محمد عبد القدوس
قررت الاحتفال بفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي على طريقتي الخاصة يوم الخميس القادم سيبلغ الثامنة والسبعين من عمره المديد، فهو من مواليد 9 سبتمبر سنة 1926 بالتاريخ الميلادي، كل سنة وأنت طيب أيها العالم الجليل وأطال الله في عمرك!.
وقد يحتجّ البعض على ذلك قائلا: ما تفعله بدعة لم نر أحداً من الصحابة أو التابعين يحتفل بعيد ميلاده.. هذا تقليد قادم من الغرب!.
والمفاجأة التي أقدمها لكم أن أسرة العالم الراحل العلامة الشيخ محمد الغزالي كانت تقيم له احتفالاً بسيطاً في ذكري مولده يوم 22 سبتمبر من كل عام، وقد خرج إلى الدنيا في سنة 1917م، ولم يحتج يوماً بحجة أن ذلك يتنافي مع الشرع وأنت تقول له كل سنة وأنت طيب! وفي كل عام أحرص على الاتصال بفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي لتهنئته، فيرد ممازحاً: أنت دائماً فاكرني ! ولم يقل لي: ما تفعله عيب ولا يصح إسلاميا !! فالاحتفال بأعياد الميلاد من تقاليد الدنيا كما يقول العلماء! فليست أمراً دينياً! فمن شاء أن يقول لمن يحبه بهذه المناسبة كل سنة وأنت طيب فليفعل ذلك، وليحتفل معه بذكرى مولده، لكن المهم أن يراعي أخلاقيات إسلامنا الجميل، ولا يرتكب منكراً بحجة الاحتفال والفرفشة!!.
وبدون مجاملة أقول إن فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي موهبة فذة، ومكسب عظيم للإسلام كله، وقد أثرى المكتبة الإسلامية حتى الآن بما يقرب من 140 كتاباً في شتي المجالات مثل الدعوة والشريعة والاقتصاد والتربية، وله كتابات عدة تتعلق بالأسس اللازمة للنهضة الإسلامية، وفي كيفية فهم القرآن والسنة النبوية الشريفة، وهو خطيب متميز، وكاتب متألق، ومحاضر من الطراز الأول، فهو متعدد المواهب، بطريقة لا تتوفر في غيره إلا على سبيل الاستثناء، وسر نجاحه أراه في الإخلاص، وهو المفتاح الذي فتح الله له به قلوب العباد.. في عمله يبتغي وجه الله، فأتته الدنيامرغمة، وحظي بشهرة واسعة.
ومن أهم ما يميز عالمنا الجليل أنه لا يتوقف عن الإنجاز وخدمة الإسلام رغم تقدمه في السن. ومن أهم ما فعله مؤخراً إنشاء هيئة عالمية تضم علماء مسلمين من شتى أنحاء الدنيا وتجمع أهل العلم من السنة والشيعة، وهو تجمع دولي مستقل غرضه بيان رأي الإسلام في شتي القضايا! وهذا الكيان الإسلامي أراه تطوراً إيجابياً في الدعوة الإسلامية، بل واعتبره فتحاً مبيناً، بشرط أن يكون دوره فعالاً على الساحة العالمية.
ومن أغرب العقبات التي واجهت هذا العمل العظيم أنه لم يجد دولة عربية تقبله! فاضطر الكيان الجديد إلى تسجيل نفسه في أيرلندا!! واتخذ من لندن مقراً له!
ومن حقك أن تسأل: طيب إزاي؟ كيف يكون مقر هذا التجمع الإسلامي الوليد بلداً مسيحياً؟؟ والذي أعلمه أن دولة قطر قد اعتذرت، فيكفيها صداع قناة الجزيرة والشيخ يوسف القرضاوي نفسه!! ودولة الإمارات مشغولة بالبزنس والنهضة الاقتصادية هناك على قدم وساق خاصة في أبو ظبي ودبي! فلا تريد وجع دماغ ! وعُمان ملتزمة بالحياد! والأردن تطل على الأرض المحتلة في فلسطين، والسودان تعاني مشاكل عدة! والجزائر تشكو من بقايا حرب أهلية، وكانت بداية هذه الفكرة قد نشأت هناك سنة 1989م قبل استيلاء الجيش علي السلطة! وهناك دول محكومة بقوانين صارمة والدين والدنيا هناك خاضعة لحكم الاستبداد... وهكذا ترى معي أن الأمر لا يتعلق بدول إسلامية أو مسيحية، بل بالحرية المفتقدة في بلاد أمجاد يا عرب أمجاد والموجودة عند الإنجليز!
وقد تتعجب عندما أقول لك إنني مازلت أعتبر بريطانيا دولة عظمى حتى هذه اللحظة رغم ضياع ممتلكاتها، والإمبراطورية التي غربت عنها الشمس! مع العلم أنني معارض لسياستها الخارجية خاصة في العراق.
والسبب في ذلك أنه توجد في تلك الدولة حريات لا تتوفر عند غيرها من البلدان المتحضرة! قارن بينها مثلاً وبين أمريكا التي كشفت عن وجه قبيح كالح عرفه القاصي والداني، وإذا نظرت إلى فرنسا تراها بلداً متعصباً للعلمانية وترفض ما يمس هويتها القومية! لذلك حظرت الحجاب، وفرضت قيوداً صارمة على أي نشاط ديني، وإسلامي خاصة! والإنجليز على العكس من ذلك، بلد متعدد الجنسيات، والنظام الإنجليزي لا يخاف من هذا الأمر، بل يعطي لكل طائفة حرية واسعة، وليست هناك أية قيود على المحجبات! بل وأكثر من ذلك قررت الحكومة تقديم مساعدة مادية للمدارس الإسلامية! وهناك دراسات محترمة تتعلق بالإسلام في كبري الجامعات مثل أوكسفورد وغيرها.
ومؤخراً قام عمدة لندن باستقبال شيخنا القرضاوي، وقدم له اعتذاراً رسمياً عن العاصفة التي هبّت في وجهه عند قدومه إلي إنجلترا من جانب أنصار بني إسرائيل! ومثل هذا التصرف لا تجده حتى في الدول الإسلامية ذاتها! فلا ترى أبداً مسئولاً يعتذر لعالم!.
وأغتاظ عندما أجد بين المتدينين من يقول: الكفر كله ملة واحدة!! فهذا غير صحيح أبداً، وعند الخواجات مميزات مفتقدة عند المسلمين!! فكانوا جديرين بقيادة العالم بدلاً من أهل الإسلام الذين تخلوا عن دينهم، عمداً أو جهلاً!! وأقصد من الأمر الأول الفصل بين الدين والدنيا، والعمل على تهميش إسلامنا الجميل في حياة أبنائه! والجهل هو الأخذ بشكليات الدين، والابتعاد عن مقاصده الكبرى وأهدافه الأساسية.
ومن هنا فإن التجمع العالمي الجديد لعلماء المسلمين خطوة طيبة في انتشال أمة الإسلام من سباتها، والعمل على إيقاظها بعد غفلة! والقرضاوي هو قلب هذه الحركة التي تجمع الفقهاء، ولذلك أطالب بوضع نظام أساسي يضمن العمل الجماعي الناجح وكفانا الاعتماد على أشخاص من أصحاب المواهب الفذة، فهؤلاء يجب أن ينصهروا في المجموع!
ولا ننسى أن من أهم أسباب خيبة أمتنا هؤلاء الذين ادعوا العبقرية!! فكان حكم الزعيم الملهم في أكثر من دولة عربية سبب نكبتنا!! وفي يقيني إن الإمام الجليل من أنصار العمل الجماعي.. وقد بدأت الجمعية المباركة التي يرأسها بنشاط عظيم وحالياً القرضاوي وزملاؤه موجودون بالسودان في محاولة للإصلاح بين طائفتين من المسلمين يتقاتلون في دارفور ،.. قبائل عربية وأخرى أفريقية! والحرب بينهما تتم بتشجيع من قوي عالمية غرضها السيطرة على البلد الشقيق، وسحق هوية السودان الإسلامية والعربية، وشل حركته بشغله في مشاكل داخلية!
وقد نجح الجزء الأول من المؤامرة، واستطاع المتمردون في جنوب السودان بقيادة جون جارنج تحقيق نجاح لم يخطر ببالهم بمساعدة من قوي التبشير، والقوي الصهيونية والمتعصبين في الغرب ضد ديننا! وزعيم العصابات نفسه استفاد من الحرب الأهلية وأصبح مليونيراً وزعيماً سياسياً يستقبله الرؤساء!
وموقف المسلمين مما جرى كان الصمت على أحسن الفروض إن لم يكن التواطؤ! والفصل الثاني من المؤامرة قد بدأ بسيناريو جديد في غرب السودان! ويعتمد الأعداء أيضاً على غفلة أهل الإسلام! ولذلك فتدخّل التجمع العالمي لعلماء المسلمين لإطفاء الحريق المشتعل أراه أمراً إيجابياً بكل المقاييس.. وبداية طيبة لهذا الصرح الإسلامي العظيم تبشر بكل خير.. فشكراً للعالم الجليل يوسف القرضاوي ورفاقه من العلماء
- المصدر: جريدة الراية القطرية