السؤال: أنا مسلم من جمهورية بنجلادش، وأنا مقيم بالدوحة، وأعمل فيها. ولي مشكلة أود من فضيلتكم أن تجيبوني عنها.

ذلك أني أحب ابنة عمتي وهي تحبني، ونحن شبة مخطوبين منذ عدة سنوات، وحين أردنا أن نتمم الزواج، قالت أمها: إنها أرضعتني في طفولتي في يوم من الأيام لمدة لا تزيد على دقيقتين، حيث التقمت ثديها، ثم ناداها مناد، فلم أستكمل الرضعة، ولم يحدث أي رضاع منها بعد ذلك.

وقد سألنا العلماء في بلدنا، فأفتونا جميعا، بأن هذه البنت أصبحت محرمة علي بهذه الرضعة القصيرة التي لم تستغرق دقيقتين، أو لم تزد على دقيقتين.

فهل نجد عند فضيلتكم حلا لهذه المشكلة، وقد شاهدناكم على شاشة التلفزيون تفتون بغير ذلك؟.

نرجو بيان هذا الأمر بأدلته، لنرد به على المشايخ عندنا.

وفقكم الله، ونفع بكم، وجزاكم عنا خيرا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مسلم من بنجلاديش

 

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله (وبعد)

فإن ما أفتى به السادة العلماء في (بنجلاديش) مبنيّ على مذهبهم الذي التزموه، ولم يدرسوا غيره، وهو المذهب الحنفي، الذي يحرّم بما قل مِن الرضاع وكثر، ولو برضعة واحدة، ولو بمصة واحدة. وهذا ما نصت عليه كتب السادة الحنفية، وأجمعت عليه, ومن هنا كانت الفتوى الصادرة من هؤلاء العلماء صحيحة بالنسبة للمذهب الذي يقلدونه.

ولكن القرآن والسنة لم يوجبا علينا اتباع مذهب معين لا نحيد عنه في صغيرة ولا كبيرة، ولم يوجب ذلك أحد من الأئمة المتبوعين أنفسهم، ولم يوجبه الإمام أبو حنيفة ولا أحد من أصحابه على أحد بعده؛ لهذا لا يوجد مانع شرعي من الخروج من الضيق إلى السعة، إذا كانت هذه السعة مع مذهب آخر، من المذاهب التي قبلتها الأمة، ورضيتها في مجموعها، فكيف إذا كان الدليل مع المذهب المخالف، كما هو الحال في قضيتنا، في الرضاع وحكمه؟

فالذي أفتي به هنا: ما عليه مذهب الشافعية والحنابلة، وهو أن التحريم إنما يكون بخمس رضعات مشبعات معلومات، وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا:"لا تُحرِّم المصّة ولا المصتان".

وأخرج أيضا من حديث أم الفضل رضي الله عنها، قال: دخل أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيتي، فقال: يا نبي الله، إني كانت لي امرأة، فتزوجت عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الحدُثى (الجديدة) رضعة أو رضعتين! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تحرّم الاملاجة ولا الاملاجتان" أي الرضعة والرضعتان. وفي رواية أخرى للحديث:"لا تحرم الرضعة والرضعتان والمصة والمصتان".

وأخرج مالك في الموطأ وأحمد في المسند من حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسهلة امرأة أبي حذيفة في قصة سالم مولاه:"أرضعيه خمس رضعات" أي لكي يحرم عليها. فهذا يدل على أن ما دون خمس رضعات لا يحرّم.

وأخرج مسلم وغيره عن عائشة أيضا: كان فيما نزل من القرآن: عشرْ رضعات معلومات يحرّمن، ثم نسخن بخمس معلومات، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن وقد روي بألفاظ مختلفة. وفي الحديث مناقشة، ولكن الذي يهمنا منه هو ثبوت حكم التحريم في الرضاع بخمس رضعات معلومات، لا فيما هو أدنى من ذلك. وقد كان الحكم السابق عشر رضعات.

وهذا هو الذي يتفق مع حكمة التحريم بالرضاع، وهو أنه يثبت نوعا من الأمومة بين المرضعة والرضيع، وعليها تتفرع الأخوة أيضا. وهذا لا يثبت برضعة أو رضعتين. فكلما زاد عدد الرضعات كان أقرب إلى تحقيق تلك الأمومة. ثم إن الرضعات الخمس، هي التي يمكن أن تفتق الأمعاء، وتنبت اللحم، وتنشر العظم، كما جاء في بعض الأحاديث الأخرى.

وإذا كان النص قد حدد الرضاع المحرم بخمس رضعات، فإنه لم يحدد مقدار كل رضعة بل ترك ذلك للعرف، كما ترك أشياء كثيرة لعرف الناس كالقبض في البيع، والحرز في السرقة، وإحياء الموات وغيرها. والعرف لا يعتبر الرضعة إلا ما أشبع، ولهذا يقول الناس: إن الطفل يحتاج كل يوم إلى أربع رضعات أو خمس، يعنون الرضعة التي هي للطفل بمثابة الوجبة للكبير.

وعلى هذا الأساس يكون من المباح لك أن تتزوج بابنة عمتك المذكورة، ولا تكون هذه الرضعة التي لم تستمر أكثر من دقيقتين -كما شرحت في سؤالك ـ مانعة من الزواج بها على ما بينته من مذهبى الإمامين: الشافعي وأحمد بن حنبل. وقد أيدتهما الأحاديث الصحاح في ذلك.

فالحمد لله حمدا كثيرا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا.