علاء البيطار
أتاني أحد الأصدقاء من طلبة العلم المشهود لهم بالقوة في علم الأصول والعربية.. بعد أكثر من شهرين من اندلاع الثورة السورية ليسألني عن مسألة التأصيل الشرعي لها !! فعبرت له عن دهشتي من كلامه، وقلت له يا أخي لقد أتيت متأخراً, فالمسألة قد بُحثت منذ فترة طويلة !! هذه هي القضية صراحة، ألا وهي غياب العلماء وطلبة العلم عن الواقع لأنهم ببساطة لا يعيشون إلا في المثاليات والأحلام..
وبهذه المناسبة يحضرني ما ذكره الشيخ زهير الشاويش في برنامج (مراجعات) على قناة الحوار الفضائية، "بأن الشيخ الألباني رحمه الله - وهو محدث كبير - كان لا يقرأ الصحف ولا يسمع المذياع ، الأمر الذي أثر على آرائه وفتاويه , فمثلاً كان يأتيه شباب يريدون منه صك إدانة بحق حركة حماس، فيسألوه عن رأيه في شباب من الحركة نفذوا عملية داخل الكيان الصهيوني ثم هربوا إلى أحد البيوت للاختباء، فبالتالي هل يجوز لهم ذلك بالإضافة للأكل والشرب.. ؟ فأجاب الشيخ الألباني : بأن ذلك لا يجوز لأنه حرام . إذاً ما العمل ؟؟ قال : على الفلسطينيين أن يهاجروا إلى خارج فلسطين !! " هذا ما ذكره الشيخ زهير تلميذ الألباني لعشرات السنين..
وإذا عدنا إلى الربيع العربي المثال الأبرز عما نريد طرحه، نجد أن هذا الربيع قد جاء بغتة من غير حساب.. ابتداء من الشاب الذي أحرق نفسه (محمد البوعزيزي) وما دار حوله من جدل.. حيث قطعه الشيخ القرضاوي عندما أعلن صراحة أن هذا الشاب: نعم هو منتحر لكن يجب أن نستغفر له.. فهو ينطبق عليه حديث صحيح مسلم في الصحابي الذي قطع براجمه...
أما عن المظاهرات وما يدور فيها فقد رأينا عند الكثير من العلماء اضطراباً شديداً بل أحياناً كثيرة الانزواء و الانكفاء على الذات !! فمثلا بعد الثورة المصرية سمعنا الشيخ أبا إسحاق الحويني – وهو عالم جليل له كل الاحترام – في محاضرة له يشرح فيها سبب غيابه أثناء الثورة , مبرراً ذلك بأنها كانت فتنة !!؟ ناهيك عن ما ذكره عن سياسة الشرق الأوسط الجديد التي طرحتها (كونداليزا رايس في زمن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش) !!؟ .
والأعجب أننا سمعنا في عنفوان الثورة المصرية الشيخ الفاضل مصطفى العدوي في مقابلة مباشرة مع قناة العربية – حيث الجزيرة مُنعت من التغطية – كان يطالب فيها الرئيس مبارك بصفته ولي الأمر أن يطبق الشريعة الإسلامية (هذا في الوقت الذي كان الناس يهتفون له أرحل!)، حينها سأله المذيع اللبناني طاهر بركة مستغرباً : يا فضيلة الشيخ الوقت دقيق والمسألة أدق، أرجوك ماذا تريد أن تقول بالضبط ؟! أعاد الشيخ كلامه بأنه يطلب من الرئيس أن يحكم بالكتاب والسنة.. هنا قطع المذيع الحديث وقال للشيخ: شكراً لك!.
كما لم نسمع من الشيخ محمد حسان - وهو رجل رباني وله جهود طيبة في الدعوة - إلا التحذير من تخريب الممتلكات العامة..!! وكذلك شاهدنا الرجل الفاضل حازم أبو اسماعيل على قناة الخليجية بعد الثورة ، حيث سأله د.سعيد حساسين: أين كنت يا فضيلة الشيخ في الثورة فلم نراك ؟! ، قال : " كنت مشغولا "، وظلت الاتصالات تترى عليه مستفسرة عن غيابه عن الثورة ، وهو يجيب بنفس الجواب!
أما الشيخ علي جمعة، فقد كان يسخر من الثورة المصرية ويطالب الشعب بالرجوع إلى بيوتهم.. قائلاً لهم: " أتريدون ثورة كالثورة الفرنسية التي أكلت أولادها .. أم كالثورة البريطانيا التي قادت إلى حروب طويلة ..!!؟ ". والتلفزيون الرسمي يعيد بث كلامه كل ساعتين! وكذلك الشيخ علي الجفري سمعناه على قناة المستقلة يؤيد كلام شيخه د. علي جمعة بل ويهاجم الشيخ القرضاوي.. والأمثلة كثيرة جداً ويصعب حصرها.
ما أريد أن أقوله: إن بين هذا الاضطراب الشديد وبين القائلين بحرمة المظاهرات.. لم يسعف الواقع إلا الشيخ القرضاوي في تأصيله للمسألة، مناقشاً الأدلة علنا وبكل وضوح، مبيناً أن هذا الحديث ضعيف وأن الحديث الآخر فُهم بشكل خاطئ.. وهكذا.
فأنت في هذه الحال قد تتفق أو قد تختلف مع ما ذهب إليه الرجل , لكن لا يمكنك إنكار إسعافه للواقع في زمن الاضطراب والانزواء أو حتى الخنوع.. وإذا أردنا التوسع قليلاً نجد أن الشيخ القرضاوي كان دائماً السباق والأعلى صوتاً في جميع قضايا الأمة كقضية الانتفاضة الفلسطينية وقضية انفصال جنوب السودان وكارثة فيضانات باكستان وحتى مسألة نقاب المعلمات السوريات...
نقطتان مهمتان لابد من ذكرهما: - في زمن وسائل الإعلام المتعددة بإمكان أي أحد أن ينشر رأيه، كأن يصور مقطع فيديو ثم ينشره على اليوتيوب .. - في الثورة السورية وجدنا الشيخ القرضاوي قد أعلن مبكراً ( قيام الثورة السورية ) - بهذا الاسم - وذلك في جمعة 25 / 3 / 2011 ... في الوقت التي كانت قناة الجزيرة لا تزال تغض النظر عن جرائم النظام السوري ولا تغطي الأحداث الجارية! فكنا نأخذ الأخبار من bbc عربي وفرنس 24 ، وكانت قطر لاتزال علاقتها جيدة مع النظام السوري - في ما سمي حينها (محور الممانعة) ثم لاحقا انقطعت ..