السؤال: رجل تُوُفِّيَ وعنده ابن وبنت وزوجة، وله راتب بعد وفاته، ثمانمائة ريال، هل يصح أن يؤخذ من الراتب أربعمائة ريال ليسد بها دينه، وأربعمائة ريال لأولاده وزوجته؟ مع العلم أن عليه من الديون عشرين ألف ريال.

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

الأَوْلى أن نريحه في قبره بأداء هذا الدين, حتى لا يُعذَّب بسبب دينه؛ لأن الإنسان إذا مات وهو مدين يعذب على هذا الدين, خصوصًا إذا كان قادرًا في وقت من الأوقات أن يسدِّد ولم يسدِّد، يقول أبو هريرة: كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدَّيْن، فيسأل: "هل ترك لدينه من قضاء؟ ". فإن حُدِّث أنه ترك وفاء صلَّى عليه، وإلا قال: "صلًّوا على صاحبكم". فلما فتح الله عليه الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن تُوُفِّي وعليه دين فعليَّ قضاؤه"(1).

لا يصلي النبي صلى الله عليه وسلم على المدين زجرًا للناس أن يستدينوا ويموتوا ولم يقضوا ديونهم؛ لأن حقوق العباد مشدَّد فيها، ولا تُبنى على المسامحة، وإنما تبنى على المشاحَّة. بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يُغفَر للشهيد كلُّ ذنبٍ إلا الدَّيْن" (2).

وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ إنْ قُتلتُ في سبيل الله، صابرًا محتسبًا، مقبلًا غير مدبِر، أيكفِّرُ الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". فلما أدبر الرجل، ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمر به فنودي له. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف قُلْتَ؟ ". فأعاد عليه قوله. فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: "نعم، إلا الدين. كذاك قال لي جبريل" (3).

فالديون فيها تشديد، فإذا كان هذا الأخ توفي وعليه عشرون ألف ريال، وله معاش يُصرف نحو ثمانمائة ريال فلا مانع أن يأخذ أهله أربعمائة ريال، والأربعمائة ريال الأخرى يسدد بها دينه على مدى خمسة وعشرين شهرًا، وإن كانوا من أهل اليسار والغنى فليسسدوا عنه دينه، فإذا كانوا يحبون هذا الشخص المدين ويريدون أن يخففوا عنه هذا العذاب يسدِّدوا هذا الدين، فعن جابر قال: تُوُفِّي رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه، ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه. فخطا خُطًى، ثم قال: "أعليه دين؟". قلنا: دينارين. فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال: أبو قتادة الدينارين عليَّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحَقُّ الغريمِ وبرئ منهما الميت؟" قال: نعم. فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: "ما فعل الديناران؟ " فقال: إنما مات أمس. قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قد قضيتُهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآن بَرَّدْتَ عليه جِلْدَه"(4).

.............

(1) رواه مسلم في الفرائض (1619).

(2) رواه مسلم في الإمارة (1886)، وأحمد (7051)، والحاكم في الجهاد (2554)، عن عبد الله بن عمرو.

(3) رواه مسلم في الإمارة (1885)، وأحمد (22585)، والترمذي (1712)، والنسائي (3157)، كلاهما في الجهاد، عن أبي قتادة.

(4) رواه أحمد (22/405) ح(14536)، وقال مخرجوه: إسناده حسن، والحاكم في البيوع (2/ 58)، وصحح إسناده، ووافقه الذهبي.