|
طه خليفة
لا يحتاج الشيخ يوسف القرضاوى إلى رد اعتبار من الأهرام بسبب مقال عصبى سطحى من رئيس تحريره، لا أدرى كيف كتبه، ولا كيف كانت حالته المزاجية وهو يكتبه، وألم يتدرب على الكتابة التى تليق باسم الأهرام الذى يحتفل هذه الأيام بمرور 137 سنة على صدوره؟
الشيخ قامته سامقة، وقيمته محفوظة، وعلمه ووسطيته واعتداله لا يمكن أن ينال منهم مقال طائش فى الأهرام، ولا فيما هو أكبر من الأهرام. بالعكس الأهرام هو الذى يحتاج لرد اعتبار بأثر رجعى لاسمه وتاريخه من التخبط الذى يعيش فيه، وحتى بعد ثورة 25 يناير لم ينصلح الحال، حيث ازداد التخبط من بؤس بعض قياداته ومنهم صاحبنا الذى يريد أن يخرس ألسنة رموز وطنية كبيرة ومحترمة مثل القرضاوى والدكتور محمد البرادعى ليظل لسانه هو الذى يتكلم بسقط الكلام وتوافه العبارات.
للأسف قرأت المقال المسيء للرمزين الكبيرين، والمقال لم ينل منهما بل نال من كاتبه الذى يحتاج لمن ينبهه بأنه يجلس على الكرسى الذى جلس عليه يومًا الأستاذ هيكل وآخرون كبار فى الرؤية والفكر والموضوعية والعمق والتحليل وأدب الاختلاف والخلق الرفيع فى النقد حتى لو كان حادًا، فلا يليق بصاحبنا أن يحط من قيمة هذا الكرسى بذلك الذى يكتبه، فمثل هذا الكلام يمكن أن يسطره كاتب هاوٍ، أو صحفى حديث عهد بالمهنة، وليس رئيس تحرير للأهرام.
والمدهش أنه فى اليوم الذى يطالب فيه القرضاوى والبرادعى بالخرس - وهما لهما التأثير الذى يفوق تأثير الأهرام - فإن خطبة الشيخ فى الجامع الأزهر كانت تحظى بإشادة وتقدير عاليين من المصريين مسلمين ومسيحيين، ومن الرموز والقوى السياسية على مختلف توجهاتها لأن واحدًا من أكبر علماء الأمة الإسلامية وأكثرهم مصداقية وثقة ووسطية يلقى خطبة هدفها لم الشمل وإزالة الخلافات بين الفرقاء والتأكيد على اللحمة الوطنية فى مصر، كما ترد الخطبة الاعتبار لتيارات فكرية تتهم ظلمًا وجهلاً بالمروق من الإسلام وتواجه اتهامات غبية بالتكفير، وقيمة مثل هذا الخطاب أنه يصدر من العلامة القرضاوى الذى له مكانة بارزة عند تيارات الإسلام السياسى ومنها من يرفع اتهامات التكفير بحق ليبراليين وعلمانيين، وعندما يتم دحض تلك المزاعم من القرضاوى، فإن كلامه يكون له وزن وأهمية وليس بعد قوله قول، وبدل أن يشكر رئيس التحرير القرضاوى على مبادراته المقدرة وخطاباته التصالحية الموحدة فإنه يطالبه بالخرس! فهل هو الجهل؟ أم فقدان الحس السياسي وغياب الرؤية الصائبة واللغة الرزينة الرصينة؟
الخطير أيضًا فيما كتبه صاحبنا هو الاستخلاص المدهش الذى توصل إليه من دون العالم وهو اعتباره ما يحدث فى سوريا انتفاضة طائفية وليس ثورة شعبية. هذا الكاتب يبدو أنه لا يدرى ما يدور حوله، أو لا يقرأ ما ينشر حتى فى جريدته ،أو لا علاقة له بالشأن السياسى، فالعالم كله - باستثناء عدة طغاة على شاكلة الأسد - يعترف بالثورة السورية ويدعمها سياسيًا، والجمعية العمومية للأمم المتحدة صوتت مرتين بأغلبية كاسحة ضد مجازر الأسد ولصالح الثورة، والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامى والاتحاد الأوروبى ومؤتمرات أصدقاء الشعب السورى وكل المحافل الإقليمية والدولية تؤيد الثورة وتدين المذابح اليومية البشعة وتطالب الأسد بالرحيل، وهناك مائة دولة تعترف اليوم رسميًا بائتلاف الثورة والمعارضة كممثل شرعى للشعب السورى ومنها الدول الكبرى، والائتلاف يضم سنة، ومسيحيين، وأكردًا، وعلويين، وتركمانًا وغيرهم من مكونات الشعب السوري، والرؤساء الثلاثة الذين تعاقبوا على رئاسة المجلس الوطنى السورى هم بالترتيب: برهان غليون "علوي"، وعبد الباسط سيدا "كردي"، وحاليًا جورج صبرا "مسيحي"، وهناك 76 من المسيحيين ضحايا مجازر الأسد، وهناك أكراد وعلويون من بين أكثر من 40 ألف ضحية سورية، فأين هى الطائفية فى أعظم ثورات الربيع العربى الذى يقمعها سفاح دمشق بالقوة منذ اليوم الأول لها؟! وهى اليوم عندما تستخدم البندقية فللدفاع عن نفسها وعن المدنيين الذين يتم إبادتهم رغم فارق التسليح المتواضع للجيش الحر وبين الترسانة العسكرية للأسد التى تضخ فيها روسيا وإيران وحزب الله السلاح وكل أشكال الدعم حتى لا يسقط حليفهم، لكنه لا محالة ساقط أمام الإصرار الرائع للشعب السورى على إزالته.
كيف إذن يسقط رئيس تحرير الأهرام هذه السقطة التى تناقض الموقف الشعبى والرسمى المصري، وتناقض زيارة وزير الخارجية لروسيا فى نفس يوم نشر المقال، حيث أكد فى موسكو الحليف الأكبر للأسد أن التغيير قادم لا محالة فى سوريا، فهل كبير الدبلوماسية المصرية يدعم الطائفية؟ أم يدعم ثورة شعبية حقيقية؟ وفى نفس يوم صدور المقال كان هناك خطاب لرئيس الجمهورية جدد فيه وبأقوى العبارات دعمه للثورة السورية وبأنه لا مكان للأسد فى سوريا المستقبل. الحقيقة أن هذا المقال غير الموفق لا يليق بمصر الثورة، ولا بالأهرام، ويصدم الضمير الإنساني، والمؤسف أن يصدر من رئيس تحرير بعد ثورة مصرية مجيدة كانت السبب فى أن يجلس على كرسى أعرق صحيفة مصرية.
أما الدكتور محمد البرادعى الذى يطالب بإخراسه أيضًا فهو واحد من رموز التغيير، وملهمى ثورة 25 يناير، ومهما كان الخلاف مع بعض أفكاره ودعواته إلا أنه يبقى للرجل دوره وقيمته وتاريخه وتأثيره فى أنصاره وهم كثيرون، ووجوده على الساحة ضرورة لا غنى عنها، كما تبقى له مكانته العالمية الرفيعة واسمه وتاريخه فى المنظمات الدولية وعلى رأسها وكالة الطاقة الذرية، وفخر لمصر أن يكون هو من بين أبنائها النابهين الحاصلين على جائزة نوبل.
تقديرى الشخصى للقرضاوى والبرادعي، ولا أسكت الله لهما صوتا.
ــــــــ
- عن صحيفة المصريون.