![]() |
|
د. يوسف القرضاوي
شهر رمضان شهر الخير والبركة:
فها نحن نودع شهر رمضان، وبالأمس القريب، كنا نستقبل شهر رمضان، ما أسرع مرور الأيام، بين الاستقبال والوداع، أيام مرت كالسحاب، وهكذا تمر أيام الخير سراعا، والسعيد من انتفع بهذه الأيام، والشقي من مرت هذه الأيام دون أن يغتنمها، ويزيد رصيده من الصالحات عند الله عز وجل، في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال حين حضور رمضان: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرُ بَرَكَةٍ، فِيهِ خَيْرٌ يُغَشِّيكُمُ اللَّهُ فِيهِ، فَتَنْزِلُ الرَّحْمَةَ، وَتُحَطُّ الْخَطَايَا، وَيُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ، فَيَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ، وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلَائِكَتَهُ، فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مِنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"[1].
لا تضيع الفرصة العظيمة:
الشقي حقا من حرم رحمة الله في شهر رمضان، لأن الرحمة توزع، والمغفرة توزع عن يمين وشمال، وهذا الشقي البائس المحروم المسكين لم ينل حظه منه، وهذا الذي دعا عليه جبريل وأمَّن عليه محمد صلى الله عليه وسلم، دعا عليه أمين السماء، وأمَّن عليه أمين الأرض، كما ورد في الحديث: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: "آمِينَ، آمِينَ، آمِينَ"، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْنَاكَ، صَنَعْتَ شَيْئًا مَا كُنْتَ تَصْنَعُهُ. فَقَالَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ تَبَدَّى لِي فِي أَوَّلِ دَرَجَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ، فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَبْعَدَهُ، فَقَالَ: فَقُلْتُ: آمِينَ. ثُمَّ قَالَ لِي، فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ: وَمَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَبْعَدَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ، ثُمَّ تَبَدَّى لِي فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَبْعَدَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ" [2].
لقد ضيَّع الفرصة العظيمة، أن يصوم رمضان إيمانًا واحتسابا فيغفر له ما تقدم من ذنبه، أو يقوم رمضان إيمانا واحتسابا، فيغفر له ما تقدم من ذنبه، أو يقوم ليلة القدر إيمانا واحتسابا، فيغفر له ما تقدم من ذنبه.
صم وقم إيمانا واحتسابا تكن من الفائزين:
هل صيام رمضان إيمانا واحتسابا عملية صعبة جدًّا، شاقة مستحيلة، لا والله، من أرادها بحق استطاعها، صم إيمانا واحتسابا، يصوم بطنه، يصوم فرجه، يصوم لسانه، وتصوم عينه، وتصوم أذنه، وتصوم جوارحه عن ما حرم الله، "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" [3].
من صام رمضان إيمانا واحتسابا، لوجه الله، وتصديقا بما وعد الله، وابتغاء ما عند الله من المثوبة والأجر، لم يصمه على أنه مجرد عادة تعودها قومه، أو ورثها من أهله، "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"[4]، واحتسابا بما عند الله، ولذلك أدى للصيام حقه، لو فعل ذلك لخرج من رمضان مغفورًا له، غُفِر له ما تقدم من ذنبه، المستقبل الله أعلم به، إنما يكفي أنك تضمن ماضي نظيف، ليس فيه ما يعكر، ومن يستطيع ذلك؟من يحصل على ذلك هو السعيد، و(من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)[5]، نرجوا الله أيها الإخوة أن يكون الحاضرون في هذا المسجد مواظبون على صلاة التراويح بجزء من القرآن، أن يكونوا ممن قاموا رمضان إيمانا واحتسابا، فخرجوا من هذا الشهر مغفورا لهم، الآن وقت الحصاد، في المدة الماضية كان وقت الزرع، طول الشهر بنزرع، آخر الشهر بنحصد.
علامة قبول الحسنة:
والحصاد ليس في الآخرة فقط، الإنسان يناله جزء من الحصاد في هذه الدنيا، يحصد، تجد نورا في قلبك، انشراحا في صدرك، هداية إلى الرشد، موفقا في أموره إلى الصالحات بعد رمضان، تجد أنك موفق للعمل الصالح بعد شهر رمضان الكريم، وعلامة قبول الحسنة، أن توفق للحسنة بعدها، {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا} [مريم:76]، فالموفق حقا من شعر بالإقبال على الله بعد رمضان، يوجد ناس بعد رمضان، ينقطع عن المسجد، وينقطع عن تلاوة القرآن، وينقطع عن النوافل والتطوع، وينقطع عن عمل الخير، الانقطاع لا يجوز، إنما يجوز أن يقل نشاطه، لا مانع، فينبغي أن تظل مقبلا على الله عز وجل، تقبل على الله ما استطعت، فهذا هو شأن الإنسان المؤمن، من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد مات أو أوشك أن يموت، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
المؤمن الصالح يبحث دائما عن القبول:
المؤمن الصالح يبحث دائمًا عن القبول، هل قُبِل عملي هذا، أحد الصالحين مرض، فزاره بعض أصحابه في مرض موته، وقالوا له: لماذا تبكي؟ وجدوه يبكي بكاء حارا، قالوا تبكي على ماذا؟ فرأيناك مصليًا، صائما، متصدقا، عاملا للخير، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، فقال لهم: وما يدريني أن شيئا من هذا قد قبله الله تعالى مني، والله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]، أنا أعرف من أين أنه قد تقبل الله مني، وكان أحد الصالحين يقول: لو علمت أن الله قد قبل مني ركعتين بالقطع واليقين، لكان ذلك خير لي من الدنيا وما فيها، قالوا له لماذا؟ قال لأن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، فقبول هاتين الركعتين معناها أنني من المتقين، أطمئن على نفسي، القبول هو الأساس، فسيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما السلام، حينما رفعا القواعد لبناء الكعبة المشرفة، وانتهيا من البناء، قالا: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:127]، {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:15-16]، يتقبل عنهم أحسن ما عملوا، تقبل الله لك عملك هذا هو المهم، هل قُبلت أم طردت؟ إذا كنت قبلت قل الحمد لله.
الخوف من عدم قبول العمل:
ولذلك الحسن البصري مرّ على جماعة يوم العيد يضحكون ويمرحون ويلهون، فقال لهم ما هذا؟ إن كان الله قد قبل منكم، فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يقبل منكم فما هذا فعل الخائفين، الإنسان ينبغي أن يتعلق قلبه بالقبول، هل قُبلت أعمالي أم لا؟ ربنا سبحانه وتعالى تحدث عن أوصاف المسارعين في الخيرات من الصالحين، فكان من أوصافهم، {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا، وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ" أَهُوَ الرَّجُلُ يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ قَالَ: ( لَا يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ -" أَوْ" لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ -" وَلَكِنَّهُ" الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ)[6]، السيدة عائشة تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم: قلوبهم وجلة وخائفة من الرجوع إلى الله، هل هؤلاء الناس، هل هذا في الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر، ويخاف أن يعاقبه الله، فقال صلى الله عليه وسلم: لا يا عائشة، بل هذا في الرجل يصلى ويصوم ويتصدق ويخاف أن لا يقبل الله منه.
الفرق بين المنافق والمؤمن:
ولذلك فيه فرق بين المنافق والمؤمن، المنافق يعمل السيئات ويقول أطمع أن يغفر لي، مثل ما حكى الله عن اليهود، {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} [الأعراف:169]، هذا في المنافق، أما المؤمن هو الذي يعمل الصالحات ويخشى أن لا يُقبل منه، لأنه ربما أن يكون فيه خلل في هذه الصالحات، لم يستوف شروطها، لم يوف أركانها، لم يكن فيها الإخلاص الكافي، فيها رياء، فيها ابتغاء الشهرة و المحمدة عند الناس فيبطلها، مثل الذي يبطل صدقاته بالمن والأذى، يعمل صالحا كأن يتصدق ثم يَمُنُّ على الفقير أو يؤذيه ويجرح شعوره، ويضيع عمله، ممكن يكون فيه رياء عند دخول العمل أو قبله أو عُجْب بعد دخول العمل، العُجْب بعد العمل يبطل العمل، ولذلك ابن عطاء الله السكندري يقول: ربما فتح الله لك باب الطاعة، وما فتح لك باب القبول، وربما قدر عليك المعصية فكانت سببا في الوصول، معصية أورثت ندما وانكسارا، خير من طاعة أورثت عجبا واستكبارا، طاعة تغرك، تجعلك تقول من مثلي، هل يوجد من عمل مثل ما عملت، أنا الذي أصلى وأصوم، وأذهب سنويا لأداء العمرة، وأحج كل سنة، وأنا الذي أعمل كذا وكذا من الخيرات، أنت تضيع عملك بذلك، المهم القبول أيها الإخوة، هل قُبِلت أيها الأخ المسلم، هل قبلتِ أيتها الأخت المسلمة، بعد المعاناة والعمل في هذا الشهر الكريم، هذا ما يجب أن نهتم به، أنت من أيّ الصنفين.
السعداء والأشقياء:
من قرأ جزء عم؟ هذا الجزء الذي قرأ منه الشيخ عبد السلام سورة النبأ، وقرأت سورة النازعات، يجد الناس قد قسموا إلى قسمين، فيه سعداء وفيه أشقياء، فيه أهل الجنة وفيه أهل النار، فيه أبرار وفيه فجار، من أيّ الصنفين أنت؟ في سورة عمّ، {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا، لِلطَّاغِينَ مَآبًا، لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا، لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا، إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا، جَزَاءً وِفَاقًا، إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا، وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا، وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا،فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} [النبأ:30،21]، هذا صنف، ومقابله {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا، وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا، وَكَأْسًا دِهَاقًا، لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا، جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا} [النبأ:36،31]، وهكذا، فيه الطاغين وفيه المتقين، وفي سورة النازعات، {فَأَمَّا مَنْ طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:41،37]، فريقين واضحين تماما، في سورة عبس، {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ، يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37،33]، ثم يقسم الناس إلى قسمين، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ، ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ، تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ، أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس:42،38]، هكذا، الكتاب واضح، في سورة الانفطار، {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:14،13]، في سورة الانشقاق، {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} [الانشقاق:15،7]، الذي كان مسرورا في الدنيا هذا، الهَمُّ كلُّه سيركبُه يوم القيامة، يوم يأخذ كتابه بشماله ومن وراء ظهره، هكذا ينقسم الناس، فمن أيّ الفريقين أنت؟ حاول أن تجعل نفسك من صفّ الناجين، السعداء، أهل الجنة، أهل رضوان الله عز وجل، قال أحد خلفاء بني أمية، هشام بن عبدالملك لأبي حازم: يا أبا حازم، أين مصيري يوم القيامة؟ قال له اعرض نفسك على كتاب الله، الله تعالى يقول: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:14،13]، أنت تقدر أن تعرف مصيرك من اليوم، أنت من الأبرار أم أنت من الفجار، {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}.
وصايا:
إيّاك أن تمشي في طريق الفجار، امش في طريق الأبرار، اتخذ من رمضان، من قيام رمضان، من الذكر والتسبيح في رمضان، من تلاوة القرآن والاستماع إليه في شهر رمضان، اتخذ ذلك زادا طوال أحد عشر شهرا، اشحن البطارية في رمضان تنفعك طوال السنة، و إلا إذا خرجت من رمضان فارغ البطارية، فما أضيع هذه الأيام، وما أضيع هذه الأوقات ولم تستفد من رمضان شيئا، يا أيها الإخوة، كم كان لنا إخوة وأحبة وأقرباء وأصدقاء في رمضان الماضي، غابوا عنا في رمضاننا هذا، وهكذا نودع دائمًا كثيرًا من الأحباب والمعارف والأصدقاء، هذه هي الدنيا، كل حيّ فيها إلى ممات، وكل شيء فيها إلى فناء، حتى الأيام، كل ما له أول له آخر، الذي لا أول له ولا آخر هو الله عز وجل، {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3]، نحن لا يسعنا في ختام هذا الشهر الكريم إلا أن نسأل الله تبارك تعالى، أن يخرجنا من هذا الشهر بمغفرة ورحمة وعتق من النار، أن يختم لنا فيه بالسعادة والإيمان والقبول، أن يجعل فيه يومنا خيرا من أمسنا، وأن يجعل غدنا خيرا من يومنا، وأن يعز الإسلام وأن يجعل كلمته هي العليا، وأن ينصر إخوتنا المجاهدين في فلسطين وفي العراق وفي كل مكان، وأن يأخذ بأيدي إخوتنا المضطهدين والممتحنين في كل مكان، وأن يجعل لهذه الأمة من عسرها يسرًا، ومن همها فرجًا، ومن ضيقها مخرجًا، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدًا، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:147]، {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم:8]، اللهم آمين وصل اللهم وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
..................
[1] رواه الطبراني في مسند الشاميين(592)، والهيثمي في مجمع الزوائد (3/142)، رواته ثقات، إلا أن محمد بن أبى قيس لا يحضرنى فيه جرح ولا تعديل عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
[2] رواه الطبراني في الكبير(11115)، والهيثمي في مجمع الزوائد في الأدعية(17312)، فيه يزيد بن أبى زياد، وهو مختلف فيه، وبقية رجاله ثقات عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[3] رواه البخاري في الصوم (1903)، وأبو داود في الصوم (2362)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[4] متفق عليه، رواه البخاري في صلاة التراويح (2014)، ومسلم في صلاة المسافرين (760)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[5] متفق عليه، رواه البخاري في صلاة التراويح (2014)، ومسلم في صلاة المسافرين(760)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[6] رواه أحمد (25705)، وصححه الألباني في الإيمان لابن تيمية (1/162)، عن عائشة رضي الله عنها.