ياسر الزعاترة
لم يجد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بداً من الانتصار المعنوي لرئيسه الشيخ القرضاوي إثر الهجمة التي تعرض لها من دوائر إيرانية وشيعية على خلفية تصريحات له حول نشر التشيع في عدد من الدول العربية ، لكن ذلك لم يدفع الاتحاد إلى تصعيد الخلاف ، بقدر ما سعى إلى تنفيسه.
معلوم أن تصريحات الشيخ قد أثارت جدلاً داخل الوسط الإسلامي السني ، حيث وجهت انتقادات لتصريحات الشيخ من كل من (محمد سليم العوا ، أحمد كمال أبو المجد ، طارق البشري وفهمي هويدي) ، الأمر الذي ترك مرارة في نفس الشيخ دعته إلى التساؤل عن سبب عدم ظهور أي صوت شيعي يدافع عنه مقابل الأصوات السنية التي ذهبت في الاتجاه الآخر ، مع العلم أن الأصوات السنية التي انتصرت للشيخ كانت كثيرة أبرزها الشيخ راشد الغنوشي والشيخ سلمان العودة ، فيما مارس بعض رموز الطرف الشيعي إسفافاً منقطع النظير: لا أعني فقط محرر وكالة مهر الإيرانية للأنباء ، بل أيضاً محسوبين على خط العلم والعلماء كما هو حال رجل الدين الشيعي الكويتي محمد باقر المهري.
في البيان الختامي لاجتماع مجلس أمناء الاتحاد قدر من الهدوء والحكمة ، إذ أكد على جملة من النقاط المهمة المتعلقة بالأزمة كانت كما يلي:
أولاً: التأكيد على وحدة الأمّة الإسلامية بشتى مذاهبها ، وإجماعها على المرجعية العليا للقرآن الذي تولى الله حفظه من أي تحريف أو إضافة أو نقصان ، وكذلك إجماعها على السنّة النبويّة المطهّرة. مع تأكيد فرضية الوحدة تبعاً لما تواجهه الأمّة من تحديات داخلية وخارجية.
ثانياً: يؤكّد المجلس على التفاهمات التي توصّل إليها علماء ومرجعيات من جميع المذاهب الإسلامية من السنّة والشيعة وغيرهما في ملتقيات عديدة وأهمّها: (وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، وأزواجه أمّهات المؤمنين ، وآل بيته الطاهرين ، وتحريم الطعن فيهم والإساءة إليهم ، وضرورة تعميم الفتاوى المتعلّقة بذلك ، الكفّ عن أي محاولة منظّمة أو مدعومة للتبشير بالمذهب غير السائد في المناطق التي يسود فيها المذهب الآخر ، وعلى ضرورة الاحترام المتبادل بين المذاهب ، التأكيد على حرمة دم المسلم وعدم جواز الاقتتال على أساس مذهبي أو طائفي ، احترام حقوق الأقليات المذهبية ، وتمكينها من ممارسة تعاليم مذهبها في العبادة والقضاء والفتوى وغيرها).
ثالثاً: يدين المجلس أشدّ الإدانة الإساءة إلى رمز كبير من رموز الأمّة (القرضاوي) ، بالافتراء عليه ، ومحاولة تشويه تاريخه المشرّف، وإمامته العلمية، وجهاده المتّصل في دعم القضايا الإسلامية والدفاع عن وحدة الأمّة ، ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها ، ومناصرة مقاومة الاحتلال في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان وغيرها ، والدعوة إلى الوسطية التي أصبح سماحته رمزاً لها، كما يدين الاتحاد الإساءة إلى أيّ من علماء الأمّة ورموزها.
رابعاً: يطالب المجلس الجمهورية الإسلامية في إيران بتحمّل مسؤوليتها الشرعية في وأد الفتنة المذهبية وإطفاء نارها ، وذلك باتخاذ التدابير اللازمة لمعاقبة وكالة الأنباء (مهر) ، بسبب مقالتها التي جاءت بمجموعة من الأكاذيب والاتهامات الباطلة (السلوك الإيراني الأخير مع الشيخ جاء دافئاً كما عكسته جملة من اللقاءات والتصريحات). هذا وقد بلغ المجلس نبأ فصل الكاتب المسؤول عن الإساءة من قبل منظّمة الإعلام الإسلامي ، وهو إذ يقدّر ذلك ، فإنه يطالب بالاعتذار إلى سماحة الشيخ القرضاوي تقديراً لمكانته.
خامساً: يقرّر المجلس تشكيل لجنة متخصصة ، تقوم بالرصد الميداني لجميع النشاطات والأعمال المذهبية في البلاد الإسلامية الضارّة بوحدة الأمّة ، وتضع بناءً على ذلك خطّة عملية تعالج الواقع القائم على الأرض ، باتجاه المحافظة على وحدة الأمّة وتعميقها ، وبنائها على أسس راسخة متينة ، تداوي نقاط الخلاف التي يستغلها الأعداء من أجل إحباط مساعي الوحدة.
سادساً: ينوّه المجلس بحرية الإعلام المسؤول ، ويناشد وسائل الإعلام المختلفة أن تلتزم الأطر الشرعية والمهنية والأخلاقية. كما يستنكر الدور التي تقوم به بعض الفضائيات ومواقع الانترنت في إذكاء نار الطائفية.
نتمنى بالطبع أن يساهم هذا البيان ، ومعه دعوات العقلاء من الجانبين في تنفيس الاحتقان ، ودفع المشهد الإسلامي إلى التركيز على القضايا المركزية للأمة، أقله لتحقيق التعايش إذا تعذر التقريب، الأمر الذي لا بد له من شروط تستحق وقفة أخرى.
.........
- نقلا عن جريدة الدستور.