السؤال: هناك حب يتعلق بحب الإنسان لنفسه وأحياناً حبه لأسرته، وربما تتسع دائرة الحب لتشمل أفراد المجتمع، ثم تتسع بعد ذلك لتشمل المجتمع الإنساني بصفة عامة، وقد ترتقي من حب الإنسان إلى حب الكون الذي يعيش فيه؟ فهل هذا كله داخل في حب الله سبحانه وتعالى؟.

 

جواب فضيلة الشيخ:

 

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

هذه الدوائر يؤثر بعضها في بعض، أول ما يُطلب من الإنسان المسلم أن يحب الله عز وجل، هذا هو أعلى أنواع الحب ،فالإنسان يحب الله عز وجل حبه للجمال لأنه مصدر كل جمال في هذا الكون وكل ما في هذا الكون من حسن وجمال هو من الله تعالى (الذي أحسن كل شيء خلقه)( صنع الله الذي أتقن كل شيء).

 

فالمؤمن يرى جمال الله في كل ما خلق، فيحب الجمال ويحب الكمال ويحب الإحسان لأن الإنسان مغمور بإحسان الله من قرنه إلى قدمه (وإن تعدُّوا نعمة الله لا تحصوها) فأول ما يجب أن يحبه الإنسان هو حب الله تعالى ؛ ولذلك لما ذكر القرآن الحب، ذكر حب الله قبل كل شيء، من مثل قوله تعالى (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله، والذين آمنوا أشد حباً لله)وقوله تعالى (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه).

 

والأحاديث كثيرة فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه رجل وقال: يا رسول الله متى الساعة؟ فقال: "وماذا أعددت لها؟" قال: والله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام غير أني أحب الله ورسوله، فقال: "أبشر؛ أنت مع من أحببت" قال أنس: فما فرح الصحابة بشيء فرحهم بهذا الحديث لأنهم يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم يكونون معه إن شاء الله، فحب الله وحب رسول الله بصفته أنه هو الذي جاءنا بالهداية وهو الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور وهو الذي هدانا إلى الصراط المستقيم، نحب رسول الله كما قال "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله".

 

أما حب الطبيعة فالمسلم يحب الطبيعة لأنها خلق الله وهي مصدر الخير للإنسان ومصدر النعم للإنسان وقد مهَّدها الله سبحانه وتعالى للإنسان وجعل الأرض فراشاً والسماء بناء وجعل الأرض ذلولاً ؛ لذا فهناك مودة بين المسلم وبين الطبيعة، حتى أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاء من إحدى الغزوات وظهر جبل أحد قال لهم: "هذا أحد جبل يحبنا ونحبه" انظر إلى هذه العبارة الرقيقة مع أنه قد وقعت بجواره معركة وخسر فيها المسلمون.

 

والمسلم يحب الحياة ولا يعتبر الحياة مثلما اعتبرها "ماني" الفيلسوف الفارسي القديم شراً، والعالم شراً، ويجب التخلص من هذا الشر بالتعجيل بفناء العالم بعدم الزواج وعدم الاستمتاع بالحياة لينتهي الناس من شر الحياة، لا .. فالمسلم يرى العالم خيراً ويرى أن كل يوم يعيشه لن يزيد المؤمن من عمره إلا خيراً؛ ولذلك نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله الموت، قال: "لا يتمنى أحدكم الموت" لضر نزل به ولكن يقول "اللهم أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي".

 

والحب أنواع ومراتب؛ وأعظم أنواع الحب هو الحب في الله، بمعنى أن يحب الإنسان غيره لا لمنفعة ولا لشهوة ولا لقرابة ولا لخدمة أدَّاها له ولكن يحبه لله؛ ولذلك جاء في صحيح مسلم أن رجلاً أراد أن يزور رجلاً فأرسل الله له على مدرجته ملكاً في الطريق في صورة رجل وسأله: أين تذهب؟ قال: أريد أن أزور أخي فلاناً، قال: ألقرابة بينك وبينه؟ قال: لا، قال: أفبنعمة له عندك؟ ـ أي قدم لك خدمة فأنت ذاهب لتكافئه، أي خدمة بخدمة وإحسانًا بإحسان؟ ـ قال: لا، قال: فما الذي.. قال: أحبه لله، قال: أبشِر فإن الذي تحبه من أجله بعثني لأبشرك بأنه يحبك لحبك إياه، هذا التحاب في الله والذي جاء فيه الحديث "رجلان تحابا في الله عز وجل اجتمعا عليه وتفرقا عليه" اجتمعا على الحب في الله وتفرقا على الحب في الله، وهؤلاء يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

 

وفي الحديث القدسي: "وجبت محبتي للمتاحبين من أجلي ووجبت محبتي للمتبادلين من أجلي ووجبت محبتي للمتزاورين من أجلي" فهؤلاء الذين يتحابون من أجل الله هم الذين جاء في ذكرهم القرآن الكريم (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روى أبو مالك الأشعري أنه قال "إن من عباد الله من ليسوا بأنبياء ولا بشهداء يغبطهم النبيون والشهداء لمكانتهم من الله عز وجل" فقام رجل أعرابي من قاصية القوم ـمن بعيد ـ وألوى بيده وقال: يا رسول الله صفهم لنا ـ جلِّهم لنا فمن هم هؤلاء الناس الذين ليسوا بأنبياء ولا شهداء ويغبطهم ويتمنى الأنبياء والشهداء أن يكونوا في مكانهم؟ ـ قال: "هم قوم تحابوا بروح الله عز وجل على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فو الله إن وجوههم لعلى نور وإنهم لعلى منابر من نور يخاف الناس يوم القيامة وهم لا يخافون ويفزع الناس وهم لا يفزعون وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".

 

والله أعلم.