السؤال: هل يجوز للحاج أن يأتي مُحرِمًا من بلده؟ وهل له أن يحرم من جدة بعد نزوله من الطائرة ثم يقوم بعمرة قبل الحج ثم يتحلل؟ وهل يجوز له أن يعمل أكثر من عمره قبل الحج؟
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:
أولا ما معنى الإحرام من بلده؟ هل يعني أن يلبس ملابس الإحرام وهو في بلده؟ لا مانع من ذلك، لكن المهم الإحرام بمعنى النية، النية تكون عند الوصول إلى الميقات.
وهناك رأي محترم قال به المالكية من قديم أن ركاب البحر يُحرِمون عندما ينزلون البر.. في الميناء الذي ينزلون فيه، فمثلا الذين يأتون من شمال أفريقيا أو من مصر أو نحو ذلك كانوا عندما ينزلون في جدة يُحرِمون، وهذا ما قال به منذ سنوات العلامة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود رئيس المحاكم الشرعية في قطر، وألًّف رسالة في إحرام ركاب الطائرات بعد نزولهم إلى جدة.
وأنا أرى أن هذا أمر مقبول؛ لأنه ليس من السهل على الإنسان وهو في الطائرة وفي زحمة الركًّاب أن يخلع ملابسه ويغيرها بملابس الإحرام ونحو ذلك، فالأيسر في هذا أنه بعد أن ينزل يخلع الملابس ويتطهر ويصلي ركعتين، وأنا أميل إلى فقه التيسير عموما وخصوصا في الحج؛ لأن الحج مبني على التيسير، وخصوصا في عصرنا، عصر الزحام الهائل هذا..
والنبي صلى عليه الصلاة والسلام ما سُئل في أمر من أمور الحج قُدِّم أو أُخر إلا قال: "افعل ولا حرج"؛ فنحن على هذه السنة النبوية، وعلى هذا الهدي المحمدي نقول أن يجوز للذين يأتون من بعيد أن يُحرموا عندما ينزلون في جدة إذا كان في ذلك مشقة عليهم، وإذا كان الأمر يسيرا عليهم يُحرمون من محاذاة الميقات عادة في الطائرات القادمة إلى جدة يقولون مثلا بعد ربع ساعة أو نصف ساعة سنكون في محاذاة الميقات، ثم عندما يقتربون أكثر يقال لهم: اقتربنا من الميقات.
أما أن الأخ يقول: إنه يُحرم بالعمرة ثم بعد ذلك يُحرم بالحج، فهذا هو الذي يسمى "التمتع" لأن هناك أنواعا ثلاثة من النسك، هناك التمَتُع وهناك القِران وهناك الإفراد، فالتمتع أن يُحرم بالعمرة، ويتحلل منها ويعيش حرا حتى يُحرِم بالحج يوم الثامن، فيجمع بين النسكين في سفرة واحدة، فهذا التمتع الذي جاء في القرآن الكريم "فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي" (البقرة: 196)
عليه في مقابل هذا التمتع أن يذبح ذبيحة: شاة، أو يشترك مع مجموعة من سبعة أشخاص في عجل من بقر أو إبل، فهذا هو التمتع، وهو أفضل أنواع النُسُك عند الحنابلة وغيرهم، والنبي عليه الصلاة والسلام حث عليه الصحابة وقال: "لو لم أسُق الهدي لحللت وتمتعت" يعني أن الذي جعله يُصر على أن يبقى محرما أنه كان قد ساق الهدي، والله تعالى يقول: "ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله" (البقرة: 196) لكنه حث الصحابة وحرضهم على أن يتمتعوا ويأخذوا بهذا التيسير.
أما عملية أن الأخ يعمل عدة عمرات قبل الحج، فهذا أجازه بعض العلماء، ولكن لم يثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في مكة بضعة عشر يوما لم يرد أنه عمل عمرة، ولا أنه أمر أحدا من أصحابه أن يعمل عمرة، كل ما فعله أن عائشة عز عليها أنها لم تعتمر كما اعتمرت سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وجمعن العمرة ثم الحج، فتطيبا لخاطرها؛ أمر أخاها أن يأخذها ويعتمر بها من التنعيم فتضيف إلى حجها عمرة، لكن ليس من السنة المأثورة أن الإنسان يُكثر من العمرات كما يفعل كثير من الناس.