في خضم ما تحياه الأمة المسلمة من أحداث، أصبح واقع الفرقة والاختلاف فيها أصلا، تعظم الحاجة لفهم أسس منهج يضمن لشتى الأطراف المتصارعة التقاء يضيق هوة تلك الاختلافات، ويتعاون فيه الجميع للحفاظ على كيان أمتهم من التشرذم والضياع.
لكن الإشكالية تبقى في مجموعة من الأسئلة التي لا بد لهذا المنهج أن يجيب عنها.. فمثلا:
هل يعتبر السعي لإيجاد هذا الائتلاف ضربًا من الترف الديني، أم أنه واجب تفرضه نصوص الشرع؟ وما هي مساحات الاتفاق بين الفرقاء؟ وهل يعتبر التنازل من أحدهما ضروريًا من أجل أن يتم هذا الائتلاف؟ وإن كان هذا التنازل ضروريا فما مجاله وما محاذيره؟ ثم ماذا عن القواعد الشرعية الحاكمة لهذا الائتلاف؟
مجموعة من القضايا عرج عليها فضيلة العلامة د. يوسف القرضاوي في حلقة برنامج الشريعة والحياة الذي بثته قناة الجزيرة يوم الأحد 5 من ذي الحجة عام 1427، الموافق 24/12/2006.
الإصلاح دليل الإيمان
في البداية أكد الشيخ أن هناك فرقا بين التأليف والإصلاح من حيث إن الأول من صنع الله عز وجل للقلوب، فهو سبحانه الذي يؤلفها، وذلك كقوله تعالى: "وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا..." [آل عمران:103]. وكذلك حين قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: "هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ" [الأنفال:61 ،62].
لذلك فالتأليف بيده سبحانه، أما محاولة الائتلاف والإصلاح فهي من عمل الإنسان، وهو مطلب إسلامي جعله الله من دلائل الإيمان، كما قال تعالى: "فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ" [الأنفال:1] فلا يستقيم إيمان مع خصومات ونزاعات وفرقة وجفاء.
من هنا فقد اقترن الإصلاح كلفظ يقصد منه مفهوم أعلى وهو الوصول لدرجة الائتلاف، اقترن بمفاهيم كثيرة في القرآن، منها مثلا الإيمان "فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" [الأنعام:48] وكذلك اقترن بالتقوى "فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" [الأعراف:35] وقد اقترن بالتوبة في كثير من الآيات "إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ..." [النساء:146] وغيرها الكثير؛ إذ التوبة تعني البراءة من الماضي، وفتح صفحة جديدة، وكذلك الإصلاح يعني تعمير تلك الصفحات بالأعمال الصالحة، ولا شك أن نبذ الخلافات، والبراءة من ثقافة الفرقة تأتي على رأس تلك الأعمال الصالحة.
ومن منطلق قوله تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" [الحجرات:10]. تأتي أهمية السعي لمنهج الائتلاف هذا، فالأخوة الإسلامية لا تفرض فقط مجرد عدم التنازع، بل تتعداه حينما يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك قائلا: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله..." وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله".
لذلك يتأكد أن الفرقة والتنازع وعدم الائتلاف، كل ذلك يقطع الروابط التي جاء بها الإسلام، ومن هنا اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم فساد ذات البين هي الحالقة، ويؤكد على ذلك في قوله: "هل أدلكم على أفضل من الصلاة والصيام والصدقة.. إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة" وفي رواية " لا أقول تحلق الشعر وإنما تحلق الدين".
لذلك يتأكد أن البحث عن منهج ائتلاف تتوحد عليه الأمة هو من أهم الأعمال التي يتقرب بها إلى الله في هذه الفترة العصيبة من حياتها، بل يتعدى الأمر إلى الوجوب حينما تحتدم تلك الاختلافات.
اختلاف لا تنازع
وهنا بيّن الشيخ حقيقة مهمة يؤكد عليها الواقع وسنن الكون، وتاريخ البشرية الطويل، وهي كذلك ضرورة يجب علمها على من يحاول البحث عن منهج ائتلاف بين طوائف الأمة، ألا وهي أن الاختلاف في طبيعته ضرورة، وطبيعة بشرية اقتضت حكمة الله عز وجل أن ينفطر الناس عليها "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ..." [هود:118، 119].
فالاختلاف في الأعراق، وفي اللون، وفي الثقافة، وفي الحضارة، وفي الانتماء، وفي الفكر، وكذلك في الدين، كل هذا لا حرج فيه ولا عيب، ولا قدرة أصلا على تغييره.
أما القضية والحرج ومناط الاجتهاد في التغيير فيكمن في أن يتحول هذا الاختلاف إلى تنازع وفرقة، ولذلك فمنهج الائتلاف يقوم على تحذيرات القرآن، حينما يقول عز وجل: "وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [آل عمران:105].
وعلى الجانب الآخر يؤكد القرآن تطبيقات هذا المنهج حينما يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم –مثلا- بعد حديثه مع الكفار: "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" [الكافرون:6]. وكذلك قوله تعالى: "وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ" [يونس:41]. وقوله: "اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" [الشورى:15].
أسس جامعة
بل أبعد من ذلك فإن أسس هذا المنهج تدخل لأدق التفاصيل ومنها أسلوب الحوار الذي ركز القرآن عليه مع كل المخالفين، حتى مع المخالفين في أصل العقيدة من أهل الكتاب وغيرهم، فتراه يقول: "وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..." [العنكبوت:46]. أي بألطف طريقة، وأحسن عبارات، وهذا ما أرشد إليه القرآن أيضًا في حوار المشركين حينما يقول: "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ" [سبأ:24]. مع علمه بأن الإسلام هو الحق وأنهم على ضلال، لكنه يؤكد على أدب الحديث مع المخالف حتى ولو كان مشركًا، فما بالك بالمسلم الذي يختلف معك!
بل يُعلّم الجميع كيف تكون طريقة استمالة الآخر للوصول إلى هدف أعلى وأسمى وهو التوحد والتعاون على الأقل في نقاط الالتقاء، وفي المساحات المشتركة فيقول بعد الأمر السابق بالجدال بالتي هي أحسن: "... وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" [العنكبوت:46].
لكن المشكلة التي تمنع إنزال هذا المنهج على أرض التطبيق العملي هي الجهل بتلك الأسس، ومحاولة إظهار الآخر دائمًا على أنه مخطئ على طول الخط، ومحاولة مصادرة الفكر، وتغيير الدين والثقافة والاتجاه بالقوة، وهنا يكمن الخطر، وتبدأ مرحلة التنازع الذي يصل إلى الاقتتال.
التقريب عمل لا فكر
وقد أكد الشيخ على هذا المعنى كما ذكر في مجموعة من الأسس قدمها لمؤتمر التقريب الذي انعقد في البحرين منذ سنوات، لأن التقريب مجموعة من الخطوات العملية التي يتوجب على الجميع القيام بها.
وما يدلل على ذلك أن فكر الائتلاف أو التقريب ليس وليد اليوم، وإنما قاده علماء الأزهر منذ فترة بعيدة، أمثال الشيخ محمود شلتوت، والشيخ عبد المجيد سليم وغيرهم، وأيدهم في ذلك الشيخ حسن البنا، وقد تمثل جهدهم في الناحية الفكرية، بالكتابة والتأليف، لكن التقريب الحقيقي يحتاج لخطوات عملية.
كذلك فقد أنشأت إيران مجمعًا للتقريب، ودعيت إليه فرُفضت، ليس رفضًا للتقريب، وإنما رفضًا للنهج، لأن المجمع إيران هي التي أنشأته، وهي التي عينت أمينه العام، وأنفقت عليه، وقد صدر بمرسوم منها، وهذا من شأنه أن يجعل عملية التقريب غير مضمونة.
لكن التقريب الحقيقي أن يجتمع العلماء من هنا ومن هناك، بإرادة حرة بعيدًا عن هيمنة أية جهة، وينشئوا مجمعًا يستطيعون من خلاله عمل مراجعات شاملة لكل الأفكار والرؤى التي تحتاج للمراجعة، فهذه هي الطريقة العملية كي يتحول التقريب والائتلاف من الفكر إلى حيز التنفيذ.
المصارحة أساس الالتقاء
وهذه أولى خطوات هذا الانتقال من الفكر إلى العمل، التي يجب أن تتم أيضا في ضوء الأسس السابقة من الحكمة، والجدال بالتي هي أحسن وغيرها من الأسس.
ثم ضرب الشيخ نموذجًا لتلك المصارحة كخطوة عملية على سبيل الائتلاف والتقريب بزيارته لإيران في أوائل عهد الرئيس خاتمي، وقد قوبل وقتها بترحاب شديد من كل العلماء والمسئولين، وقد تحدث معهم عن عملية التقريب، وما ينبغي أن يتم للوصول إليها، مؤكدا على قضيتين أساسيتين:
أولهما: تجنب المستفزات ومحاولات جلب الغضب من الطرف الآخر، ضاربا المثل بالقضايا الأساسية، التي يروج لها البعض كمسألة نقص القرآن، ووجود مصحف آخر، وكذلك موضوع سب الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة وعائشة.
فكيف ألتقي بك وأعمل على الائتلاف والتقارب معك وأنا أقول "أبو بكر رضي الله عنه" وأنت تقول "أبو بكر لعنه الله" فلا بد من تجنب تلك المستفزات، وقد أجابني الشيخ التسخيري عن ذلك بأنهم في مناهج التربية والتعليم هناك قد بدءوا في ذكر مواقف لأبي بكر وعمر تحاول تغيير صورة هذه الشخصيات عند الطلاب في تلك المراحل.
ومع أن مثل تلك الخطوات مقبولة كمرحلة أولى، واتباعًا لسياسة التدرج في التغيير، إلا أن الإشكالية تظل قائمة على مستوى القاعدة، بمعنى أن الأطفال يرضعون مع لبان الأمهات كراهية الصحابة، وكراهية أهل السنة، وكذلك في بعض أهل السنة هناك من يفعل ذلك مع أبنائه.
فلا بد من اتباع منهج عام لكل أطياف الأمة، تتبناه كل آلياتها من مناهج التعليم، ووسائل الإعلام، وطريقة التعامل اليومي، حتى نصل لمنظومة متكاملة نستطيع من خلالها أن نحقق هذا الائتلاف وذاك التقارب.
التبشير بالمذهب أساس الفتنة
وهذه هي القضية الثانية التي صارح بها الشيخ العلماء والمسئولين في إيران، ذلك لأنها أهم أسباب عدم الالتقاء، لأن محاولة فريق التبشير بمذهبه في بلد خالص للمذهب الآخر هي محاولة استفزازية من شأنها أن تمنع تواصل الفريقين وأن تؤجج نار الفتن بينهما.
فلا ينبغي أن أبشر بالمذهب السني مثلا في طهران، وكذلك لا يجوز أن أبشر بالمذهب الشيعي في مصر، أو في السودان مثلا، ثم ما هي المكاسب التي سيحرزها هذا المذهب أو ذاك من وراء عملية التبشير تلك.. عشرة.. مائة.. ألف.. عدة آلاف.. فلكل مذهب أتباعه الذين يربوا تعدادهم في أرجاء العالم الإسلامي على ملايين، فما الذي سيزيده هؤلاء الجدد؟!
لكن النتيجة المؤكدة التي سيجني الجميع نتائجها من هذه العملية هي التوتر لا محالة بين الجانبين والتحرش المستمر الذي قد يصل في بعض الأوقات لقطع العلاقات، والاقتتال أحيانًا.
ودلل الشيخ على صدق هذا الاستنتاج من خلال إجابة الشيخ التسخيري بأن ذلك ما حدث بالفعل في إحدى التجارب مع السودان، وأدى في النهاية لقطع العلاقات.
وللعلم فإن الحكماء من علماء الشيعة يمنعون محاولات التبشير بالمذهب في البلاد السنية منعًا مطلقًا، لما يدركونه من عواقب هذا الفعل، كالشيخ محمد مهدي شمس الدين في بيروت رئيس المجلس الشيعي الأعلى، والعلامة محمد حسين فضل الله، لكن ما يحدث من أناس يعملون بعيدا عن هؤلاء قد يحسب على الجميع.
حدود التنازل
قد يظن البعض أن الدعوة إلى التآلف والتقريب دعوة انبطاح وتنازل غير مضبوط بضوابط الشرع، لكن الشيخ هنا يؤكد على أن مسألة التنازل لمصلحة هذا التقارب ينبغي أن تكون في إطار فقه الموازنات، بمعنى أنه لا بد من البحث عن الأسباب الحقيقية للنزاع أولا وتحديدها، فقد يكون التنازع أساسه سياسي، وقد يكون من قبيل هيمنة دولة على أخرى، وقد يكون هناك توجيه خارجي لقوى تريد الفرقة والنزاع للأمة المسلمة، فمسألة تحديد الأسباب خطوة مهمة على طريق العلاج، أما أن تكون الأسباب سياسية وأحاول أن أقدم تنازلات دينية بالأساس، أو تكون الأسباب دينية طائفية تحاول من خلالها طائفة القضاء على أخرى من خلال القتل والتهجير وغيرها من الوسائل، وأحاول أنا أن ألبس الصراع صبغة سياسية فهذا ليس من الفقه في شيء.
وعن طبيعة التنازل وحدوده، فلا بد أن يكون معلومًا أن هناك ثوابت لا يمكن التنازل عنها بحال وتحت أي مسمى، فمثلا مسألة سب الصحابة غير مقبولة على الإطلاق، لا شكلا ولا موضوعًا، وهناك مبادئ كذلك في العقيدة والشريعة والعبادات، ومصالح جوهرية أيضا كلها لا يجوز فيها التنازل.
لكن هناك مصالح شكلية يمكن من خلالها أن يتم التنازل حتى لا تعطل حركة التقريب، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، حينما وافق على أن تبدأ الوثيقة بـ" باسمك اللهم" بدلا من "بسم الله الرحمن الرحيم" وأن يكتب اسمه صلى الله عليه وسلم "محمد بن عبد الله" بدلا من "محمد رسول الله" فهذه قد اعتبرها رسول الله مسائل شكلية، وإن كان لها وزنها عند البعض.
وفي هذا السياق يأتي تصرف سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنه حينما بايعه أصحاب سيدنا علي بعد موته، ليكون خليفة للمؤمنين، وكان رضي الله عنه أحق بها وأهلها، لكنه رضي الله عنه ولأنه كان رجلا سهلا وهينا لينا تنازل عنها لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما حقنًا للدماء، وجمعًا لكلمة الأمة، فالتنازل عن الحق جائز، أما التنازل عن الدين فهذا لا يجوز، ولا يمنع هذا أبدا من الالتقاء والتقارب في مساحات الاتفاق شريطة عدم إبراز مواطن الخلاف تلك.
مسئولية مشتركة
وهذا ما ينبغي أن يفهم جيدًا فالعلماء وحدهم -كما يقرر الشيخ- أو الساسة وحدهم أو أي فصيل بمفرده لن يستطيع احتواء تلك الخلافات، وإنما هي مسئولية جماعية، والنبي صلى الله عليه وسلم أشار لمثل هذا المعنى في حديثه الذي يقول فيه: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" ففرار الناس من مسئولياتهم وإلقاؤها على عاتق العلماء أو الساسة غير مقبول.
لكن الشيخ يعود ليشدد في المسألة العراقية تحديدًا على مسئولية العلماء، بخاصة الشيعة منهم، لما لهم من نفوذ باعتبارهم مرجعيات لأتباعهم، ولأن قدرتهم على التأثير فيهم وتوجيههم أعلى من تأثير علماء السنة، لذا يجب على آية الله السيستاني وغيره من الآيات العراقية أن يحرموا قتل المسلم سنيًا كان أو شيعيًا، وكذلك تهجيره، ومصادرة أمواله وممتلكاته.
قواعد شرعية
وعن القواعد الشرعية الحاكمة لهذا الائتلاف وذاك التقريب أكد الشيخ على أن من أهمها الكف عن كل من قال لا إله إلا الله، وكذلك إحسان الظن بالمسلم، وعدم النظر إلى السوءات وغض الطرف عن الحسنات، كذلك فإن تجنب الحكم بالتكفير قاعدة شرعية مهمة تحكم هذه العملية.
أيضا لا بد من البعد عن المثيرات وكل ما من شأنه تأجيج الصراعات، بل العكس هو الأصل، فيجب البحث عما يجمع ولا يفرق، ويقرب ولا يبعد، حتى تسهل عملية الالتقاء.
كذلك فإن حسن الفهم لكل الأصول والفروع، وفهم طبيعة وخلفيات تلك الصراعات من الأمور المهمة التي يجب توافرها في من يتصدى لتلك العملية؛ إذ لا يكفي فيها حسن النوايا، والأماني الطيبة.