مفتاح سحنون
"امنعوا الرجل الشرير" "امنعوه .. واعظ الكراهية يجب أن يبقى خارج بريطانيا".. هكذا وصفت صحيفتا "ديلي إكسبرس" و "الصن " البريطانيتان فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي ذات يوم من سنة 2005 استباقا لزيارته بريطانيا بناء على دعوة لحضور مؤتمر في مدينة مانشيستر ...
" مفتي الناتو" "شيخ الفتنة" "عرّاب الفتنة" هي عناوين تخرج بها صحف عربية ووطنية يوميا تقريبا منذ بداية الثورات العربية لتحمل مؤشرا بارزا على عملية مبرمجة وممنهجة للتطاول على الشيخ يوسف القرضاوي.
عزاء القرضاوي أن من كان يقف وراء الحملة الإعلامية في بريطانيا سنة 2005 هو اللوبي الصهيوني، فلم يغفر له الصهاينة تصريحاته قبل عام من ذلك لبرنامج "نيوزنايت" في تلفزيون BBC ، وقال وقتها عن العمليات الاستشهادية في فلسطين المحتلة :"إنها ليست انتحارا وإنما شهادة في سبيل الله… ولا مشكلة إذا كانت النساء والأطفال ضحايا للهجمات.. الإسرائيليات لسن كالنساء في مجتمعاتنا لأنهن مجندات عسكريات".
عزاء القرضاوي حينها أن من قاد الحملة الإعلامية ضده هي النائبة العمالية اليهودية الصهيونية لويز ايلمان، وأن زيارته كانت محل رفض جمعيات الدفاع عن مثليي الجنس وما شابهها ..!
الجدير بالذكر أيضا أن القرضاوي كان قد منع قبل عام من ذلك(سنة 2004) من دخول الولايات المتحدة الأمريكية ومُنع في بداية السنة الحالية من السفر إلى فرنسا للمشاركة في الملتقى السنوي التاسع والعشرين الذي نظمه اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا شهر أفريل الفائت، ومن كان يقف وراء ذلك الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي شخصيا صاحب الهوى الصهيوني والمزاج الإسرائيلي اللافت وبرر ذلك قائلا : "..إن خطبه لا تتلاءم والُمثل الجمهورية".
الآن صار القرضاوي مفتيا للناتو وشيخا للفتنة وعميلا للأمريكان والصهاينة...؟؟ وهو الذي دفع ضريبة عدائه للصهيونية والهيمنة الأمريكية أكثر من مرة ...تاريخ القرضاوي معروف وما ناله في سبيل نصرة قضايا أمته اكبر دليل على زيف وبطلان ما يُرمى به اليوم من اتهامات كاذبة، صولات وجولات الشيخ القرضاوي في مجال الدعوة بلسانه وبقلمه من على منابر المساجد وصفحات الكتب والجرائد من اجل استنهاض الهمم واستثارة العزائم ونصرة قضايا الأمة تتحدث عنه وتكشف حقيقة الرجل بعيدا عن أي تحامل أو تشويه.
إذا كان القرضاوي دفع ضريبة عدائه للصهاينة و دفاعه عن القضية الفلسطينية وعن الفصائل المقاومة هو الآن يدفع ضريبة عدائه للدكتاتوريات ودفاعه عن حقوق الشعوب العربية في الحرية والانعتاق.
إذا كان عزاء القرضاوي في السابق هو وجود خُدام الصهاينة و جلاوزة الهيمنة الأمريكية على رأس حربة مناوئيه فإن عزائه اليوم أيضا هو أن يجد لاعقي أحذية المستبدين وزبانية الدكتاتوريين ممن عرفوا بالأكل على جميع الموائد و أدمنوا الحضور في جميع الولائم من بائعي ضمائرهم في سوق النخاسة الإعلامية في طابور طويل ينتظرون عطاء السلطان مقابل الخدمة الرخيصة والمهمة القذرة...
يكفي القرضاوي فخرا بأن يلتفت إلى محبيه فيجدهم إما شعوبا تحررت من ربقة الاستبداد أو من التي تنتظر و ترنو إلى ذلك... ويستدير خلفه فيجد قائمة شاتميه تضم الحشاشين وخريجي السجون ومرتادي المواخير والعلب الليلية ومن الفشلة في كل شيء ..حتى في كتابة مقالة محترمة ... !
لم يبقى إلا أمثال هؤلاء ليعلموه ماذا يقول وكيف يفتي ومتى يتكلم ، إذا تكلم القرضاوي قالوا لما لا يصمت وإذا صمت يقولون لما لم يتكلم..؟! إذا حرم لما لم يحلل وإذا حلل لما لا يحرم ..؟! ، إذا امتدح فلان لما لم يمتدح علان وإذا انتقد زيد لما لم ينتقد عمر ...؟! اعتراض وانتقاد ليته كان بطريقة مهذبه بل معظمه بشتائم ساقطة وكلمات نابية وطريقة فجة لا تعبر في نهاية الأمر إلا عن سقوط أصحابها وسفالتهم : القرضاوي قرضه الله كما يقول عنه السلفيون ... وألف احدهم رسالة سماها " الردّ على الكلب العاوي يوسف القرضاوي"... !! وتهكموا على كتابه الشهير "الحلال والحرام" وسموّه "الحلال والحلال" .. نعتته جريدة روز اليوسف المصرية بمفتي الجنس على خلفية فتواه في مسألة جنسية في برنامج الشريعة والحياة ولعل تسميات " شيخ الناتو" و"شيخ الفتنة " و"يوسف قرضاي" هي آخر الصيحات في عالم موضة العصر وهي "شتم القرضاوي" ...قاموس شتائم مفتوح يستعمله المنحطون و الرويبضة في معارضتهم والتعبير عن مواقفهم ...
منتقدو الشيخ القرضاوي كما رأينا متنوعون من سلفية متشددين أومن التغريبين المتحللين وبينهما فئة مرجفة تدعي العقلانية والوسطية من النخب وأصحاب الفكر الحر المستنير، كلٌ له في نفسه حاجة من وراء شتم القرضاوي ، فمن أراد الشهرة انتقد القرضاوي، ومن أراد ممالأة حاكم مستبد فيكون شتم القرضاوي جسرا لذلك، ومن أزعجه المشروع الإسلامي استلم القرضاوي وجعله شغله الشاغل، ومن لم يجد ما يكتبه وخشي على نفسه البطالة تسلى بالقرضاوي زمنا: القرضاوي دخل ..القرضاوي خرج... القرضاوي سافر .. القرضاوي طلق جزائرية.. القرضاوي تزوج مغربية... هكذا إلى أن تستجد قضية أخرى يأكل بها خبزا.
ربما تكون بعض فتاوى القرضاوي محل جدل ونتيجة لذلك اختلف الكثيرون معه في بعض المواقف ولا احد يزعم بأن القرضاوي عالم لا يجب انتقاده ولا أن كل ما يصدر منه يجب التسليم به وعدم النظر فيه، بل كل قول يؤخذ منه ويرد إلا الرسول عليه الصلاة والسلام كما قال الامام مالك، وكما قال الإمام الشافعي: إذا خالف رأيي قول الرسول صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط...ولكن من الذي ينتقد وكيف؟؟
هل ينتقد القرضاوي من لا حظ له في العلم الشرعي ومن من لا فهم له في السياسة ولا دراية له بفقه الأولويات والموازنات والمصالح المرسلة، وهل ينتقد القرضاوي من برع في تلميع أحذية الحكام ودرج على تموينهم بالفتاوى المعلبة والمقالات المخيطة التي تبرر استبدادهم وتؤيدهم في طغيانهم وقهرهم لشعوبهم؟؟ وما محل الألفاظ النابية والكلمات السوقية والأسلوب الفج في حق عالم جليل من أدبيات الحوار والمناقشة والاعتراض وإبداء الرأي...؟؟
ــــــــ
- عن موقع الوطن 8/10/2012