د. يوسف القرضاوي
إن الصحوة بفضل الله قادرة على أن تصحح خطأها وتنفي خبثها، وثقتي كبيرة أن تيار الوسطية الذي يعمل في دأب وصبر، في توازن واعتدال، وبوعي وتخطيط، ستكون له الغلبة، والهيمنة على كل التيارات الأخرى المخوفة.
وقد لمست بنفسي شيئا من ذلك أوائل السبعينات، مع شباب الجماعات الإسلامية في الجامعات المصرية، فقد كان الخط السائد هو خط التشدد والتشنج والحرفية، ولكن بعد لقاء الشباب بالدعاة المعروفين من أهل العلم والورع والاعتدال، غلبت الوسطية على التطرف، وغدا هذا التيار هو الغالب إلى اليوم.
والخلاصة أن تيار الصحوة الإسلامية، هو تيار الغد المرجو، والمستقبل المأمول، وخصوصا أن عموده الفقري هم الشباب، وهم ذخيرة الغد.
ورغم مخاوفنا على الصحوة فإن آمالنا فيها أقوى، وتيار الوسطية فيها هو الغالب السائد، وهو المرتجى المأمول، وكل المراقبين مجمعون على قدرة هذا التيار على تغيير الإنسان من داخله، وإنشائه خلقا جديدا، يقوم على الطهارة والبذل والعطاء، لا على النفعية، أو العبث، أو التهريج، أو اتباع الشهوات، والسير في مواكب النفاق.
اكتفي هنا بشهادة (د. سعد الدين إبراهيم) رغم تشدده في نقد التيار الإسلامي الأصولي ـ ممثلا في الإخوان المسلمين ـ وموقفه من المسألة الاجتماعية، فهو لم يسعه إلا أن يعترف بقدرة هذا التيار ـ وحده ـ على تعبئة الأمة، وتجنيد طاقاتها من أجل أهدافها الكبرى، حيث يؤكد في خواتيم دراسته في ندوة (التراث وتحديات العصر) وفي مقام تذكير الماركسيين بأهمية التراث، وخطر تجاهل الدين، وتأصل الإسلام في أعماق الأغلبية العظمى، وقوته التعبوية: "أن المشروع الأصولي قادر دائما على استنفار المؤمنين للجهاد والاستشهاد، بأقوى مما تستطيع أي رؤية وضعية، وأن تلك الحقيقة هي التي تفسر إسقاط نظام الشاه، واغتيال السادات وإخراج القوات الأمريكية من لبنان، وهي أمور تمناها الماركسيون العرب وغيرهم من القوى الوطنية العربية، ولكن الأصوليين هم الذين حققوها".
إن التيار الإسلامي الأصولي الوسطي ـ بحسن فهمه للإسلام، وحسن فهمه للحياة وسنن الله فيها، وحسن فهمه لهموم وطننا العربي والإسلامي الكبير، وعمق نظرته إليها، وحسن عمله بالإسلام وحين دعوته إليه في شموله وتوازنه وسعة آفاقه، وجهاده الدؤوب لتمكين أحكام الإسلام وتعاليمه في أرضه، وتغيير الواقع المنحرف عن الإسلام، أو المعادي له إلى واقع إسلامي صحيح، هذا التيار هو تيار المستقبل، وسفينة النجاة لهذه الأمة.
وهو بتأييد الله تعالى، ويفضل هذه الصحوة الفتية المباركة، قادر أن يصل بوطننا وأمتنا الكبرى إلى بر الأمان (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله).
ــــــــ
- عن كتاب "الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي" لفضيلة الشيخ.