د. يوسف القرضاوي

لم يكتف الإسلام بتقرير مبدأ المساواة نظريا، وتثبيته فكريا، بل أكده عمليا بجملة أحكام وتعاليم نقلته من فكرة مجردة إلى واقع ملموس. من ذلك العبادات الشعائرية التي فرضها الإسلام، وجعلها الأركان العملية التي يقوم عليها بناؤه العظيم من الصلاة والزكاة والصيام والحج.

المساواة أمام قانون الإسلام:

ومن المساواة العملية التي قررها الإسلام قولا، وطبقها فعلا: المساواة أمام قانون الشرع وأحكام الإسلام.

فالحلال حلال للجميع، والحرام حرام على الجميع، والفرائض ملزمة للجميع، والعقوبات مفروضة على الجميع.

حاولت إحدى القبائل عند الدخول في الإسلام أن تعفى من الصلاة حينا من الزمن، فأبى عليها ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: "لا خير في دين لا صلاة فيه".

وحاول الصحابة أن يشفعوا أسامة بن زيد ـ حب رسول الله وابن حبه ـ في امرأة من قريش، ومن بني مخزوم، سرقت فاستحقت أن يقام عليها حد السرقة: قطع اليد، فكلمه فيها أسامة، فغضب صلى الله عليه وسلم غضبته التاريخية المعروفة، وقال كلمته التي خلدها التاريخ: "إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها".

وفي عهود الخلفاء الراشدين رأينا كثيرا من الصور والأمثلة لتطبيق مبدأ المساواة بين جميع الناس، دون تفريق أو تمييز. وحسبنا أن نشير هنا إلى قصة جبلة بن الأيهم ـ الأمير الغساني ـ مع الأعرابي الذي شكا إلى عمر أمير المؤمنين كيف لطمه جبلة بغير حق، فلم يسع عمر إلا أن يحضر جبلة، ويطلب إليه أن يمكن الأعرابي ليقتص منه، لطمة بلطمة، إلا أن يعفو عنه ويصفح، وعز على الأمير الغساني أن يفعل ذلك، وقال لعمر بصراحة: كيف يقتص مني وأنا ملك وهو سوقة؟

فقال عمر: إن الإسلام قد سوى بينكما.

ولم يع الأمير المسكين هذا المعنى الكبير، وخرج من المدينة هاربا مرتدا عن الإسلام الذي يفرض المساواة بين الملك والسوقة أمام شرع الله، وغلبت عليه شقوته فكان من الخاسرين.

ولم يبال عمر ولا الصحابة معه بهذه النتيجة، لأن ارتداد رجل عن الإسلام أهون بكثير من التهاون في تطبيق مبدأ عظيم من مبادئ الإسلام، كالمساواة. وخسارة فرد لا تقاس بخسارة مبدأ.

ــــــــ

عن كتاب "مدخل لمعرفة الإسلام" لفضيلة الشيخ.