|
البروفيسور أليف الدين الترابي*
قد فجئنا وفجئ العالم بخبر القرار الأمريكي الجائر يقضي بادراج مؤسسة القدس الدولية على لائحة المنظمات الإرهابية، وذلك مع أن مؤسسة القدس الدولية هي مؤسسة مدنية ودائرة نشاطاتها محدودة إلى النشاطات المدنية والاجتماعية والخيرية، وتقوم هذه المؤسسة بأعمال الخيرية لانقاذ سكان مدينة القدس من الويلات التي يعيشونها نتيجة للاحتلال الصهيوني، وليست لها أية علاقة بالنشاطات السياسية والعسكرية.
قد أنشئت مؤسسة القدس الدولية في 30 يناير عام2001م تحت رئاسة فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله تعالى. فيقول الدستور الأساسي لمؤسة القدس الدولية بأن نشاطاتها محدودة إلى ميادين العمل الاجتماعي والتعليمي والثقافي والعلمي والإعلامي والصحي والقانوني والخدماتي والاسكاني والاقتصادي. فوفقا لذلك تقوم المؤسسة بكفالة الآلاف من العائلات الفقيرة في مدينة القدس الشريف، كما تقوم بكفالة الآلاف من الأيتام والطلاب الفقراء في فلسطين المحتلة. وعلاوة على ذلك هناك العديد من النشاطات الإغاثية للمؤسسة في سكان مدينة القدس الشريف.
من هنا فإن القرار الأمريكي لإدراج مؤسسة القدس الدولية على لائحة المنظمات الإرهابية لا يكون على أي أساس قانوني أو خلقي بل هو في الحقيقة يعتبر خطوة جديدة للحرب الصليبية التي قد أعلن عنها الرئيس الأمريكي السابق "جورج بش" تحت شعار مكافحة الإرهاب حيث قد جعل احداث 11 سبتمبر 2001 مبررا لها.
قد قال الرئيس الأمريكي السابق "بش" في إعلانه في ذلك الوقت بأن الحرب تحت شعار مكافحة الإرهاب هي حرب صليبية شاملة، تشمل كآفة المجالات، وقد تستمر للسنوات ودائرتها قد تمتد من بلد إلى آخر. من أجل ذلك نحن نرى الرئيس "جورج بش" يقوم بإعلان حركة "حماس" كمنظمة ارهابية مع أن هذه المنظمة لم تكن لها أية علاقة مع أحداث 11 سبتمبر 2001 هكذا قد تبين من ذلك الإعلان للرئيس "جورج بش" بأن الهدف الأساسي والرئيس من هذه الحرب تحت شعار مكافحة الإرهاب لم يكن إلا تحقيق الأهداف الصهيونية بأسلوب أو آخر. والإعلان الجديد لإدراج مؤسسة القدس الدولية على لائحة المنظمات الإرهابية يؤكد بأن الهدف الأساسي لهذه الحرب لايزال تحقيق الأهداف الصهيونية.
هذا من ناحية، ومن الناحية الثانية، هذا الإعلان يدل على سياسة أزدواجية الموازين الأمريكية تجاه الإسلام والمسلمين، نحن نرى بأن قوات الاحتلال الصهيوني في فلسطين لا تزال تواصل قتل المسلمين الفلسطينيين وسفك دماءهم و هتك اعراضهم، لا لذنب إلا لكونهم مسلمين ولمطالبتهم لتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، ولكن رغم ذلك فإن الحكومة الأمريكية لم تصدر أي إعلان لإدراج الكيان الصهيوني على لائحة المنظمات الإرهابية بل تعتبرها حليفة استراتيجية لها. والنموذج الحي لذلك هو موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الإرهاب الحكومي الإسرائيلي الجديد ضد غزة.
وهكذا في كشمير المحتلة نحن نرى قوات الاحتلال الهندوسي تواصل قتل المسلمين الكشميريين وسفك دماءهم وهتك اعراضهم، لا لذنب إلا لكونهم مسلمين ومطالبتهم لإجراء الاستفتاء لتقرير مصيرهم وفقا للقرارات الدولية، ولكن رغم ذلك فإن الحكومة الأمريكية لا تعتبر الهند دولة إرهابية بل تعتبرها دولة صديقة وحليفة استراتيجية لها.
وجدير بالذكر فإن الهدف الأساسي للحكومة الأمريكية من أصدار هذا القرار الجائر هو تشجيع الكيان الصهيوني في مواصلة المخططات الصهيونية لتهويد القدس الشريف ببناء الهيكل السليماني مكان المسجد الأقصى الشريف، والقضاء على كافة المعالم الإسلامية والعربية. من أجل ذلك فإن قضية القدس ليست قضية خاصة بإخواننا المقدسيين أو إخواننا الفلسطينيين فحسب، بل هي تخص كل مسلم على وجه المعمورة لأنها قضية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
من هنا فإن هذا القرار الجائر مؤثراته لن تكون محدودة إلى إخواننا في القدس الشريف بل ستشمل كافة الأمة الإسلامية، حكومات وشعوبا، من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها. من هنا قد حان الوقت بأن كافة العالم الإسلامي، حكومات وشعوبا، يقوم بما يلزم لوضع الحد لهذه الخطوة الجائرة. وإنني على اليقين بأن إذا قررت كافة الأمة الإسلامية، حكومات وشعوبا بما يلزم لوضع الحد لهذه الخطوة الجائرة للحرب الصليبية الأمريكية لتحقيق الأهداف الصهيونية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستضطر إلى سحب هذا القرار الجائر. وذلك لأن عدد المسلمين على وجه المعمورة يصل إلى مليار ونصف مليار، وهناك ثمانية وخميس دولة للمسلمين تقع في منطقة إستراتيجية ذات أهمية كبرى، فلا يمكن لأي دولة على وجه المعمورة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية أن تواصل الحرب ضد هذه الأمة الكبرى التي تقوم على عقيدة التوحيد وتتكون من مليار و نصف مليار نسمة. ولكن هذا الأمر يتطلب إلى اختيار الإستراتيجية الخاصة وفيما يلي نحن نذكر بعض الإقتراحات لإختيار هذه الإستراتيجية:
اولاً: إن هذا القرار الجائر لإدراج مؤسسة القدس الدولية على لائحة المنظمات الإرهابية لا يقوم على أي أساس قانوني أو خلقي وذلك لأن مؤسسة القدس الدولية هي مؤسسة خيرية وليست لها أية علاقة مع النشاطات العسكرية أو الإرهابية. من أجل ذلك ينبغي للإخوة المؤسسين للمؤسسة يقوموا بالمبادرة لرفع هذه القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ثانياً: كما ذكرنا إن هذا القرار يعتبر نموذجاً حياً لسياسة أزدواجية الموازين الأمريكية تجاه الإسلام والقضايا الإسلامية. من أجل ذلك ينبغي لمنظمة التعاون الإسلامي أن تقوم بالمبادرة لعقد الجلسة الإستثنائية لها لإعداد الإستراتيجية لمواجهة السياسة الأزدواجية الموازين الأمريكية تجاه الإسلام والقضايا الإسلامية.
ثالثاً: كما لا يخفى على أحد بأن عدد المسلمين على وجه المعمورة يزيد على مليار ونصف مليار نسمة، وهناك 58 دولة للمسلمين تقع في منطقة ذات اهمية استراتيجية كبرى. ولكن رغم ذلك فإن المسلمين ليس لهم أي دور في الشئون العالمية وذلك لتشتتهم. فهناك حاجة ماسة لتوحيد كلمة المسلمين، من هنا ينبغي لمنظمة التعاون الإسلامي أن تقوم بالمبادرة للقيام لتوحيد العالم الإسلامي وذلك بالقيام بما يلزم لإنشاء اتحاد الدول الإسلامية على منوال اتحاد الدول الأروبية وتقوم بالإجرءات لاختيار العملة الإسلامية الموحدة وإنشاء السوق الإسلامية المشتركة وتشكيل البرلمان الإسلامي المشترك وتشكيل الجيش الإسلامي المشترك.
رابعاً: كما ينبغي لمنظمة التعاون الإسلامي أن تقوم باختيار الإستراتيجة الشاملة للحصول على العضوية الدائمة لمجلس الأمن الدولي وحق الفيتو فيه للعالم الإسلامي وذلك لوضع الحد لسياسة ازدواجية الموازين للدول الغربية تجاه الدول الإسلامية والقضايا الإسلامية.
خامساً: وكما لا يخفى على أحد بأن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأخرى مع الدول الإسلامية لا تقوم على مبادئ الاحترام المتبادل والمساواة. فلا بد من الاهتمام بما يلزم لاختيار الإستراتيجية لإقامة العلاقات مع الدول الأخرى على مبادئ الاحترام المتبادل والمساواة.
نحن على يقين بأن إذا قررت الأمة الإسلامية اتخاذ هذه الإستراتيجية فإنها ستتمكن من مواجهة الحرب الصليبية الأمريكية بعون الله سبحانه وتعالى وتوفيقه.
ــــــــ
* نائب أمير الجماعة الإسلامية بولاية جامووكشمير الحرة وعضو الجمعية العمومية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.