كتبه: عبدالله العبدي
أحب أن أذكر في البداية أنني لم أكتب هذه الكلمات دفاعاً عن شخص المنتقَد، ولا هجوماً على الشخص المنتقِد، وإنما إحقاقاً للقضايا مناط النقد.
وأود أن أطرح نقاطي سريعاً على النحو التالي:
أولاً: واضح يا سيدي أن هدفك لم يكن نصح الشيخ وبيان خطأ موقفه تجاه الإمارات، بدليل أنَّك حاولتَ أن تجلبَ مسائل مختلفة ومتنوعة لا يوجد بينها أي رابط سوى أنها تعين على إيجاد خلل في صورة الشيخ. فمثلاً: جئتَ تدافع عن الموقف الإماراتي، فما علاقة المسائل العلمية التي أوردتها؟ ما علاقة مسألة الإلحاد بأصل الموضوع؟ ما علاقة فتواه في قضية مقاومة الأمريكان أو جواز الاستعانة بالكفاربقضية موقفه من الإمارات؟
أنا أتفق معك في بعض المسائل العلمية وأخالف الشيخ القرضاوي، كمسألة الانضمام للجيش الأمريكي وغيرها، لكن هذا لا يمكن أن أورده إلا في سياق علمي، وقد فعلتُ ذلك مراراً مع الشيخ. أما محاولة زج الخلاف السياسي في ثنايات الخلاف العلمي فهو ليس بنظري سوى دسِّ ما ليس في الشيء فيه، بهدف تقويته وجعله يبدو حقاً، وهذا أسلوب لا يليق بأرباب السلوك وسعاةِ الحقيقة.
ثانياً: في قضية حيرتك من تضارب مواقف الشيخ، هي ذات الحيرة التي تنتابني من مواقفك، فمثلا:ً أنتم ترفضون الخروج على ولي الأمر، ولذلك عارضتم الثورات العربية أو بعضها، وعبتم على الشيخ أنه يناصر الخروج على ولي الأمر، فهل بالإمكان أن تفسِّر ذهاب الجيش الإماراتي لأفغانستان مع القوات الكافرة لإسقاط ولي الأمر _الملا عمر_ الذي استتب له الأمر واستقرَّ له الشأن؟
فهل الخروج على ولي الأمر حلالٌ في أفغانستان وحرامٌ في غيرها؟ أم لأن وجود "الجيش الإماراتي" في المسألة يجعل ما أقول قياساً مع الفارق؟
ثالثاً: قلتَ يا سيدي مبرراً اعتقال الأخوة في الإمارات: {عندماجاءتمشكلةالتنظيمالإخوانيفيالإماراتوتمتوقيفعددمنمنسوبيهوتحركعددآخرمنهممُحرضاالدولالغربيةعلىبلادهومستغيثابمنظماتهمومستنصراإعلامهم .. سمعتفضيلتكمتُثنونعليهموتدافعونعنموقفهموتلقّبونهمب(الدعاةوالناشطينالحقوقيين) }
أقول: إذا كانت العلّة المبررة للاعتقال هي استنصار الخارج والتحريض على الحكومة، فلماذا هذه العلة تخلَّفت ولم تعد صالحةً في فتح الإمارات أراضيها وقنواتها وإعلامها وأموالها للمعارضين المصريين الذين يحرِّضون على الحكومة المنتخبة من قِبل الشعب_وليست حكومةً غير منتخبة كالتي تدافع عنها_ ويستنصرون بالخارج الكافر ضد حكومة بلادهم؟ أحمد شفيق الذي جعل الإمارات أرضية للتحريض على الحكومة المصرية المنتخبة هو نفسه الذي طالب أمريكا بقطع المساعدات الاقتصادية للضغط على مرسي!! يريد أن يُعرقل اقتصاد بلد يُعيش فيه ثمانون مليون مسلم فقط لكي يصفِّي خلافاته السياسية، ومع هذا تدعمه الإمارات التي تدافع عنها. وهل تحتاج أن أذكرك بما قاله شفيق؟ فقد قال: أنا في دبي أقوى مني في مصر!!!!!!!!!!
فلماذا حلالٌ على معارضي مصر أن يُحرِّضوا ضد حكومتهم المصرية المنتخبة وحرامٌ على معارضي الإمارات أن يُحرِّضوا ضد حكومتهم غير المنتخبة؟
هذا إذا سلَّمنا أنَّ ما فعله الأخوة في الإمارات هو تحريض وليس مجرد مطالب سياسية لا تخرج عما كفله الدستور الاتحادي الذي أرجو أن تكون قد قرأته.
هذه هي حيرتي في تضارب مواقفك، تماماً كما كانت لك حيرة في تضارب موقف الشيخ القرضاوي. وهذا ما يدعوني لسرقة نداءك الذي ناديت به القرضاوي وتوجيهه إليك، حين قلت:
{ما تعلّمته من أشياخي أن المبادئ لا تتجزأ ..وأن الفتوى لا تُفصّل على مقاس التوجهات السياسية والانتماءات التنظيمية .. فما يُصبح حلالا للتنظيمات الإماراتية لايُمسي حراماعلى المعارضة المصرية!}
هذا النداء يا سيدي الحبيب، خليقٌ بأن يوجَّه إليك وقمينٌ بأن تجيب عليه، فقط عليك أن تبدل بين كلمتي "الإمارتية" و "المصرية"
رابعاً: إني أعيذك يا سيدي أن تخوض في السياسة وأنتَ ليس لك سابقةٌ علمية في هذا المجال، فواضحٌ من خطابك أنك لا تعي طبيعة العمل السياسي، وأنك ولجتَ فيه بالقدر الذي يُسعفك للدفاع عن حكومة الإمارات. فعلى سبيل المثال: ليس هناك إشكال سياسي ولا حتى قانوني في أن يُطالب مواطن في إحدى الدول المنظماتِ الدولية بأن تساعده في تحصيل حقوقه، هل في ذلك نقضٌ لولاء المواطن لدولته الوطنية؟
بالتأكيد لا، وإنما مناشدته للمنظمات الدولية تأتي في سياق معرفته بأن دولته عضو في تلك المنظمات، والعضوية في تلك المنظمات تستلزم حقوقاً وواجبات في حق كل عضو، فالمواطن حينما يتواصل مع المنظمات الدولية يكون ذلك بهدف الضغط على حكومته لتطبيق التزاماتها التي أقرَّت بها من خلال الانضمام لتلك المنظمات.
هذا يا سيدي الحبيب يختلف تماماً تماماً تماماً عن الاستعانة بدولة أخرى أو حتى التواصل مع دولة أخرى بهدف الضغط على حكومته، هذا يُسمَّى خيانة عظمى، وتُعاقب عليه الدول الحديثة بالإعدام أو المؤبد في الدول التي لا تتبنى عقوبة الإعدام.
إذن، لا بد أن نُفرِّق بين أمرين:
- التواصل مع المنظمات الدولية يأتي ضمن إطار الالتزامات التي أقرَّت بها الدولة الوطنية.
- التواصل مع دولة أخرى يُعدُّ خيانةً عظمى تستحق الإعدام أو المؤبد على أقل تقدير.
فأنا باعتباري سعودياً لا يوجد ما يمنعني قانونياً ولا سياسياً من التواصل مع المنظمات الدولية التي تكون فيها المملكة عضواً لكي تضغط على المملكة للوفاء بالتزماتها تجاه شعبها، بخلاف لو تواصلت مع حكومة دولة أخرى فهذا يُعد خيانةً عظمى.
آسف على الاستطراد في هذه المسألة، لكني اكتشفت أن عدم إدراككم لها يستلزم مروراً عليها.
خامساً: أنا لا أتفق مع رؤية الشيخ السياسية التي من شأنها وضع جميع المعارضة المصرية في سلة واحدة، لكن في نفس الوقت لا أظن يخفاك يا سيدي الحبيب أنَّ هناك فارقاً في قياسك المعارضة المصرية على المعارضة السورية واليمنية والليبية وحتى البحرينية؛ لأن المعارضة المصرية تعترض على خيار الشعب، فالشعب هو الذي اختار هذه الحكومة وتالياً من يريد إسقاط الحكومة فهو يريد التعدي على اختيار الشعب. بعكس المعارضات الأخرى، فهي معارضة ضد حكومة لم يخترها الشعب.
فهذا إذن قياس مع الفارق، وودتُ لو أنكم انتبهتم لهذا الفارق، حتى يتبين لكم هشاشة القياس وصوريّته.
سادساً: ذكرتَ قائمةً بالمنجزات الإماراتية في المجال الخيري، وهنا لي ثلاث وقفات سريعة:
الوقفة الأولى: المجال الخيري وحده ليس معياراً نُقيِّم به سلوك الدول، فقد أصبح من العمل الدولي المتعارف عليه، حتى إسرائيل نفسها تقدم المساعدات الخيرية، فقد ذكر أفيخاي أذرعي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أنَّ الجيش يقدم مساعدات لأهالي غزة بين الفينةِ والأخرى.
الوقفة الثانية: سأخبرك ببعض الأعمال الخيرية التي تقوم بها الإمارات، على سبيل المثال: قريب من منطقة آزرو في وسط المغرب بنت الإمارات العربية المتحدة مجمعاً تجارياً يذهب ريعُهُ للإعمال الخيرية، فهل تعلم ماذا يتضمن هذا المجمع؟
يتضمن مراقص وبارات ومحلات خمور!!!
فهل يُجيز مذهبك يا مولانا صنع الخمور وإقامة الدعارة لتحقيق فضيلة الصدقة؟
أربأ بكَ وبحكومتك التي تدافع عنها عن قول الشاعر:
ومطعمةُ الأيتامِ من كدِّ فرجها ،،، لكِ الويلُ لا تزني ولا تتصدقي
الوقفة الثالثة: القائمة التي ذكرتها فيها خلط بين عملٍ وصالح وآخرَ طالح، فأنتَ ذكرت مساعدة الإمارات لأفغانستان، وأنتَ تعلم أن الجيش الإماراتي ذهب ليقاتل الأفغان كما اعترف بذلك عبد الله بن زايد نفسه. فهل الإعانة على قتل المسلمين تعدُّ مساعدات تفخر بها وتباهي بها؟
هذا مثال وقس عليه حتى لا أطيل.
أخيراً: أنت يا شيخ علي من أرباب السلوك، ومن السالكين دروب الحقائق، وقد عهدنا أرباب السلوك تاريخياً بعدهم عن الخوض في الخلافات السياسية وأربابها، أمَا وأنكَ رضيتَ بدخولها، فليتك التزمت المنهج القرآني الذي ذكّرتَ الشيخ به،{يَاأَيُّهَاالَّذِينَآمَنُواْكُونُواْقَوَّامِينَلِلّهِشُهَدَاءبِالْقِسْطِوَلاَيَجْرِمَنَّكُمْشَنَآنُقَوْمٍعَلَىأَلاَّتَعْدِلُواْاعْدِلُواْهُوَأَقْرَبُلِلتَّقْوَىوَاتَّقُواْاللّهَإِنَّاللّهَخَبِيرٌبِمَاتَعْمَلُونَ}
ولم أرَ عدلاً ينصف القضية التي تتدافع عنها، وكيف أرى عدلاًوأنتَ تخصِّص عند استحقاق العموم، وتعمِّم عند استحقاق التخصيص، حتى تنجو من استحقاق كلٍّ منهما في موضعه.