السؤال: ما قولكم في شخص ما، سواء ارتكب شيئًا من الأمور التي سأذكرها أم ارتكبها جميعًا، وهي: فاحشة الزنا وما شابهها، رمي المحصنات، وأكل أموال الناس بالباطل، مع الاعتبار بأن مرتكبها تاب إلى الله توبة نصوحًا، وأما فيما يتعلق بأكل الأموال بالباطل، فإنه لا يستطيع رد ما أخذه من الناس؛ لعدم توفره معه، سواء أكان قليلًا أم كثيرًا؟

جواب فضيلة الشيخ:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

هذه الجرائم الثلاث التي يسأل عنها الأخ وهي: جريمة الزنا، أولًا، فهذه يتوب إلى الله عنها، ويندم ويستغفر الله عز وجل، ويعزم عزمًا صادقًا على ألا يعود لمثل هذا الذنب أبدًا، كما لا يعود اللبن إلى الضرع.

بعض العلماء شددوا وقالوا: لابد أن يذهب إلى أهل المزني بها ويستسمحهم لأن هذا أمر يتعلق بحقوق العباد، فلابد أن يسامح العباد في حقهم، ومعنى هذا أن يذهب الرجل إلى من يريد أن يستسمحه فيقول له: لقد زنيت بامرأتك أو بابنتك فاصفح عني وسامحني.. طبعًا، هذا شيء لا يعقل حدوثه، لأن ذلك الرجل سوف يقتله أو يفعل به الأفاعيل.

ولهذا حقق المحققون أن التوبة من الزنا تكون بين المرء وخالقه تعالى. فإذا تاب وأناب وندم واستغفر، فالمرجو أن يغفر الله له ويعفو عنه. أما رمي المحصنات الغافلات العفيفات المؤمنات؛ فهذه جريمة كبيرة وهي من السبع الموبقات، المهلكات في الدنيا والآخرة. وقد قال الله تعالى:"إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم. يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون" ( النور:22،23) .

وجعل الله على القذف عقوبة تعرف بحد القذف في الدنيا وهو ثمانون جلدة وهذه عقوبة مادية، ولا تقبل شهادة القاذف، بعد ذلك، وهذه عقوبة مدنية أدبية، حيث يسقط اعتباره وتنزع عنه الثقة فلا تقبل شهادته، وعقوبة دينية أخرى وهي قوله تعالى "أولئك هم الفاسقون" (النور:4) أي أن يوصم القاذف بالفسق.. "إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم"     ( النور:5).

ولكن بماذا تكون التوبة هنا؟

اختلف الفقهاء والأئمةفهنا حق لله عز وجل، وحق للمرأة المقذوفة.

فإن كان قال فيها أمام ملأ، فلابد أن يكذب نفسه أمام هذا الملأ، حتى يرضى الله تعالى عنه. أو يذهب إلى صاحبة الحق ويستسمحها..

أما أن يفضح عرضها، ويقول فيها كلامًا يسير مسير الريح في كل مكان، ويبقى وصمة عليها وعلى أسرتها، وعلى ذريتها من بعدها، ثم يقول: تبت إلى الله.. فهذا لا يكفي. لا بد من تكذيب نفسه، والاعتراف بأنه كذب عليها، أو استرضاء صاحبة الحق..فصاحب الحق له أن يسمح.. وإلا قدم نفسه ليجلد الثمانين جلدة، ويتوب إلى الله بعد ذلك.. فتقبل توبته.

أما أكل أموال الناس بالباطل، وبطرق غير مشروعة.. فأقول: بأن الحقوق المالية لابد أن ترد إلى أصحابها، حتى الشهادة في سبيل الله، لا تكفر هذا الحق للآدمي.. إنه ليس أعظم من أن يستشهد الإنسان في سبيل الله، ومع هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما سأله سائل: يا رسول الله، إذا قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ قال نعم. ثم استدعاه وقال له: ماذا قلت آنفًا؟ قال: قلت كذا.. قال:( إلا الدَّين.. أخبرني بذلك جبريل آنفًا) رواه مسلم . الديون، والتبعات، لابد أن ترد إلى اصحابها.

فكونه يأكل أموال الناس عن طريق الرشوة أو الغصب، أو النهب، أو الغش، أو أي طريقة من الطرق المحرمة، ثم يقول: تبت إلى الله..أو يحج، أو يجاهد ويستشهد..لا.. لابد من رد هذه الحقوق المالية حيث لا تسامح من هذه الناحية. فإن كان عاجزًا، فليذهب إلى أصحاب الحقوق، ويسترضيهم لعلهم يرضون عنه، فإن لم يرضوا، فإنه لابد أن ينوي بنفسه أنه كلما قدر على شيء دفعه إلى أصحاب الحق. فإذا مات، ولم يكمل ما عليه من هذه الحقوق، تولى الله إرضاء خصومه يوم القيامة، والله عفو غفور.