وليد أبو النجا
فوجئنا بما كتبه رئيس تحرير الأهرام يوم السبت، والذي أساء فيه لشخص العالم الأزهري الدكتور يوسف القرضاوي، عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، كما أساء فيه للجريدة التي يشغل رئاسة تحريرها، وليت الكاتب ناقش مضمون خطبة الشيخ، والتي دعا فيها إلى الإخاء والوحدة والمواطنة الكاملة للمسلم والمسيحي، والعمل والبناء الذي تحتاجه مصر. والتي كانت محل ثناء كثير من السياسيين، أو ليت ناقشه في كل ما صدر عنه أو يصدر من خطب وتصريحات، أو ليته كتب مقالا يعبر فيه عن ضيقه بشخص الشيخ، بأسلوب راق، يترفع فيه عن الإساءات، لكن يبدو أن قلم الكاتب لم يسعفه للارتقاء إلى هذا المستوى.
وبداية أؤكد على حرية الرأي والتعبير، ودور الصحافة المهم في دعم مسيرة الوطن، وفي إطار هذه الحرية تأتي أهمية الرد على مقالة رئيس التحرير، والتي عبرت عن موقف شخصي من الشيخ القرضاوي، أكثر من تضمنها للنقد العلمي والرد المنهجي.
وقد جمع الكاتب بين البرادعي والقرضاوي من غير رابط بينهما، وتحدث دون بينة أو دليل، ولم يحترم مكانة الشيخ كواحد من أبرز علماء المسلمين، ولا شخصه ولا سنه، وقد يفهم في ظل الحرية التي صارت تنعم بها مصر، أن يصدر هذا من آحاد من الناس، لا من رجل يشغل منصبا رفيعا في الإعلام الرسمي.
وأحب أن أذكر الكاتب أن مصر للمصريين جميعا، سواء المقيمين على أرضها، أو الذين طال بهم المقام في بلاد العالم المختلفة، مصر للنساء والرجال، للشباب والكهول، مصر لكل أهلها صغارا أو كبارا، ولا يحق لأحد أن يحتكر الحديث باسم مصر، أو يمنع أحدا من أبنائها من الاهتمام بشأنها، أو الحديث عنها، أم إن هناك سنا قانونيا يحظر بعده المشاركة في الشأن العام؟ بل أزيد الكاتب بيانا، أن الاهتمام بمصر لا يقتصر على المصريين وحدهم، بل كل عربي وكل مسلم يتابع ما يحدث في مصر، ويهتم بشؤونها ربما أكثر من اهتمامه بشأن بلده الداخلي، ويرجو لها أن تصل إلى بر الأمان. وذلك لأن مصر إذا قامت قام العرب، وقد صدق شاعر النيل حافظ إبراهيم وهو يقول على لسان مصر:
أنا إن قدر الإله مماتي ** لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
والشيخ القرضاوي لم يسقط مصر من حسابه يوما، بل كانت دائما محط اهتمامه، وليرجع الكاتب إلى أرشيف الصحف ليقرأ تصريحاته عن سوء إدارة البلاد في عهد النظام السابق، والمحاكمات الاستثنائية، وعن تزوير الانتخابات المتتالية، وعن التعديلات الدستورية المعيبة، وعن معارضة التوريث، إن كانت ذاكرته لا تساعده لتذكر مثل هذه التصريحات.
والشيخ لم يقفز على مشهد الثورة المصرية، وإنما ساندها من أول يوم، حتى قبل أن يتبين إن كانت ثورة، أو مجرد مظاهرات، فقد أدلى بتصريحات لجريدة الشروق المصرية يوم الخميس لتنشر صبيحة جمعة الغضب، وكان وقتها في مصر في ضيافة الأزهر، وأصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تحت رئاسة الشيخ بيانا شديد اللهجة، يؤكد على حق الشعب المصري في التغيير، وضرورة رحيل نظام حسني مبارك. وحين خاطبه البعض، بضرورة تخفيف لغة البيان، لأنه لا يُعلم إلى أين تصير الأمور، وأن هذا قد يمنعه من النزول إلى مصر نهائيا لو استمر النظام، وأن أمريكا بجلالة قدرها توازن في موقفها من المعارضة، وموقفها من الحكومة: فرد الشيخ: نحن لسنا أمريكا، ويجب أن أساند الحق، حتى لو منعتُ من دخول مصر نهائيا.
وليعلم كاتب المقال أن الشيخ لا يشغل موقعا رسميا في دولة قطر منذ عقود، والمواقع التي شغلها ليست مواقع سياسية، وإنما مواقع علمية، كعمادة كلية الشريعة، ورئاسة مركز بحوث السنة والسيرة، وأنه يتخذ موقفه بما يمليه عليه دينه وضميره والعلم الذي أكرمه الله به، سواء اختلف هذا أو اتفق مع موقف قطر.
ومصر بعد الثورة لن تدار إلا لمصلحة أهلها، لا لمصلحة الشرق أو الغرب، لا لمصلحة أمريكا ولا قطر، ولا أي بلد من البلدان كائنا ما كان، شاء من شاء وأبى من أبى، ومصر لن تتخذ من المواقف إلا ما تمليه عليها مبادئها وإمكاناتها ومصلحة شعبها، وإذا كان الكاتب يرى الثورة السورية ثورة طائفية واضحة، وليست ثورة شعبية، فلا فائدة من الكلام معه في هذا الشأن، ولنترك للأيام أن تصحح له:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا * * * ويأتيك بالأخبار ما لم تزود
وليس عجيبا أن يقف الكاتب هذا الموقف من ثورة سوريا، إذا راجعنا مواقفه من الثورة المصرية نفسها، فالشيء من معدنه لا يستغرب.
وبالنسبة للمظاهرات التي خرجت لنصرة الشعب السوري، فليس مقصودا منها إجبار الدولة المصرية على شيء هي غير مستعدة له في الوقت الحالي، وإنما هو تعبير شعبي عن التعاطف الإنساني من الشعب المصري، وقد خرجت مثل هذه المظاهرات في عواصم بلدان العالم الحر، وهذا ما يجب أن يعتاد عليها الكاتب في مصر بعد الثورة، وهي أن باستطاعة أي مجموعة من الشعب المصري أن تعبر عن رأيها في أي قضية من قضايا العالم، وذلك بالطبع في إطار احترام الدستور والقانون.
والشيخ لا يبحث عن زعامة واهية كما يقول الكاتب، ولا يزايد بمصر ولا عليها، ولا يحرض مصر، ولا يحرض عليها، ويحترم ويدعم اختيار الشعب المصري أيا كان، ويدعو إلى الحوار والاستقرار والبناء، ليجد الشعب الذي يكدح رغيف الخبز، ويشبع الأطفال الذين يتضورون جوعا.
وقد كنت أربأ بالمكانة التي يشغلها الكاتب (رئيس تحرير الأهرام)، إن لم يربأ بشخصه، أن يتورط فيما تورط فيه من إسفاف وسباب وإساءة، بذكر مرض الزهايمر والهلاوس، فهذا غير مقبول بمنطق الدين الذي قال رسوله: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويعرف لعالمنا حقه". وغير مقبول بمنطق الحرية، الذي يعد مثل هذا الكلام تمييزا ضد قطاع من المجتمع، وهم كبار السن.
وقد نما إلى علمي ما يثير في النفس العجب، وهو أن رئيس التحرير قد طلب إجراء حوار صحفي مع الشيخ في الزيارة قبل الأخيرة، فاعتذر، فإذا برئيس التحرير يكتب ما كتب، وكأنه يقول: إما أن تجري معي حوارا، وإلا فسأسلط عليك قلمي، وأجلب عليك بخيلي ورجلي!!
ولست حزينا على صدور مثل هذا المقال من كاتبه، فقد قال الأقدمون: المرء مخبوء تحت لسانه، فإذا تكلم ظهر. وقد عرفنا الكاتب بنفسه بما لا مزيد عليه.
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
ــــــــ
- عن صحيفة المصريون.