د. يوسف القرضاوي
أحب أن أبين أمرين مهمين:
أولهما: أن الجانب التشريعي أو القانوني ليس هو كل الإسلام ولا جله، كما يتصور بعض الناس أو يصورون، فالإسلام عقيدة تلائم الفطرة، وعبادة تغذي الروح، وخلق تزكو به النفس، وأدب تجمل به الحياة، وعمل ينفع الناس، ويمكث في الأرض ودعوة لهداية العالم إلى الله، وجهاد في سبيل الحق والخير، وتواص بالصبر والمرحمة. كما أنه ـ في الوقت نفسه ـ تشريع يضبط سير الحياة، وينظم علاقة الإنسان بربه، وعلاقته بأسرته، وعلاقته بمجتمعه، وعلاقته بدولته، وعلاقة دولته به، وعلاقتها بالدول الأخرى مسالمة ومحاربة.
إن الإسلام توجيه وتربية وتكوين للفرد الصالح، وللمجتمع الصالح، قبل أن يكون قانونا وتشريعا.
والأمر الثاني: أن الحدود والقصاص والعقوبات جزء محدود في التشريع الإسلامي الواسع، وآيات الحدود والقصاص في القرآن لا تتجاوز عشر آيات من نحو ستة آلاف آية أو تزيد، كما هو معلوم.
ثم إن العقاب للمنحرفين من الناس، وهؤلاء ليسوا هم الأكثرين، وليسوا هم القاعدة، بل هم الشواذ عن القاعدة.
والإسلام لم يجئ لعلاج المنحرفين أساسا، بل لتوجيه الأسوياء ووقايتهم أن ينحرفوا.
والعقوبة ليست هي العامل الأكبر في معالجة الجريمة في نظر الإسلام، بل الوقاية منها بمنع أسبابها هو العامل الأكبر، فالوقاية دائما خير من العلاج.
ــــــــ
- عن كتاب "مدخل لمعرفة الإسلام" لفضيلة الشيخ.