همة الرجال لا تقاس بطول أعمارهم ولا بثقل أوزانهم ولا بأرصدتهم في البنوك.. وإنما تقاس بما ينجزون من أعمال وبما يبذلون من جهد وبما ينفقون من أموالهم لنجدة إخوانهم ونصرة دينهم. وقد عاصرت وعايشت وعرفت علماء كثيرين طوال عملي في الصحافة الإسلامية على مدى ربع قرن فلم أجد عالما ذا همة مثل فضيلة شيخنا الجليل د.يوسف القرضاوي أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية وأعانه على نصرة دينه والأخذ بيد أمته لطريق الخير.
شيخنا الجليل منحه الله قوة إيمان وإخلاص صادق وعزيمة لا تهدأ من اجل خدمة الإسلام.. وسيرته الممتدة طوال الـ «80» عاما تشهد له بذلك وأعماله الفكرية والدعوية والثقافية والاجتماعية والسياسية تؤكد ذلك وأكثر منه. لن أتحدث عن مؤلفاته التي زادت على «140» كتابا ولن أتحدث عن دروسه ومحاضراته وندواته التي لا تحصى لأنها تزيد على أيامه التي عاشها بل قل ساعاته التي قضاها. لكن أتحدث عن جهد القرضاوي في مؤتمر علماء المسلمين لنصرة فلسطين الذي أنهى جلساته مساء أمس الأول بالدوحة.
لا أدري كم حجم المجهود الذي بذله الشيخ من أجل التحضير للمؤتمر لأنه لم يحدث أحدا بذلك ولا يحب أن يتحدث فيه أحد.. لكني رأيت عن قرب الجهد الذي بذله الشيخ في استقبال إخوانه العلماء الذين جاءوا من مختلف الدول للمشاركة في المؤتمر ولمست عن كثب حجم الانجاز الذي حققه من أجل إدارة جلسات المؤتمر على مدى يومين حتى اطمأن إلى انه حقق أهدافه ووصل إلى الغاية المنشودة منه. القرضاوي طوال أيام المؤتمر وهو على نفس الحال في كل المؤتمرات التي يشارك فيها كان شعلة من النشاط لم يهدأ ليلا ولا نهارا من أجل ضمان نجاح المؤتمر.
ولأن الشيخ مخلص لدينه وعقيدته ويرجو إصلاح ذات البين لإخوانه في الفصائل الفلسطينية وينشد تحفيز الأمة للقيام بواجبها تجاه الأشقاء الفلسطينيين فقد سخر الله له كل شيء من حوله ليساعده على تحقيق هدفه.
وكنا نحن الصحفيين ومراسلي الصحف العربية ووكالات الأنباء العالمية والقائمين على القنوات الفضائية ممن سخرهم الله للقرضاوي ليكونوا له عونا على أداء رسالته في نصرة دينه وشد أزر إخوانه. لقد أتعبنا القرضاوي خلال اليومين الماضيين في تغطية أنشطة مؤتمر نصرة فلسطين.. أتعبنا تعبا جميلا له هدف ونتيجة رضينا به عن طيب خاطر لأن شعلة الإخلاص التي أوقدها القرضاوي دخلت قلوبنا فأشعلت حماسنا لتغطية فعاليات المؤتمر حتى آخر لحظة. لم نعرف الراحة على مدى يومين.. والتقطنا أنفاسنا بعد إعلان التوصيات ونشرها ونشر فعاليات الجلسة الأخيرة.. وقلنا سنخلد للراحة بعد انتهاء مؤتمر القرضاوي.. أقصد مؤتمر نصرة فلسطين. نمنا نوما عميقا يعوضنا عما أتعبنا به القرضاوي وظننا أنه نام مثلنا وأنه سيخلد للراحة أياما تعوضه عناء ما تعب طوال أيام المؤتمر. لكن القرضاوي الشعلة التي لا تنطفئ والنحلة التي لا تهدأ فاجأنا أمس بأنه يرتقي منبر الجمعة بجامع عمر بن الخطاب ويخطب خطبة عصماء عن المؤتمر وما دار فيه وما توصل إليه وما هو مطلوب من الأمة لإنجاحه. ذلك هو المعلن والمذاع.. وحتى لحظة كتابه هذه السطور بعد صلاة الجمعة الماضية لا أدري ماذا سيفعل القرضاوي.. وهل سنستطيع نحن الإعلاميين ملاحقته ومتابعة كل ما يقول ويعمل.
إنه أمر مستحيل.. نعم مستحيل أن يفلح إعلامي واحد في تغطية أنشطة رجل بحجم «أمة» اسمه يوسف القرضاوي.
____
- نشرت بصحيفة الوطن القطرية بتاريخ 13-5-2006