نحن معشر العرب وللأسف الشديد لم نحسن استغلال ثرواتنا ومواردنا الاقتصادية التي أنعم الله بها علينا فلم نستطع تسخيرها لخدمة مصالحنا العامة وقضايانا القومية في أي مجال استراتيجي دولي كغيرنا من الشعوب فاليهود مثلا استغلوا هذا الأمر وأحسنوا التعامل معه فجعلوا من الهولوكوست بعد تضخيمها أداة ابتزاز للعالم ووسيلة تدر عليهم الكثير من الخيرات المادية والمعنوية فنالوا وطنا مجانيا على حساب أصحابه الأصليين بعد تشريدهم منه وقد نظم اليهود أنفسهم جيدا في أكثر مناطق العالم استراتيجية حتى أصبحوا قوة اقتصادية هائلة هيمنوا من خلالها على مراكز صنع القرار في أقوى بلدان العالم وبالتالي سيطروا على اقتصاد العالم وعلى إعلامه وعلى أمور كثيرة تخدم مصالحهم وطموحاتهم وبما أن الإعلام أصبح في عصرنا هذا وسيلة تفاعل هامة مع الأحداث ووسيلة لتوجيه الرأي العام العالمي فقد أولوه اهتماما واضحا وجعلوه أداة بأيديهم وأيدي من والاهم وبما أننا نحن العرب العدو اللدود لهم بحكم التاريخ والعقيدة والأيديولوجيا فقد سخروا كل أدوات مقدرتهم بما فيها الإعلامية لتسكب سمها صوبنا في كل فرصة تتاح.
بالأمس القريب بدأت في لندن أعمال الاجتماع الدوري لمؤتمر الافتاء الأوروبي والذي هو مؤسسة إسلامية علمية بحتة انشئت للتواصل بين علماء المسلمين وبين المسلمين الموجودين في أوروبا بقصد رفع الثقافة الدينية لدى أولئك المسلمين ومساعدتهم في مواجهة أي عائق أو صعوبة في فهم أي أمر من أمور الدين وتقديم النصح والمشورة لهم، وبما أن الدكتور يوسف القرضاوي هو الرئيس التنفيذي لهذا المؤتمر فمن البديهي أن يتواجد هناك فشد الرحال إلى لندن ولكن ما أن وصلها حتى استقبلته صحف اليمين البريطانية بصورة لا تليق بمفكر وعالم مثله يشهد له القاصي والداني بعلو مكانته العلمية وباتزانيته وعقلانيته في التعامل مع مستجدات الأمور والحكم عليها.
نعم لم يجدوا هذه المرة سوى هذا الشيخ الجليل ليكون عنوان لحملة اعلامية جديدة الهدف الأول منها محاولة تشويه صورة الاسلام فصوروا الشيخ على أنه محرض على العنف ضد غاليتهم اسرائيل بتأييده للعمليات الانتحارية الفلسطينية وبأنه كاره لليهود يا لفظاعة ذنب الشيخ ألا يستطيع الشيوخ أن يسيطروا على مشاعرهم فيوجهونها حيث يشاء النظام العالمي.
إن كان هذا الشيخ وهو الذي أدان عملية 11 سبتمبر وكل العمليات المشابهة لها يعتبر محرضا على العنف وداعيا له فمن هو في نظرهم الشخص المسالم الملتزم بمباديء الانسانية!! أهو هولاكو الذي عاد لتدمير بغداد ثانية أم تابعه في لندن أم النازي الجديد شارون، لكن السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه إن هذه الدورة المنعقدة الآن في ديارهم هي الدورة الثالثة عشرة لهذا المؤتمر وقد شارك القرضاوي في دوراته السابقة فلما لم تثر هذه الضجة إلا في هذه المرة هل هي من باب الصدفة لا أعتقد ولي في ذلك رأي فأنا أعتقد أن د. القرضاوي مطلوب منه ان يدفع ثمن مواقفه الواضحة والشفافة التي عبر عنها خلال جلسات مؤتمر حوار الأديان الذي عقد في الدوحة خلال الفترة من 27 - 29 مايو الماضي، فقد كان للقرضاوي خلال ذلك المؤتمر حضور قوي ورأي صلب وثوابت لم يتزحزح عنها وكان الموقف الأشد والذي أزعجهم كثيرا هو رفض القرضاوي القاطع لأي حوار بين الاسلام واليهودية ما دام الصهاينة يحتلون أرض فلسطين ويذبحون ابناءها وما دام يهود العالم يقومون بدعم ذلك الكيان الغاصب.
نعم هذه هي حسابات السياسة فلم تتوقف تلك الحملة عند الصحافة البريطانية فقط بل قام زعيم حزب المحافظين المعارض شخصيا بالطلب من بلير أن يمنع القرضاوي من دخول بريطانيا مشيرا إلى ما أشارت إليه صحافتهم ومضيفا اليها أن الشيخ ممنوع من دخول الولايات المتحدة منذ عام 91 ما حسبت والله أن الساسة البريطانيين قد وصلوا هذا الحد من السذاجة فشخص كهذا زعيم حزب كبير ومرشح لتولي السلطة حال فوز حزبه في الانتخابات وكأنه يقول أمريكا تمنع القرضاوي ونحن تبع لأمريكا فلم لا نمنعه، من جهته وزير الداخلية البريطاني أدى الواجب المطلوب منه فصرح بأننا نراقب كل أقوال وأفعال الشيخ ولا أدري أن كانت الدورة التنفسية تعتبر حسب تصنيفهم من الأفعال التي سيراقبونها.
كلنا ندرك أن الاعلام العربي يرتبط بقرار رسمي دوما لكن ذلك لا يمنع ابدا من أن يقف هذا الاعلام موقفا مضادا يكشف زيف مثل هذه الحملات واضحة الأهداف لذلك فالمطلوب عربيا رد إعلامي قوي على محاولات التعريض والمس بعلمائنا وفقهائنا لأننا ندرك انه لن يكون هناك رد عربي رسمي اطلاقا.
ما يكلم الفؤاد حقا أن أرضنا العربية استعصت على ابنائها وأصبحت عاجزة عن أن تكون موطنا مناسبا للمبدعين منهم حتى تعتز بهم ويعتزون بها لكنها تقذف بهم بعيدا حتى يكونوا عرضة لمن لا يساوي شيئا مما دفعني لهذا القول هو ما سمعته في قناة الجزيرة على لسان القرضاوي نفسه في برنامج الشريعة والحياة حيث قال انه قام هو ومجموعة من أفاضل علماء الدين الاسلامي بتأسيس هيئة علمية رفيعة باسم اتحاد علماء المسلمين لكن للأسف الشديد لم يجدوا بلدا عربيا ولا إسلاميا رحب بهم أو وافق على أن يكون مقرا لهم لذلك قاموا بتسجيل اتحادهم وترخيصه في دبلن عاصمة ايرلندا أليس هذا بالأمر الموجع الذي يكشف مر الواقع الذي نعيش.