في حملة دعت لها صحف عربية مختلفة لدعم صندوق العون القانوني للفلسطينيين والتي تهدف إلي كفالة أسير أو أكثر أو التبرع بجزء من نفقات الدفاع عن أسير، صرح القرضاوي لإحدى هذه الجرائد برأيه حول أسرى فلسطين والمسلمين قائلا: جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال (فكوا العاني) والعاني هو الأسير، وقد قال الإمام مالك أنه يجب علي المسلمين
أن يفدوا أسراهم حتي لو استغرق ذلك جميع أموالهم. إن السعي لفكاك أسرى فلسطين وتخليصهم من الذل ونير الأعداء واجب علي الأمة وذلك يأتي بكفالة أسراهم وبذل المال للدفاع عنهم، لأن اخواننا في فلسطين يبذلون دماءهم وأنفسهم فلا أقل من أن نبذل نحن أموالنا من أجل مساعدتهم والوقوف معهم حتي تتحرر فلسطين من الاحتلال الصهيوني.. أدعو المسلمين جميعا أن يبذلوا كل مايستطيعون من أجل فك الأسرى في سجون الاحتلال والدفاع عنهم بكل الوسائل الممكنة حتي يكونوا أحرارا.
وفيما يلي توضيح القرضاوي حول موقف الإسلام من الأسرى:
على المسلمين بالتضامن وعلى ولي أمرهم خاصة أن يستنقذوا أسراهم ويفكوا أسرهم بكل وسيلة يستطيعون بها ذلك وقد ذكر البخاري في (باب فكاك الأسير) من كتاب الجهاد: حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فكوا العاني-يعني الأسير- وأطعموا الجائع وعودوا المريض"
وقد يكون ذلك من باب فداء الأسرى عند الأعداء بأسرى عند المسلمين وهذا داخل في قوله تعالى عن أسرى العدو: (فإما منا بعد وإما فداء) محمد
وقد يكون ذلك بدفع مال للأعداء لافتكاك المسلم من بين أيديهم يقول الإمام مالك: يجب على المسلمين أن يفدوا أسراههم ولو استغرق ذلك جميع أموالهم
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن قوله تعالى: (وفي الرقاب) يشمل فك الأسرى
قال في (الفتح): قال ابن بطال: فكاك الأسير واجب على الكفاية وبه قال الجمهور
وقال اسحاق بن راهوية: من بين المال، وروي عم مالك أيضا
وقال أحمد: يفادي بالرؤوس أما بالمال فلا أعرفه
ولو كان عند المسلمين أسارى وعند المشركين أسارى واتفقوا على المفاداة: تعينت ولم تجز مفاداة أسارى المشركين بالمال( أي في هذه الحال)
قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالي: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان): النساء ، وقوله: (وما لكم لا تقاتلون) يعني الجهاد وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سوء العذاب، ويفتنونهم عن الدين، فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته، وإظهار دينه، واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده، وإن كان في ذلك تلف النفوس، وتخليص الأسارى واجب على جماعة المسلمين، إما بالقتال وإما بالأموال وذلك أوجب لكونها دون النفوس إذ هي أهون منها
وقال مالك واجب على الناس أن يفدوا الأسارى بجميع أموالهم، وهذا لا خلاف فيه، لقوله عليه الصلاة والسلام: "فكوا العاني" وكذا قالوا: عليهم أن يواسوهم، فإن المواساة دون المفاداة
وقال الإمام في كتابه عن الجهاد: مذهب الشافعي: أن فداء الأسير مستحب، وأوجبه أحمد بن حنبل، كما أوجبه مالك
وروى ابن أبي شيبة وأحمد عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار: "أن يعقلوا معاقلهم ( أي يتحملوا دياتهم) وأن يفدوا عامتهم"
وقال القرطبي أيضا في قوله: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) الأنفال
هدي الإسلام في الأسرى
أما عن كيفية معاملة المسلمين لأسراهم في ضوء الفقه الإسلامي: فإن الإسلام يوجب معاملة الأسرى معاملة إنسانية، تحفظ كرامتهم، وترعى حقوقهم، وتصون إنسانيتهم، ويعتبر القرآن الأسير من الفئات الضعيفة التي تستحق الشفقة والإحسان والرعاية، مثل المسكين واليتيم في المجتمع. يقول تعالى في وصف الإبرار المرضيين من عباده، المستحقين لدخول جنته، بمرضاته ومثوبته، (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) الإنسان
ويخاطب الله نبيه محمد على الصلاة والسلام في شأن أسرى بدر فيقول (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرامما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم) الأنفال، فهو يأمره أن يخاطبهم بما يلين قلوبهم/ ويجذبهم نحو الإسلام
أحكام الأسرى
أما الأحكام المتعلقة بالموقف مع الأسرى، وماذا يجب أن نصنع معهم فإن القرآن نص على ذلك في آية صريحة من آياته في السورة التي تسمى سورة محمد أو سورة القتال، وهي قوله تعالى:(فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها) محمد
قد تحدثنا عن جانب من هذه الآية عندما تحدثنا عن الإسر بعد الإثخان في العدو وبقي الحديث في الجانب الآخر، وهو : ما بعد شد الوثاق، أي ما بعد الأسر، ما حكم هؤلاء الأسرى؟، والقرآن هنا يخيرنا بين أمرين في التعامل معهم، وهما: المن والفداء ولم يذكر غيرهما
ومعنى المن: إطلاق سراح الأسير لوجه الله تعالى، لنتألف قلبه، ونحبب إليه الإسلام، حيث فككنا أسره دون مقابل
ماهو الفداء؟
ومعنى الفداء: أن نفدي الأسرى بأسرى مثلهم في العدد او أقل أو أكثر حسب المصلحة، فرب أسير منا له وزن وقيمة، نفديه بأكثر من أسير لنا عندهم والعكس يحدث أيضا
قد يكون الفداء بمال كما فعل الرسول والصحابة معه في أسرى بدر حيث طلبوا الفداء بالمال لمسيس حاجتهم إليه وقدرة أهليهم من قريش عليه
وروى البخاري في باب فداء المشكرين في الجهاد: حديث أنس بن مالك ان رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلمم فقالوا: يا رسول الله ائذن لنترك لابن اختنا عباس بن عبد المطلب فداء فقال: "لا تدعون منها درهما" وفي معركة بدر: سن الرسول صلى الله عليه وسلم في فداء الأسرى سنة مهمة، وهي أن أن يؤدي من ليس ليده مال خدمة مناسبة للمجتمع المسلم يقدر عليها الأسير، ويحتاج إليها المسلمون، ومن أجل هذا شرع الرسول الكريم لمن كان يعرف الكتابة من أسرى المشركين أن يكون فداؤه تعليم عشرة من أولاد المسلمين الكتابة
ولم يخش النبي صلى الله عليه وسلم على أبناء المسلمين من تأثير هؤلاء المشركين على عقول الصغار من ذراري المسلمين، فإن محمو الأمية لا يحمل معه فكرا ولا اعتقادا، ثم هم في قلب المجتمع المسلم، وتحت رعايته وإشرافه ورقابته
وقد كان زيد بن ثابت الأنصاري كاتب الوحي، وأحد كتبه المصحف الإمام بل قائد المجموعة أحد الذين تعلموا الكتابة في هذه الفرصة
وبهذا كان النبي الأمي أول من حارب الأمية بطريقة عملية، تعتبر خطوة سباقة في ذلك الزمن السحيق
لمن يعطي فداء الأسير؟
لمن يعطى فداء الأسير؟ أهو آسره؟ أم هو الإمام أي الدولة؟ وهل يدخل الأسير في الغنيمة؟
وهناك حكمان آخران ذكرهما الفقهاء يتعلقان بأسرى الأعداء وهما: الاسترقاق والقتل وهذان الحكمان لم يذكرا في القرآن كما ذكر المن والفداء وإنما من السنة النبوية ومن عمل الصحابة والخلفاء الراشدين
لا أسر قبل إثخان العدو
من التعاليم الحربية التي أدخلها الإسلام في نظم الحرب: ألا يتم الأسر للاعداء في المعركة قبل إثخان العدو. ومعنى اثخانه: اضعافه وكسر شوكته، حتى لا يعود لقتال المسلمين مرة أخرى
من أجل هذا عاتب الله النبي والمسلمين بعد معركة بدر: أنهم سارعوا إلى الأسر والعدو لم يزل قوي الشوكة راسخ الجذور، متمكنا من الأرض، فلا عرو أن يفكر في الثأر لنفسه والانتقام من المسلمين، والعودة إلى قتالهم
وفي هذا جاء قوله تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرةوالله عزيز حكيم)الأنفال
وفي الآية إشارة تحمل لوما للمسلمين: أنهم كانوا يريدون من الأسر أن يستفيدوا ماليا من الفداء الذي يمنح لهم في مقابلة فكهم وإطلاقهم، وهو معنى قوله: (تريدون عرض الدنيا) والآية كما نرى واضحة الدلالة على منع الأسر قبل الإثخان في الأرض، والعتاب فيها على هذا الأسر: الأسر قبل الإثخان وليس على أخذ الفداء بعد الأسر، كما هو مشهور في السيرة
يؤيد هذا قوله تعالى في سورة محمد: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها) محمد
والمراد بشدة الوثاق: الأسر ولكن لا ينبغي أن يكون هم المقاتلين من أول الأمر أسر العدو بل يجب أن يكون الهدف الأول إضعاف قوتهم، وتحطيم شوكتهم، ولا سيما أن الأسر فيه مظنة ابتغاء الدنيا بالفداء بالمال، وبعد تحقق هذا في الإثخان والإضعاف يسوغ للمقاتل أن يأسر ما شاء، بل هو مأمور بهذا (فشدوا الوثاق) إذ ليس سفك الدماء هدفا في ذاته من أهداف الإسلام، فليس في الإسلام ما في التوراة من وجوب ضرب جميع الذكور بحد السيف، إذا تمكنوا منهم، فلا مجال لأسر ولا شد وثاق
جاء عن الحسن البصري: أنه لا يحل قتل الأسير صبرا وإنما بمن عليه أو يفادي أخرج ذلك الطبري عنه وأبو جعفر النحاس
واستدل بقوله تعالى: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها) محمد، وهذا قول الضحكال والسدي، وهو قول عطاء
وفي مقابل هذا القول من قال: لا يجوز في الساري من المشركين إلا القتل، ولا يجوز أن يؤخذ منهم فداء، ولا يمن عليهم. وجعلوا قوله تعالى: (فإما منا بعد وإما فداء) منسوخا بقوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) قال النحاس: هذا قول قتادة، ومروي عن مجاهد
الإمام يقرر القتل أو الفداء
والقول الثالث: أن الآيتين جميعا محكمتان وهو قول ابن زيد
قال النحاس وهو صحيح جيد بيَن، لأن إحداهما لا تنفي الأخرى قال الله عز وجل: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم) أي خذوهم أسرى: للقتل أو المن أو الفداء فيكون الإمام ينظر في أمور الأسارى على ما فيه الصلاح أي اللمسلمين من القتل أو المن أو الفداء وقد فعل هذا كله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حروبه، فقتل عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، أسيرين يوم بدر، ومنَ على قوم وفادى بقوم
وقيل له يوم فتح مكة: إن ابن خطل يتعلق بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه وهو في عداد الأسارى وقد أمر بقتله وعمر أراد قتل أبي سفيان قبيل فتح مكة، لولا أن آمنة العباس
وهذا اختيار الطبري الذي رد النسخ، لإمكان الجمع بيت الآيتين، والنسخ لا يصار إليه عند تعذر الجمع بوجه من الوجوه. قال: وغير مستنكر أن يكون جعل الخيار في المن والفداء والقتل إلى رسول الله وإلى القائمين بعده بأمر الأمة
لا يجوز قتل الأسير العادي
والذي أرجحه من استقراء النصوص لا يجوز قتل الأسير العادي ورد بعضها إلى بعض: أن الأصل ما ذكره الحسن ومن وافقه أنه لا يجوز قتل الأسير العادي وإنما يعامل وفق آية سورة محمد التي تحدد كيفية التعامل مع من شددنا وثاقهم من الأسرى (فإما منا بعد وإما فداء)
ولكن يستثنى من ذلك: من نسميهم في عصرنا مجرمي الحرب الذين كان لهم مع المسلمين ماض سيء لا يمكن نسيانه، مثل عقبة بن أبي معيط وابن خطل ويهود بني قريظة وأمثالهم فهؤلاء يجوز أن يحكم عليهم بالقتل جزاء ما اقترفت ايديهم من قبل. فهؤلاء يعاملون معاملة استثنائية وتطبق عليهم آية سورة التوبة.