د. يوسف القرضاوي
نصيب الإنسان من جناح البعوضة:
هذه هي الدُّنيا، الدُّنيا لا يُنال ما عند الله إلا بتركها، ولا يُعصى الله إلا فيها، "لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ؛ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْها شَرْبَةَ مَاءٍ".[1]
ونقول دائمًا: إذا كانت الدُّنيا لا تزن جناح بعوضة، الدنيا كلُّها بسمائها وأرضها، وبحارها وأنهارها، باليابسة والمحيطات، والأشجار والأنهار، وبالصحراء بالمعادن والنفط، بكلِّ هذه الأشياء، بكلِّ قاراتها الخمس، لا تزن عند الله جناح بعوضة، فماذا يكون نصيبك أنت من جناح البعوضة؟ ماذا تكون قارة آسيا في جناح البعوضة؟ ماذا تكون بلاد الخليج في جناح البعوضة؟ ماذا تكون قطر في جناح البعوضة؟ ماذا تكون أنت في قطر من جناح البعوضة؟ خذ البعوضة كلَّها بجناحيها، ماذا تساوي الدنيا حتى يتقاتل الناس عليها إلى هذا الحدِّ؟
في الحديث عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بالسوق داخلا من بعض العالية، والناس كَنَفَتَيه[2]، فمرَّ بجدْي أَسَك[3] ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: "أيُّكم يحبُّ أن هذا له بدرهم؟". فقالوا: ما نحبُّ أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: "أتحبُّون أنه لكم؟". قالوا: والله، لو كان حيًّا، كان عيبًا فيه؛ لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ فقال: "فوالله للدنيا أهون على الله، من هذا عليكم"[4].
رماه أهله؛ لأنَّه لم يعُد له قيمة عندهم، فهو ميِّت. والدُّنيا أهون على الله من هذا الجدي الأسَكِّ الميت على أهله.
من خصائص الدُّنيا أنَّه لا يُشبَعُ منها:
هذه هي قيمة الدنيا التي يتهافت الناس عليها، والتي لا يمكن أن يشبع الإنسان منها، مهما أوتي، وهذا من خصائص هذه الدنيا.
في الحديث عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن لابن آدم واديًا من ذهب أحبَّ أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على مَن تاب"[5].
لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث.
فصاحب العشر يبغي عشره مائة وصاحب الألف يبغي الألف مليونا
وصاحب المليون يريد أن يكون مليارديرا، وصاحب المليارات يريد أن يكون أغنى من غيره، "لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب".
نسبة الدُّنيا إلى الآخرة:
الدُّنيا زائلة، إذا نظرنا إليها بالنسبة للآخرة فقد بيَّن النَّبي صلى الله عليه وسلم لنا هذا المثل حينما قال: "والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليمِّ، فلينظر بِمَ ترجع"[6].
إذا وضعتَ أُصبعك في الخليج أو في المحيط وأخرجتها، ماذا يأخذ أُصْبُعُك من الخليج أو من البحر أو من المحيط، هذه هي نسبة الدنيا إلى الآخرة، فكيف يضيع الإنسان العاقل الآخرة من أجل الدنيا.
الدُّنيا من صفاتها الغدر:
الدُّنيا من طبيعتها التغيُّر، والتغيُّر السريع، ولذلك وصفها النَّاس بالغدر، قال علي بن أبي طالب: هي دار بالبلاء محفوفة، وبالفناء معروفة، وبالغدر موصوفة، فكل ما فيها إلى زوال، وهي بين أهلها دول وسجال، لا تدوم أحوالها، ولن يسلم من شرها نزالها، بينا أهلها منها في رخاء وسرور، إذا هم منها في بلاء وغرور[7]. وما أكثر حوادث الدُّنيا التي نراها.
الدُّنيا سريعة التَّقلُّب بأهلها:
الدُّنيا سريعة التغير، الإنسان فيها معرض في كل لحظة إمَّا لنعمة زائلة، أو بليَّة نازلة، أو لمنيَّة قاتلة، فالموت ليس بعيدًا عن أيِّ أحد، كثيرًا ما يموت الإنسان وهو في عنفوان شبابه، وفي مقتبل عمره، وفي زهرة حياته، بعض الناس يظنون أن الموت لا يأتي إلا بعد الشيخوخة، كم رأينا من شباب ماتوا - والله - وهم في زهرة شبابهم، كثيرًا ما يموت الناس في حوادث السير، وما أكثر الحوادث، قد لا تكون أنت السائق، تأتي السيارة فتدهمك وأنت ماشٍ على رجليك، كثيرًا ما رأينا الناس يموتون بالسكتة القلبيَّة، بالذبحة الصدريَّة، موت الفُجاءة أصبح شائعًا في عصرنا، ما الذي يدريك، مَن يضمن لك إذا أصبحتَ أن تعيش إلى المساء؟ وإذا أمسيتَ أن تدرك الصباح؟ لا أحد يضمن لك هذا.
تزوَّد من التقوى فإنك لا تدري إذا جنَّ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجر
فكم من سليم مات من غير عِلَّة وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر
قد تكون منعَّمًا في عيشك، وقد تكون متَّمتعًا بمالك، ولا تدري ما يخبئه لك الدَّهر، وكم من مخبئاتٍ يُخبؤها الزمن، تفاجئ الناس بما لا يعلمون، كم رأينا من أصحاب سلطان زال سلطانهم، كم رأينا من تجَّار كبار أفلست تجارتهم، كم رأينا من أثرياء افتقروا، والشاعر يقول:
يا راقد الليل مسرورًا بأوله إنَّ الحوادث قد يَطرقن أسْحارًا[8]
قد تأتي الحوادث في السَّحر، وأنت نائم في أول الليل في أمان الله، هذه هي طبيعة الدُّنيا.
الدُّنيا دار عناء وتعب:
قال رجل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين صف لنا الدنيا قال: وما أصف لك من دار: من صح فيها أمن، ومن سقم فيها ندم، ومن افتقر فيها حزن، ومن استغنى فيها فتن، في حلالها الحساب، وفي حرامها النار"[9].
أولها بكاء:
هذه هي الدنيا، أوَّلها بكاء، أوَّل ما ينزل الإنسان من بطن أمٍّه يصرخ باكيًا، وفي هذا يقول الشاعر:
ولدتك أمُّك يا بن آدم باكيًا والناس حولك يضحكون سرورًا
فاعمل ليوم أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكًا مسرورًا
يوم أن نزلت من بطن أمك كنتَ تبكي والناس يضحكون، فخُذ بثأرك، يوم تموت، وهم يبكون، اعمل لكي تكون أنت الضاحك، في حين أنهم يبكون، وذلك لا يكون إلا بعمل الصالحات، الشيء الوحيد الذي يملك الإنسان أن يخرج به من الدنيا، هو الإيمان والعمل الصالح.
فإذا استطعتَ أن تكسب هذا من الدنيا، كانت الدنيا لك نعم الدار، وإلاَّ فأنت الخاسر، ماذا أصف من دارً أولها بكاء، يقول الشاعر:
لِمَا تُؤْذِن الدُّنيا به من صروفها يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وإلاَّ فمـا يبكيـه منها وإنـَّها لأفسح مما كان فيه وأرغد[10]!
لماذا يبكي وهو خارج من الضيق إلى السَّعة؟ يقول: هذا إيذان بأنَّ هذه الدَّار دار نكد من أولها، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4].
أوسطها عناء:
ماذا أصف لكم من دار أولها بكاء، وأوسطها عناء، وآخرها فناء، أوسطها عناء، يعيش الإنسان فيها يعاني، كلُّ إنسان يعاني في هذه الدُّنيا، سواءً كان مقلاًّ أم مكثرًا، فقيرًا أم مُثريًا، كلُّ إنسان يعاني في هذه الدنيا، والمعاناة والمكابدة صفة الإنسان في هذه الدَّار، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4].
وآخرها فناء:
فأوَّل هذه الدُّنيا بكاء، وأوسطها عناء، وآخرها فناء، آخرها فناء، الموت هو النهاية، ما ترك الموت أحدًا، لا نبيًّا ولا وليًّا، ولا فقيرًا ولا غنيًّا، ولا ملكًا ولا مملوكًا، ولا سيدًا ولا عبدًا، ولا رجلاً ولا امرأة، اخترق الموت الجميع، شرب الجميع من هذا الكأس، وردُّوا هذا الحوض، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185].
الفوز الحقيقي:
هذا هو الفوز الحقيقي، الفوز الحقيقي أن تُزحزح عن النار وتدخل الجنة، وإلا فلا فوز، ليس فوزًا أن تكسب الملايين، ليس فوزًا أن ترقى أعلى المناصب، ليس فوزًا أن يكون لك البنون المتفوقون، ليس فوزًا، أن يكون لك الخدم والحشم، ليس فوزًا أن تربح في تجارتك الدنيَّوية، إنما الفوز الحقيقي أن تربح في الآخرة، أن تُزحزح عن النار وتدخل الجنة، {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
الفوز يتحقق بالإيمان والعمل الصًّالح:
إنما تُزحزح عن النار وتدخل الجنة بصدق الإيمان وصلاح العمل، بصدق الإيمان وصلاح العمل تستطيع أن تخرج من الدنيا وأنت مطمئن بأنَّك زرعت في هذه المزرعة زرعًا فأثمر، الدنيا مزرعة الآخرة، أنت تزرع هنا لتحصد هناك، أنت تعدُّ هنا لتحصل هناك، أنت خُلقت للخلود، وإنما ينقلك الموت من دار إلى دار.
الدُّنيا مزرعة الآخرة:
الدنيا مزرعة الآخرة، تزرع خيرًا تحصد خيرًا، من جدَّ وجد، ومَن زرع حصد، ولا يضيع الله أجر من أحسن عملا، وهذا هو عمل البصراء الذين أنار الله بصائرهم، وفقهت قلوبهم، وعرفوا أن هذه الدنيا دار ممرٍّ، وليست دار مقر، وأن القرار في تلك الدَّار كما قال مؤمن آل فرعون {يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر:38-40].
املك الدنيا ولا تملكك:
من فضل الله علينا أن الإسلام لم يطلب منا أن نهجر الدنيا هجرًا كليًّا، لم يطلب منا أن نعيش عيشة الرهبان، وإنما قال: املكوا الدنيا في أيديكم ولا تُسكنوها قلوبَكم، لا بأس أن تملك الدنيا ولا تملكك، وأن تسخِّر الدنيا ولا تسخِّرك، وأن تعيش في الدنيا ولا تعيش فيك، هذا هو المطلوب من الإنسان المسلم.
وهذا ما فعله النبيُّون، كان من النبيِّين من ملك الدُّنيا، يوسف وداود وسليمان، ومحمدٌ عليه الصلاة والسلام ملك الدُّنيا، وفتح الله له الفتوح، ولكنَّه لم يُسكنها في قلبه، ولم يعرها التفاتًا، وما جاءه شيء إلا أنفقه، وخرج من الدُّنيا ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين وسقًا من شعير، اتخذها من أجل نفقة عياله وأهله[11]. هكذا كان صلى الله عليه وسلم.
الجمع بين حسنة الدنيا والآخرة:
نستطيع أن نعمل في هذه الدُّنيا برُوح أهل الآخرة، أن نعيش في الدُّنيا وأعيننا مشدودة إلى الآخرة، أن نعيش في الأرض بقلوب أهل السماء، أن نكون كالذين قال الله فيهم: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:37]، كان في الصحابة أغنياء من أمثال عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وغيرهما من الصحابة، ولكن الدنيا لم تلههم عن الآخرة، لم تشغلهم عن حقِّ الله، لم تجعل أحدهم يجور على أخيه، أو يكيد له، بل أعطوا الدنيا حقَّها والآخرة حقَّها، كما علَّمنا الله تعالى أن نقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201].
الخطر أن يُنسينا حبُّ الدُّنيا الآخرة:
إن الخطر كلَّ الخطر، أن تستولي الدُّنيا على القلوب، أن نحبَّ الدنيا حبًّا ينسينا الله خالقها، وينسينا الآخرة التي هي دار القرار، أن نحبَّ الدنيا هذا الحب، هذا هو الخطر الذي ننبِّه عليه، ونحذِّر منه، وهذا لا يكون إلا لمَن فقد الإيمان بالآخرة، الذين قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس:7، 8]، أو الذين لا يظنُّون أن هناك آخرة إلا ظنًّا ضعيفًا، كالذين قال الله فيهم: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية:32].
الغفلة عن الآخرة من أخطر الأمراض:
وقد يؤمن الإنسان بالآخرة من الناحية النظريَّة، ولكنه غافلٌ عنها، في شغلٍ عنها، لا تكاد تخطر بباله، فهو منهمك في دنياه، لم يصل الإيمان عنده إلى حدِّ اليقين، الذي وصف الله به المتَّقين بقوله: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة:4]، فهذا هو الغافل، وهذه الغفلة هي أسُّ الداء، قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:6، 7]، الغفلة عن الآخرة من أخطر الأمراض والأدواء.
علينا أن نعرف قدر الدنيا بحيث لا تشغلنا عن ربِّنا، ولا عن آخرتنا، ندعو بما علَّمنا به النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعو به: "اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همَّنا، ولا مبلغ علمنا"[12].
وقد ذمَّ الله قومًا فقال: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [النجم:29، 30]، كلُّ ما يعلمونه هو ما يتعلَّق بالدنيا، الذين آثروا الحياة الدُّنيا: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37 -39].
إيثار الحياة الدنيا هو الخطر، وحبُّ الدنيا هو الخطر.
سبيل النجاة في الانشغال بالآخرة:
والنجاة والخلاص والسلامة في أن نشغل قلوبنا بالآخرة، أن تصبح الآخرة هي الغاية، والدنيا هي الوسيلة، لا أن نعيش للآخرة، ونجعل الدُّنيا مجرَّد مطيَّة للوصول إلى دار الخلود، للوصول إلى دار القرار، بهذا يسعد النَّاس في دنياهم قبل أخراهم، بهذا يخرج النَّاس من هذه الغابة التي يعيش النَّاس فيها وحوشًا، يأكل القوي فيهم الضعيف، أو بحرًا فيه أسماكٌ يلتهم كبيرها الصغير، بهذا نخرج من الغابة لنعيش أناسًا مؤمنين، كالذين قال فيهم العبد الصالح:
إنَّ لله عبادا فُطُنَا طَلَّقُوا الدُّنيا وخافوا الفِتَنَا
نَظَرُا إليها فَلَمَّا عَلِمُوا أنَّهَا ليْسَت لِحَيٍّ وَطَنَا
جعلوها لُجَّة واتَّخذوا صالح الأعمال فيها سُفُنا[13]
وقال لقمان لابنه: يا بني إن الدنيا بحر عميق، قد غرق فيه ناس كثيرون قبلك، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، ودفَّتها التوكُّل على الله، وشراعها الإيمان بالله، لعلك تنجو، وما أراك ناجيا[14].
وبالله التوفيق.
ـــــــ
[1] رواه الترمذي، وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
[2] كَنَفَتَيْه: أي جانبيه.
[3] الأَسَكَّ: أي: صغير الأذنين.
[4] رواه مسلم في الزهد (2957).
[5] متفق عليه: رواه البخاري في الرقاق (6439)، ومسلم في الكسوف (1048).
[6] رواه مسلم في الجنة وصفة نعيمها (2858)، عن المستورد بن شداد.
[7] رواه ابن أبي الدنيا في الزهد (203).
[8] من شعر ابن الرومي.
[9] رواه ابن أبي الدنيا في الزهد (18).
[10] من شعر ابن الرُّومي.
[11] إشارة إلى الحديث الذي رواه البخاري في الرهن (2509): " اشترى من يهودي طعاما إلى أجل، ورهنه درعه " عن عائشة.
[12] رواه الترمذي في الدعوات (3502)، وقال: حسن غريب، والنسائي في الكبرى كتاب عمل اليوم والليلة (10234)، عن ابن عمر، وحسنه الألباني في الكلم الطيب (226).
[13] يُنسَبُ إلى الإمام علي.
[14] رواه ابن أبي الدنيا في الزهد (179)، عن سفيان.