نصوص توراتية من الكتاب المقدس اوردناها حرفيًا في هذا الفصل، يتضح أنه ومنذ أيام موسى ويوشع بعده، ثم إيلياه وأرميا وعزرا ونحميا وميخا ويوحنا المعمدان، وأخيرًا في زمن يسوع المسيح، خرقت ـ من جانب واحد ـ شروط وأسس وبنود " العهد" الذي أبرم بين الله وإبراهيم، خرقت مرارًا ومرارًا ـ وفي عصور كثيرة ـ ، وعليه يبرز التساؤل:

وهل ـ بالرغم من هذا الاستهتار "بعهد الرب" وخرقه ـ لا تزال قائمة حقوق توراتية في القرن العشرين بعد المسيح لأحد أو لجماعة في بلدان ذات سيادة واستقلال مثل فلسطين ولبنان وسوريا ومصر والأردن؟ لجماعات مثل "الفلاشا" الأثيوبيين، أو لمواطنين من روسيا وأوكرانيا، أو لأمريكيين وأرجنتينيين (مثل الذين يعيشون في الكيبوتز) باسم "عهد" خرقه بنو إسرائيل منذ عشرات القرون ـ مرات ومرات ومرات ـ في حقبات مختلفة من التاريخ؟ هل في مثل هذه المطالبات بحقوق . . . ذرة من إقناع ومنطق وإنصاف؟ .

..........

*  من كتاب "القدس قضية كل مسلم" لفضيلة الشيخ.