عدنان سليم أبو هليل

اشتد وتصاعد هجوم السلطة الفلسطينية على حركة حماس وحكومة غزة على خلفية الزيارة التي قام بها الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي وإخوانه العلماء لقطاع غزة، وأعلنت وزارة داخلية رام الله أنها أرسلت لجميع الدول التي تعترف بها كدولة، رسائل مفادها أن القرضاوي يحمل جواز سفر فلسطينيا مزورا " وطالبت – حسب قولها - جميع هذه الدول باتخاذ الإجراءات القانونية من أجل ضبط حامل الجواز واسترداده وفق القانون الدولي.. وكان السيد "هنية" قد منح القرضاوي الخميس الماضي جواز سفر فلسطينيا، إلى جانب تقليده عددا من الأوسمة والدروع مع بداية برنامج جولته لقطاع غزة.. السلطة وصفت الزيارة بـ’المشبوهة’ وقالت عن المنحة: (عطاء من لا يملك لمن لا يستحق) فيما رحبت بها حماس ووصفتها بـ "الزيارة التاريخية" وأقول:

الجواز الفلسطيني كالسلطة الفلسطينية تماما؛ لا يمكن أن يكون وطنيا أو يحمل قيمة اعتبارية إذا استند في شرعيته وإصداره واعتماده وقوته على الاحتلال.. ولنستمع لوكيل وزارة داخلية سلطة رام الله "حسن علوي" الذي قال يوم 3 / 12 / 2012 الماضي أثناء حديث له مع "القدس دوت كوم" في معرض كلام عن التحولات الضرورية بعد حصول فلسطين على صفة دولة مراقب.. قال: "إن الاحتلال يسيطر على جميع منافذ ومعابر الدولة وما زلنا نخضع بجميع وثائقنا بشكل شبه مباشر للاحتلال"، لاحظ قوله " في جميع وثائقنا" وقوله "شبه مباشر"، السؤال المنطقي والحقيقي والمضاميني والوطني هنا: هل جواز غزة الذي منحه هنية للقرضاوي من هذا النوع الذي يسيطر عليه الاحتلال ككل وثائق السلطة؛ أم هو جواز الثورة والمقاومة والجواز الوطني؟ وإذن فمن الأولى بوصف الشرعية؛ ومن الأولى بوصف اللاشرعية؟

وبنفس المنطق الموضوعي والوطني الحقيقي وبعيدا عن كل الشكليات والإشكاليات.. أليس الأصل في المواطنة المسوغة لاكتساب الجواز والجنسية هو الولاء للوطن ونصرته والدفاع عنه؟ أليس بهذا المعنى تَمنح الدول جوازها الوطني لغير مواطنيها؟ أليس هذا هو الأصل أيضا في سحب الدول جوازها الوطني من الذين يخونون أوطانهم.. وعلى ذلك أليس القرضاوي بما قدم للقضية الفلسطينية طيلة عمره أحق بالجواز الفلسطيني من كثيرين ممن هم اليوم في سدة قيادة الشعب الفلسطيني، ويتنقلون بجوازات دبلوماسية فلسطينية وينهبون ميزانية الثورة؛ وما حقهم الصحيح إلا أن يقدموا لمحاكمات ثورية مدانين بالتنسيق مع الاحتلال وبالفساد الأخلاقي والسياسي والأمني؟ ثم أليس الشيخ القرضاوي هو نفسه القرضاوي الذي خاض المعارك طولا وعرضا دفاعا عن العمليات الاستشهادية في فلسطين وعاداه من عاداه في ذلك من أشخاص وكتاب وأحزاب ودول منعته من دخولها؟ أليس الشيخ القرضاوي هو نفسه القرضاوي الذي فكر العدو في اغتياله على إثر موقفه العظيم البارع في فضح عدوان 2008 - 2009؟ أليس الشيخ القرضاوي هو نفسه القرضاوي الذي لم يفتر لحظة يدافع عن المقاومة والقضية ويحرض على نصرتها بالمواقف والخطابات والمؤتمرات والمنتديات والمهرجانات والمواقف والعزائم والفتاوى وعشرات الكتب والقصائد والمفاهيم؟

وفي نفس السياق لنا أن نسأل: هل المخرج السوري المؤيد للنظام المجرم "نجدت أنزور" الذي منحه عباس الجواز الفلسطيني أولى من القرضاوي به؟ علما بأن "نجدت أنزور" هذا من الموالين للنظام المجرم الذي يقتل شعبه وينتهك كرامته.. وهو - أنزور - صاحب محاولات إحداث الفتنة في المهرجانات بين الفنانين السوريين وأشقائهم المصريين.. وحتى لو اعتبرنا جواز أنزور نوعا من التشجيع للفن المتصل بالقضية أليس أولى منه المخرج السوري "حاتم علي" - مثلا - الذي قدم لنا مسلسله البديع "التغريبة الفلسطينية"؟! أم لأن " حاتم علي " انحاز للإنسان العربي السوري وقدم فيلماً وثائقياً جميلاً بعنوان " تهريب 23 دقيقة " سجل فيه معاناة المسجونين القدامى في معتقلات الأسد؟ أم لأن زوجة "حاتم علي" هي الناشطة الحقوقية والممثلة والكاتبة دلع الرحبي، التي سجلت سيرتها الذاتية البديعة "عصي الدمع" لتناصر ثورة شعبها؟ عباس منح الجواز أيضا يوم 20 / 4 / 2013 الماضي للصحفي "غسان بن جدو" مؤسس شبكة الميادين الفضائية الذي يوالي النظام السوري أيضا ويسخر نفسه ولسانه وقناته في نصرة ظلمه وطائفيته النتنة؛ فهل هذا أيضا أولى بالجواز الفلسطيني الدبلوماسي من القرضاوي؟ الواضح أن الجواز الفلسطيني يراد له أن يغرد بعيدا عن مصالح ووطنيات الشعب الفلسطيني وأن يظل حكرا لتسلقات القيادة الفلسطينية على دماء الأهل والإخوة والجيران في سوريا؟

أما أن هنية لا يملك شرعية إصدار الجوازات.. فلن أتوقف كثيرا عند حقيقة انتهاء شرعية السلطة برمتها قبل 15 سنة منذ 1998 حسب القانون الفلسطيني، ولن أتوقف عند حقيقة انتهاء ولاية عباس قبل أربع سنوات منذ 2009 أيضا حسب القانون الفلسطيني، ولن أتوقف عند حقيقة عدم شرعية حكومة رام الله التي لم تعرض على المجلس التشريعي ولم تنل ثقته أيضا حسب نص القانون الأساسي في المادة 79 منه التي تقول (لا يجوز لرئيس الوزراء أو لأي من الوزراء ممارسة مهام منصبه إلا بعد الحصول على الثقة به من المجلس التشريعي).. أقول: لندع كل هذا حتى لا نغوص في مناكفة بلا طائل.. ولنرجع للهدوء.. وأقول كمثقف لا كمختص وفي حدود معلوماتي حتى الآن.. لا يوجد نص صريح ولا ضمني في القانون الأساسي القديم للسلطة ولا في الصيغ الأربع المعدلة له يحدد إصدار الجوازات ومنح الجنسية بالرئيس أو غيره.. وكل ما هو موجود هو فقط عبارة من أربع كلمات في القانون المعدل 2003 ومكررة في التعديلات التالية والمادة هي رقم 7 من الباب الأول.. وتقول: (الجنسية الفلسطينية تنظم بالقانون).

الجدير ذكره أن السلطة وضعت هذا القانون وأنجزته منذ 1995 ولكنها لم تقدمه للتشريعي ولم يعتمد حتى الآن لأسباب سياسية واحتلالية حسب دراسة أعدتها "الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن" وعليه فمسألة اختصاص الرئيس بإصدار الجوازات هي مجرد وهم وكلام مرسل وادعاء لا ينبغي الالتفات إليه وليست له أي قيمة موضوعية..

فإذا تجاوزنا كل هذه الشكليات وذهبنا إلى المعنى الأعمق والأصدق في ميزان الشرعية الثورية في بلد ثوري كفلسطين؛ لنا أن نسأل: أيهما أثقل في ميزان الشرعية؟ ما تمثله حماس والمقاومة من التضحية والصدام وردع العدو؛ أم ما تمثله السلطة والقائمون عليها المستمدة من التنسيق الأمني والسياسي مع الاحتلال ومن اتفاق أوسلو البارد البليد المعتوه المؤسس لها؟ وإذا ذهبنا إلى المعنى الأعمق والأصدق في ميزان الأصالة والأخلاق الفلسطينية والعربية في بلد عشائري محترم يحسب الكلمة ويثمن أثرها كفلسطين؛ هل من المروءة أو اللياقة الأدبية أو الاحترام أن يُنعت ضيف فلسطين الكبير وإمام المجتهدين في زمانه بالمزور وبالذي لا يستحق؟

آخر القول: زار القرضاوي فلسطين "المقاومة والمقاومين" ونعم الزائر العالم الرباني الكريم المجاهد ونعم الكوكبة من أوفى العلماء وأكرمهم الذين رافقوه.. ونعمت الزيارة التي وقعت رغما عن الاحتلال وبدون تأشيرة صهيونية ولا تحت جناح التنسيق الأمني والسياسي، ونعم المُزار- غزة وفلسطين أرض العزة والجهاد والصبر والشرف، لقد استحق القرضاوي هذا الشرف واستحقت فلسطين هذه الزيارة.. فنعم الزائر والمزار.