د. يوسف القرضاوي
من المسلمين من أفسد الجهل والغزو الثقافي فكره؛ فأصبح يعتقد أن الإسلام ـ كبعض الديانات الأخرى ـ عقيدة وعبادة وخلق، ولا شأن له بالدولة ولا بنظام الحياة.
وبعضهم يحسب أن ما جاء به الإسلام في النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي أشياء قليلة لا تبلغ أن تكون نظاما يوجه الحياة.
وبعضهم يظن أن ما جاء به الإسلام في هذه النواحي وما أشبهها لا يصلح لعصرنا اليوم.
وبعضهم يقول: لا يمكن تطبيقه في هذا العصر.
ومعظم هؤلاء في نظري جهال، يجب أن يتعلموا، لا مرتدون يجب أن يقتلوا!
معظم هؤلاء لم ينكر حق الله في أن يشرع لعباده ما يشاء ويلزمهم بما يريد، ولكنهم يظنون أنه منحهم حرية الاختيار فيما يحكمون به أنفسهم في بعض شئون الحياة.
وهذا إنما جاء من الجهل بحقيقة دينهم وشموله.
وبعضهم قامت في ذهنه شبهات بلبلت فكره، ولم يكن عنده حصانة ثقافية ترد عنه أثر هذه الشبهات.
وواجب دعاة الإسلام أن يرشدوا هؤلاء وأولئك إلى الصراط المستقيم، ويعلموهم دينهم الذي لازالوا يلتزمونه، ويعتقدون أنهم مقيمون عليه.
وطرائق التعليم تختلف باختلاف درجات ثقافة الأشخاص ونوعها، ومن هذه الطرق:
عرض النظام الإسلامي لشتى جوانب الحياة، وبيان مزاياه على سائر الأنظمة البشرية، وكيف تقدم الشريعة الإسلامية حلولا مدهشة لا تتطاول إليها أعناق البشر لمختلف مشكلات الحياة.
إن كثيرين من "عبيد الفكر الغربي" لا يشكون في عقيدة الإسلام، بل في نظامه للحياة، وكثيرون منهم ربما شكوا في العقيدة، بناء على شكهم في النظام.
فالواقع أن الغزو الفكري الماكر، حين بدأ عمله لم يبدأ بالتشكيك في العقيدة، فهذا مما ينفر منه كل مسلم، لوضوح العقيدة الإسلامية وانسجامها وبساطتها ومنطقيتها ـ وإنما بدأ بالتشكيك في أنظمة الإسلام وتشريعاته، فانتهى التشكيك في النظام إلى الشك في العقيدة ذاتها، وهذا أمر حتمي، لأنه فرع عنها، وثمرة لها.
لهذا كان من المناسب ومن النافع العمل على إزالة الشبهات عن النظام، وبيان خصائصه ومزاياه وآثاره ليعود إلى الشاكين والمرتابين إيمانهم بالنظام الذي أدت زلزلته إلى زلزلة العقيدة، فقوة الإيمان به تقضي إلى قوة العقيدة.
ومن أجل هذا نرى كثيرين من رجال القانون والاقتصاد والاجتماع الذين شكوا في صلاحية الإسلام كله يوما ما، حين أتيحت لهم دراسة نظمه دراسة واعية، زالت شبهاتهم، وانحلت عقدهم، وعادوا بقوة إلى حظيرة الإسلام، بل أصبحوا من دعاته وأنصاره.
والنظرة إلى المجتمع الحالي في بلاد المسلمين على أنه مجتمع جاهلي صرف كمجتمع مكة في بدء الدعوة الإسلامية، هي السر الكامن وراء هذا التشدد الظاهر في رفض كل محاولة لعرض نظام الإسلام، وتقديم حلول من فقهه لمشكلات الحياة العصرية.
ـــــــــ
- من كتاب "الاجتهاد في الشريعة الإسلامية" لفضيلة الشيخ.