طالب شافع

من حقّ الأجيال الحالية واللاحقة أن تتوقف عند المشكلة الأخيرة التي نشبت بين فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي وفقه الله لكل خير، وبين أصدقائه الشيعة الذين طالما التقاهم وحاول التقريب بينهم وبين أهله وعشيرته من أهل السنة والجماعة.

والقارئ للمشهد يرى أن بيان الدكتور القرضاوي الذي حذّر فيه من المدّ الشيعي كان بيانًا هادئًا في ألفاظه، لم يخرج فيه الدكتور القرضاوي عن حدود اللياقة والحصافة، واكتفى بتوصيف المشكلة بهدوء، واكتفى بوصف الشيعة بالابتداع، في الوقت الذي نعلم جميعًا أن في البدع الشيعية ما لا يمكن قبوله إسلاميًّا بكل حالٍ لمصادمته لأصول الإسلام.

 والبدع أصناف، منها المُكَفِّر الذي يُخرج صاحبه عن الإسلام، ومنها ما هو دون ذلك، وقد أتى الشيعة بكل هذه الأصناف، وكتبهم تطفح بالقول بتحريف القرآن وسب الصحابة، وتكفيرهم ولعنهم، بل وسب وتكفير الكثير من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، ولهم روايات عديدة ذكروها في كتبهم تعترف بتورط الشيعة في مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه، والطعن في عم النبي صلى الله عليه وسلم العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وفي ابنه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، والمعروف بحبر القرآن.

بل نجد في كتب الشيعة ما هو أبشع وأبشع عندما تتهم جبريل بالخطأ في الرسالة ونزوله على النبي صلى الله عليه وسلم بدلاً من علي، أو يدّعي بعضهم الألوهية في عليٍّ رضي الله عنه.

والحقيقة... فقد عانى أهل البيت من الشيعة كثيرًا جدًّا، كما عانى جميع المسلمين من الشيعة، وأصولهم ذات الطابع اليهودي، نظرًا لنشأة التشيع على يد ابن سبأ اليهودي.

وكل هذا معلومٌ مشهورٌ لم يعد خافيًا، خاصة ولم تعد كتب الشيعة حِكْرًا عليهم، ولا هي بالخافية على الناس، وإنما نشرها الشيعة أنفسهم بكل ما فيها من بلاء ومخالفات لقطعيات الإسلام، لكنهم نشروها بأكثر من طريقة، واستخدموا في ذلك تقنيات عديدة جدًّا، ويمكن لمن أرادها أن يحصل عليها مجانًا عن طريق الشبكة وغيرها، وقد وزع الشيعة كتبهم مجانًا، كما حصل مؤخرًا في مدينة 6أكتوبر بمصر، حسبما نشرتْ وسائل الإعلام.

حسب هذا المشهد لا نجد أي غضاضة أو مفاجأة للشيعة في بيان الدكتور القرضاوي، فلم يأت بجديد غير معروف عن الشيعة، بل قد سبقه الشيعة فنشروا كتبهم بكل ما فيها من مصائب أشار بيان الدكتور القرضاوي لبعضها فقط، وترك الكثير والكثير مما يصعب على الحصر، فلو كان لابد من لوم أحدٍ فهم لا القرضاوي؛ لأنهم هم الذين نشروا وبصورة أوسع وأكثر انتشارًا، وأنفقوا مالهم بسخاء في هذا السبيل.

وفي الوقت نفسه إذا كان الشيعة قد انزعجوا من وصف الدكتور لهم بالابتداع، فهم قد سبقوا الدكتور فكفروا الصحابة رضي الله عنهم، وأتباعهم، ومنهم بطبيعة الحال الدكتور القرضاوي نفسه، يعني أنه هو نفسه في نظرهم كافر، والوصف بالكفر أشد من الوصف بالابتداع، فهم على هذا أشد وأكثر خطأً من الدكتور نفسه؛ على فرض التسليم لهم بأنه قد أخطأ (مع أنه لم يخطئ).

وإذا كانوا يرون من حقهم مقاضاته في قطر فمن حقه أن يقاضيهم في كل الدول العربية والإسلامية بتهم عديدة على رأسها تكفيره هو نفسه بوصفه أحد أهل السنة والجماعة الذين تكفرهم الشيعة.

وملاحظة أخرى مهمة، وهي إذا كان الدكتور على هذه الدرجة من السوء حسبما تحاول أن تفهمنا الشيعة برجالها وإعلامها هذه الأيام، فلماذا تعاونت معه كل هذه الفترة، ولم تكشفه للناس إلا بعد أن كشفها هو؟! ولو ذهب القرضاوي والشيعة للقضاء في هذه المسألة تحديدًا لأمكنه الدفع بسهولة جدًّا بكيدية الاتهامات والصراخات الشيعية الصادرة على قدر الألم الذي نالها من بيانه السابق.

وعلى فرض التسليم بصحة الادعاءات الشيعية التي رمت فضيلة الدكتور القرضاوي بالتعاون مع اليهود - ,وهي كاذبة ولاشك -، فقد سبقه الشيعة بحراسة الحدود الشمالية للكيان الصهيوني اليهودي، كما اعترف بذلك أحد رجال الشيعة البارزين، وقد تناقلت مواقع الإنترنت كلامه هذا الشيعي بالصوت والصورة، فلا عيب على القرضاوي إن فعل ما فعلت الشيعة مثله بل وأضعافه، (على فرض التسليم بصحة الاتهامات الشيعية للقرضاوي)، مع أن الواقع المعروف يؤكد عدم صحة الاتهامات الشيعية للقرضاوي في هذه المسألة أيضًا، كغيرها من الاتهامات العديدة التي أطلقها الشيعة.

القارئ للمشهد يجد الاتهامات التي أطلقها الشيعة على الدكتور القرضاوي لا وجه لها؛ لأن الشيعة قد قاموا بهذه الأفعال التي اتهموا بها القرضاوي بل وبأضعافها، بل وصاروا يمتنون على أمريكا بالتعاون معها في احتلالها لبعض الدول الإسلامية كما حصل في العراق مثلاً.

إذن فلا شيء يدعو لهذه الهجمة الشيعية الهوجاء على القرضاوي حسب الروايات المعلنة في الإعلام، والظاهر أن ثمة شيئًا ما وراء الأستار، وهو ما يمكن لنا أن نقترب من فهمه إذا قرأنا المشهد بأكمله.

فالذين تورطوا في الدعوة للتقريب بين المسلمين أهل السنة وبين الشيعة قد عاد أكثرهم فتراجع عن فكرة التقريب، بل وكتب مُحَذِّرًا من الدجل الشيعي.

فكان من الممكن اعتبار القرضاوي واحدًا من أولئك الذين تراجعوا عن فكرة التقريب عندما تأكدوا من عدم جدواها أو استحالتها، وتركه ينسحب من فكرة التقريب بهدوء احتفاظًا بالباب مفتوحًا لعله يراجع نفسه ويرجع ثانية لمسار التقريب، الذي هو في صالح الخداع الشيعي في الأساس.

لكننا لاحظنا هجمة شرسة على الدكتور القرضاوي كشخص، تخرج من حدود الأدب أو الاختلاف أو الحوار العلمي، وإنما دخلت إلى حيز الشخص نفسه، والاتهام له بتهم شنيعة بشعة، وتواكبت هذه الهجمة الشيعية مع تواطؤ من بعض الأقلام التي طالما تغنت بالقرضاوي وتمسحت فيه قديمًا، وبعضهم من الدائرة القريبة من القرضاوي نفسه، وهذه الملاحظة تحديدًا تكشف الكثير من خيوط المسألة، ويمكن من خلالها أن نصل إلى فهم عميقٍ للموضوع.

فليس الأمر خاصًّا بشخص القرضاوي كشخص، ولا ببيانه الهادئ ولكن يظهر أن الشيعة قد تقربوا من بعض المحيطين بالقرضاوي وحاولوا شراءهم ، لكن القرضاوي قد أفلت من أيدي هذا اللوبي، وشبّ عن الطوق بهذا البيان.

فالأمر الآن ليس معركة مع بيان القرضاوي فقط، وإنما هي معركة مع القرضاوي الثائر على الشيعة وعلى اللوبي المحيط .

ولو لم يكن القرضاوي بحجم مهم جدا في رؤية الشيعة لما صرخت لمجرد بيان يصفها فيه بالابتداع ؛ لأن هناك الكثير والكثير ممن رمى الشيعة بما هو أكثر من الابتداع ..

فالمسألة على هذه القراءة ليست اختلافًا في وجهات نظر الأصدقاء، ولا هي عقوبة شيعية للقرضاوي عن اتهامه للشيعة بالابتداع، وإنما هي عقوبة له على انسحابه المفاجىء ويقظته الغير متوقعة وتفطنه للمخطط ورؤيته للحقائق , فهي عقوبة على مستور تعرفه الشيعة جيدًا على كل حال، كما يعرفه أطراف أخرى قد تكون محيطة بالقرضاوي فيما يظهر من القراءة العامة للمشهد بأكمله.

خاصة وقد جاء بيان القرضاوي في وقت خسرت فيه الشيعة ترسانتها المعنوية لدى الشعوب العربية والإسلامية، فكان بيان القرضاوي كالضربة القاضية على الجريح المهزوم! ومن هنا كان صراخ الجريح وألمه شديدًا أفقده خططه في انتقاء الألفاظ وجعله يترك لنفسه العنان في كيل التهم جزافًا لا لشيء سوى الانتقام .

ومن هذه القراءة يمكن لنا أن نفهم الكثير من خلفية الشخصية الشيعية، وطريقة تعاملها، مع حلفائها وأصدقائها، وطريقة الإيقاع بهم.

فتحية للدكتور القرضاوي على موقفه أمام اللوبي المتمثل في شيعة العقول والأجساد أو شيعة العقول فقط، واكتشافه ألاعيبهم ومكرهم وعدم انصياعه لهم رغم ما ناله منهم من الأذى ، فجزاه الله خيرًا وأدام توفيقه لكل خير.

.........

- نقلا عن موقع مفكرة الإسلام.