جمال سلطان
هذه رسالة مفاجئة ومحزنة وصلتني من أخي الأستاذ أكرم كساب مدير مكتب فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي بالدوحة ، أضعها بين يدي القراء إبراءً للذمة وربما إشراكا لهم في "الهم " والغم.
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وبعد
فقد قرأت ما كتبه الأستاذ الفاضل جمال سلطان، عن شيخنا العلامة يوسف القرضاوي، وليس ذلك بعجيب ولا بغريب عن كاتب إسلامي جاد، له قلمه الخاص، وأسلوبه المميز، وما عبر عنه الأستاذ جمال سلطان، هو ما يجيش في نفوس الكثيرين من محبي الشيخ، الذين يعدون لا أقول بالآلف ولكن بالملايين، وكم توالت الاتصالات، وتكاثرت الاستفسارات، للاطمئنان على صحة الشيخ من كل دول العالم، وبالأدق جلها.
لقد اتصل بعض المحبين ليقول: إنه أمام الحجر الأسود ويبتهل إلى الله بالدعاء أن يشفي الله الشيخ. وآخر يقول: هل يجوز أن أقوم بعمرة للشيخ، وثالث يقول: لقد صلينا صلاة الحاجة ليتم الله شفاءه على الشيخ، ورابع يقول: لقد طلبنا من الأئمة في بلادنا أن يدعو للشيخ بالشفاء في صلاة التراويح.
ولكن على مقال الأستاذ جمال سلطان ملاحظتان:
الأولى: قوله بأنه -أي الشيخ- ( لم يسأل فيه أو عنه أحد من أهل السلطة والسلطان، لأنهم كانوا مشغولين بأمور أهم من القرضاوي مثل علاج بعض الممثلات والاتصال بآخرين في المستشفيات للاطمئنان والاحتفال ببعض الرياضيين، فتضاعف همه وزاد عليه المرض) فهو محق في صدر كلامه من كون أهل السلطة والسلطان لم يسألوا عنه، وأنا أتسأل كما يتسأل الكثيرون: منذ متى وأهل السلطة والسلطان في مصر وغيرها من دول العالم الإسلامي – إلا من رحم ربك وقليل ما هم - يسألون عن أهل العلم، وخصوصا من يحرجونهم بتعرية باطلهم، وكشف فسادهم؟ وهل لقي الغزالي احتفالا من قبل حتى يلقى القرضاوي احتفالا مثله؟!
أما أن عدم زيارة المسئولين وعدم سؤالهم ضاعف هم الشيخ وزاد مرضه، فأحب أن أوضح للأستاذ جمال أن هذا لم يكن أبدا، فليس الشيخ ممن ينتظر زيارة المسئولين، أو يتطلع إلى سؤالهم، فهو وهم خطان متوازيان لا يلتقيان إلا أن يشاء الله تعالى، وهذا ما حدث أعقاب النكسة حين استعانت السلطة بالشيخ القرضاوي والغزالي وأمثالهم ممن لهم تأثير في الجماهير، وحضور عند عامة الشعب.
وأحب أن أوضح أمرا مهما للأستاذ جمال: ما يضاعف المرض عند الشيخ هي آلام الأمة ومصائبها، وتشرذم الأمة واقتتالها، وكم عبر الشيخ عن ذلك بأن الرصاص الذي يصيب مسلما هنا أو هناك إنما يصيبه قبل أن يصيبهم، ويقطع أحشاءه قبل أن يدميهم.
الثانية: وأما الثانية فقد ذكر الأستاذ جمال: (أن أكثر من حاكم عربي تدخل لدى الرئيس مبارك شخصيا، وتفضلت الحكومة المصرية وقررت رفع اسم الشيخ يوسف القرضاوي من قائمة ترقب الوصول الموضوعة للمشبوهين والمغضوب عليهم) وأقول بكل صراحة يا أستاذ جمال: هذه أمنية لم تتحق حتى الآن، ومصادرك الصحفية هنا ليست دقيقة، فما زال الشيخ يعامل معاملة لا تليق باسمه (القرضاوي الذي أصبح ملأ السمع والبصر)، ولا بمكانته ( التي فاقت كل المناصب الدينية الرسمية) ولا بمكانة مصر (التي هي بلد الأزهر قبلة العلم والعلماء).
إن الشيخ القرضاوي يا أستاذ جمال ما زال يسحب جواز سفره، ولم ينفع مع أهل السلطان جواز مصري ولا قطري، ولا عادي ولا دبلوماسي، فيبدو أن اسم القرضاوي جعل الجنسيات والجوازات يصدق عليها قوله في أرجوزته:
فكل هؤلاء في الهوا سوا من لم يمارس عنفه فقد نوى!
إن قضية الشيخ يا أستاذ جمال كما ذكر أحد كبار ضباط أمن الدولة للشيخ: (موضوعك يا مولانا مش أمن دولة، موضوعك أمن قومي).
وأذكر أنني كنت مع الشيخ في صيف العام الماضي 2006 في تركيا، وفي عودتنا إلى القاهرة سألت الشيخ عن موقف أمن المطار منه، فتبسم تبسم المغضب ثم أخبرني بمرارة ما يحدث منهم، وصدق حدس الشيخ، وأخذ الجواز، وجلس القرضاوي العالم العلم، الفقيه المفكر، الإمام المفسر، الداعية المربي... في مكان لا يليق بمثله. وجلس الشيخ كاظما غيظه، محتسبا أجره عند الله تعالى.
إن الشيخ يا أستاذ جمال عند عودته من الجزائر إلى مصر اتصل ببعض أصدقائه الذين على اتصال بذوي السلطان، ليخبرهم بقدومه على طائرة خاصة، وأراد أن يرفع عنهم الحرج، حتى لا يتعنتوا معه، وخصوصا أن سفير الجزائر في القاهرة ربما يكون في استقباله.
ولكي نكون منصفين فالحق أن أهل السلطان في مصر قد خففوا الوطأة في المرات الأخيرة، ولم تعد الاستفزازات بنفس القدر السابق، ولكن استقبال الشيخ يا أستاذ جمال في دول العالم العربي والإسلامي وغيرهما، عادة ما تكون على مستوى راق، فكم استقبله وزير ورئيس للوزراء، ورئيس للجمهورية، وكم حرص رؤساء الدول على استقبال الشيخ وطلبوا النصيحة منه، والاستجابة لنصائحه، وهذا ما نتمناه من مصرنا الحبيب، وخصوصا وأن الشيخ قد جاوز الثمانيين في قومه.. نسأل الله أن يمد في عمره، وأن ينفع به. اللهم آمين. آمين.
أكرم كساب
مدير مكتب فضيلة الشيخ القرضاوي
ــــــــــــــــ
- نقلاً عن صحيفة المصريون، 5-10-2007
- مقال: سلامتك يا شيخ يوسف!