د. يوسف القرضاوي
شبهات المعارضين للعمليات الاستشهادية
الذين يعارضون العمليات الاستشهادية يعارضونها لشبهات ثلاث:
1. إنها تدخل في (الانتحار) أي قتل النفس, وإلقائها في التهلكة, والانتحار من أكبر المحرمات في الإسلام.
2 . إنها كثيرا" ما تصيب المدنيين الذين لا يحاربون من النساء و الأطفال, وهؤلاء يحرم قتلهم في الإسلام, حتى في حرب المواجهة بين الجيوش, وحتى الرجال الذين يقتلون هم من المدنيين الذين لا يحملون السلاح.
3 . إنها أدت إلى إلحاق الأذى و الضرر بالفلسطينيين, بسبب عمليات الإنتقام الفظيعة التي تقوم بها دولة الكيان الصهيوني إسرائيل, من قتل وتدمير وإحراق وإستباحة للمحرمات, فلو كانت هي مشروعة أصلا لأصبحت محظورة بنتائجها وآثارها, والنظر إلى ما لآت الأفعال, مطلوب شرعا".
الفرق بين العمليات الاستشهادية و الانتحار
فأما الذين يعارضون العمليات الاستشهادية بأنها نوع من (الانتحار) أو قتل النفس, فهم جد مخطئون, فإن الهدف مختلف تماما بين الاستشهادي وبين المنتحر ومن ناحية أخرى من يحلل نفسية الاستشهادي, ونفسية المنتحر, يجد بينهما فرقا شاسعا".
فالمنتحر يقتل نفسه من أجل نفسه لإخفاقه في صفقة أو في حب أو في إمتحان, أو غير ذلك فضعف عن مواجهة الموقف فقرر الهرب من الحياة بالموت.
أما الاستشهادي فهو لا ينظر إلى نفسه, إنما يضحي من أجل قضية كبيرة, تهون في سبيلها كل التضحيات, فهو يبيع نفسه لله, ليشتري بها الجنة, وقد قال تعالى (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) سورة التوبة 111
فإذا كان المنتحر يموت فارا منسحبا", فإن الاستشهادي يموت مقداما مهاجما. وإذا كان المنتحر لا غاية له إلا الفرار من المواجهة, فإن الاستشهادي له غاية واضحة, هي تحقيق مرضاة الله تعالى كما قال الله تعالى (ومن الناس من يشري نفسه (أي يبيعها) ابتغاء مرضاه الله و الله رؤوف بالعباد ) سور البقرة 207
أما شبهة إصابة المدنيين من النساء و الشيوخ و الأطفال و الموظفين و العمال وغيرهم من طبقات المجتمع المدني ممن لا يحملون السلاح فقد رددنا على هذه الشبهة بما يبطلها فيما مضى, وإن المجتمع الإسرائيلي مجتمع عسكري كله, وأنه مجتمع من الغزاة...الخ, فليراجع ما كتبناه.
للضرورات أحكام التي بها تباح المحظورات
وبالنسبة للأطفال, نرى الاستشهاديين لا يتعمدون قتل الأطفال, ولا يقصدون ذلك أصلا", ولكن هذا يأتي تبعا, وبحكم الضرورة التي لا يمكن تخطيها ومن المعلوم أن للضرورات أحكام التي بها تباح المحظورات, وتسقط الواجبات.
وإما شبهة الإضرار بالفلسطينيين, وإنها عادت عليهم بالقتل و التدمير والإحراق بسبب عمليات الانتقام الصهيونية, فإن ذراع إسرائيل أطول, وقدرتها على الانتقام أقوى , وهي تكيل بالصاع صاعين, بل عشرة أصوع.
فنجيب هنا بما يلي:
أولا": إن إسرائيل كانت دائما هي البادئة بالشر و الأذى, والمقاومة هي التي تحاول أن ترد وتدافع عن نفسها, وهذا واضح وضوح الشمس لا يستطيع أن ينكره أحد, ويكفي أن إسرائيل بحكم الشرعية الدولية كما يسمونها تعتبر دولة محتلة لأرض الغير, وإن الفلسطينيين يدافعون عن وطنهم المحتل ويقاومون عدوا غاصبا لهم.
ثانيا": إن هذا العدوان طبيعة في إسرائيل, منذ قامت و إلى اليوم بل هي لم تقم إلا على المجازر والاستباحة للدماء و الحرمات والأموال وما كان بالذات لا يتخلف, فلو أغمد الفلسطينيون أسلحتهم الخفيفة القليلة لاستمر الإسرائيليون يقتلون ويذبحون ويدمرون.
ثالثا": لا ينبغي أن نضخم في أثر الضربات الإسرائيلية على الفلسطينيين ونغفل آثار الضربات الاستشهادية في كيان بني صهيون, وما تحدثه من رعب وذعر وتهديد للمستقبل, وشعور بعدم الاستقرار, حتى فكر كثيرون في الرحيل ورحل بعضهم بالفعل ناهيك بما تحدثه من أثر في السياسة و السياحة والاقتصاد وغيرها.
وهو ما جعل إسرائيل وأمريكا من ورائها تحاولان بكل جهد وحيلة إيقاف العمليات الاستشهادية بأي ثمن, ومن ذلك تحريض السلطة الفلسطينية على ضرب المقاومة و التخلص منها بدعوى مقاومة الإرهاب.
فإذا كنا نشتكي فهم أكثر شكوى منا, وقد قال تعالى (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) سورة النساء 104