السؤال: منذ عشرين سنة كنتُ عاقدا على زوجتي الحالية، ولم أكن قد دخلتُ بها، وأقسمت على جماعة من الأصدقاء أن يركبوا معي السيارة، فرفضوا، فقلتُ لهم: عليَّ الطلاق إلا تركبوا معي، ولكنهم أيضًا لم يركبوا، فما هو الحكم في قولي هذا؟ وهل يقع طلاقا أو يمينا؟ وماذا عليَّ أن أفعل؟

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

لا يجوز للمسلم أن يجعل من الطلاق يمينا يحلف به على فعل هذا أو ترك ذاك، فإن لليمين في الإسلام صيغة خاصة لم يأذن في غيرها، وهي الحلف بالله تعالى؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد أشرك"(1). وقال: "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت"(2).

إنما جعل الطلاق علاجًا للأسرة حين تتفكك الروابط بين الزوجين، ولا يجدي وعظ ولا هجر ولا تأديب ولا تدخل الحكمين في إصلاح ما بين رجل الأسرة وامرأته، حين ذلك، يلجأ إلى الطلاق باعتباره الوسيلة الأخيرة - أو آخر العلاج، فإن لم يكن وفاق ففراق، {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} (النساء:130).

وقد اختلف الفقهاء من السلف في ذلك، وأكثر الفقهاء وخاصة الأئمة الأربعة يرون وقوع الطلاق بمثل هذا، ويرون وقوع الطلاق بالحلف، وبمثل هذه الألفاظ، وتكون امرأتك في هذه الحالة قد طلقت قبل الدخول, والطلاق قبل الدخول طلاق بائن, ولا عدة عليها, وكان يجب عليك أن تعقد عليها عقدا من جديد بمهر جديد، هذا هو المشهور في المذاهب، وخاصة عند المتأخرين، وجاء بعض الأئمة فقالوا: إن الطلاق بمثل هذا لا يقع، لأن الله لم يشرع الطلاق بمثل هذه الألفاظ ولم يشرع الطلاق بمثل هذه الأيمان، فإذا كان الطلاق يُراد منه الحمل على شيء أو المنع من شيء، فقد خرج عن قصد الطلاق، وعن طبيعة الطلاق وأصبح يمينًا، فاليمين بالطلاق يرى بعض الأئمة أنه لا يقع أبدًا، ولا شيء فيه لا طلاق ولا كفارة..

وبعضهم كالإمام ابن تيمية والإمام ابن حزم الأندلسي، يرى أن فيه كفارة يمين إذا وقع، أي أنه بمثل هذه الحالة ناب الطلاق عن القسم بالله عز وجل، فإذا وقع ما حلف عليه فعليه كفارة يمين، وذكر ابن القيم أن هذا مذهب خلق من السلف والخلف، وبه أخذت قوانين الأحوال الشخصية في كثير من الدول، كما جاء في المادة الثانية من القانون المصري المعدل رقم 100 لسنة 1985م أنه لا يقع الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شيء أو تركه لا غير، وورد في مذكرته الإيضاحية أن المشرِّع أخذ في إلغاء اليمين بالطلاق برأي بعض علماء الحنفية، والمالكية، والشافعية، وأنه أخذ في إلغاء المعلق الذي في معنى اليمين برأي علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه، وشريح القاضي، وداود الظاهري وأصحابه.

وهو ما نفتي به، فنقول للأخ السائل: عليك الآن كفارة يمين، وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين، من أوسط ما يطعم هو وأهله، أو إخراج قيمة ذلك على مذهب الإمام أبي حنيفة، وأقل مقدار لإطعام المسكين الواحد خمسة عشر ريالا، ويختلف باختلاف مقدار غنى المكفر، كلٌّ حسب قدرته، فأقول للسائل عليه أن يخرج للمساكين مبلغا أقله مائة وخمسين ريالا*، ويتوب إليه من هذا الأمر، فإن كان فقيرا لا يستطيع الإطعام فليصم ثلاثة أيام، لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (المائدة:89).

..............

* يرجع تاريخ الفتوى إلى سنوات خلت.

(1) رواه أحمد (5593)، وقال مخرِّجوه: إسناده ضعيف لجهالة الرجل الكندي، وأبو داود (3251)، والترمذي (1535) وقال: حديث حسن، والحاكم (4/ 297) وصحَّحه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، ثلاثتهم في الأيمان والنذور، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2952)، عن ابن عمر.

(2) متفق عليه: رواه البخاري في الشهادات (2679)، ومسلم في الأيمان (1646)، عن ابن عمر.