السؤال: أنا رجل مسلم غير عربي، من أهل الهند، أعيش في الدوحة، رُزقت بمولود أنعم الله به علينا بعد شوق، ثم اختلفنا في تسميته، فقد كان منا من يريد تسميته باسم من الأسماء الهندية المتوارثة في الأسرة، ومنا من منع ذلك وقال: لا يجوز تسمية المولود إلا باسم من الأسماء الإسلامية المعروفة عند المسلمين، مثل أسماء الأنبياء والصحابة ومشاهير العلماء والصالحين. أما التسمية بالأسماء الهندية الأعجمية فهي حرام. واشتد النزاع بيننا ولم نجد إلا أن نرجع إليك لتفتينا في هذا الأمر، حسب الأدلة الشرعية.
جواب فضيلة الشيخ القرضاوي:
الحمد لله، والصلاة والسلام علي رسول الله، وبعد:
لم يفرض الإسلام علي الأسرة المسلمة أن تسمي أولادها ذكورًا كانوا أو إناثًا بأسماء معينة، عربية أو أعجمية، وترك ذلك لاختيار الأسرة وحسن تقديرها، في ضوء توجيهات معينة.
أما ما للإسلام من توجيهات في ذلك فيتمثل فيما يلي:
1 - أن يكون الاسم حسنًا، بحيث لا يستقبحه الناس، ولا يستنكره الطفل بعد أن يكبر ويعقل، كأن يكون اسمًا يوحي بالتطير والتشاؤم، أو يُذم معناه، أو علمًا لشخص اشتهر بالسوء والفجور، ونحو ذلك، وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يغير الأسماء القبيحة إلي أسماء حسنة، فالذي كان اسمه "قليلًا" سماه "كثيرًا"، والتي كان اسمها "عاصية" سماها "جميلة" وهكذا.
2 - ألا يكون معبدًا لغير الله، مثل: عبد الكعبة، أو عبد النبي، أو عبد الحسين، ونحو ذلك، وقد نقل ابن حزم الإجماع علي تحريم التسمية بكل معبد لغير الله باستثناء "عبد المطلب". ويقرب من ذلك ما اشتهر عند الأعاجم من مثل: غلام أحمد وغلام علي، وغلام جيلاني ... ونحوه.
3 - ألا يوحي بالكبر والعظمة، وعلو الإنسان بغير الحق؛ ولهذا جاء في الحديث: "أخنع اسم عند الله يوم القيامة: رجل تسمي ملك الأملاك، لا ملك إلا الله". (رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة، كما في صحيح الجامع الصغير برقم 237).
ومثل ذلك التسمي بأسماء الله الحسني المختصة به سبحانه، مثل الرحمن، والمهيمن، والجبار، والمتكبر، والخالق والبارئ، ونحو ذلك، وكذلك الأسماء المختصة به سبحانه، إذا كانت معرفة مثل: العزيز، الحكيم، العلي، الحليم، ونحوها، أما الوصف بها منكرة فلا مانع، فمن أسماء الصحابة المشهورة المتواترة، علي وحكيم، ويُقاس عليها مثل: عزيز، وحليم، ورءوف، وكريم، ورشيد، وهادي، ونافع، وما كان من هذا القبيل.
4 - يُستحب التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين والصالحات تخليدًا لذكرهم، وترغيبًا في الاقتداء بهم، ومثل ذلك ما عبد لله تعالي، كما في الحديث: "أحب الأسماء إلي الله عبد الله وعبد الرحمن" (رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن ابن عمر، كما في صحيح الجامع الصغير برقم 161)، ويُقاس عليها سائر الأسماء الحسني، مثل: عبد العزيز، وعبد العليم، وعبد الخالق، وعبد الملك، وعبد الواحد، وغيرها.
5 - لم يمنع فقيه فيما أعلم التسمية بالأسماء الأعجمية ما دام معناها حسنًا في لغتها، وقد أبقي المسلمون علي كثير من الأسماء الأعجمية للرجال والنساء بعد إسلامهم، برغم وجودهم في بيئة عربية، وأقرب مثل لذلك: "مارية " القبطية أم إبراهيم بن النبي علية الصلاة والسلام، التي اشتهرت باسمها القبطي المصري.
والناظر في أسماء الصحابة ومن تبعهم بإحسان؛ يجدها إما في الأصل أسماء لنباتات مثل: طلحة، وسلمة، وحنظلة.
أو أسماء لحيوانات وطيور، مثل: أسد، وفهد، وهيثم، وصقر.
أو أسماء لجمادات وأشياء طبيعية، مثل: بحر، وجبل، وصخر.
أو أوصافًا مشتقة، مثل: عامر، وسالم، وعمر، وسعيد، وفاطمة، وعائشة، وصفية، وميمونة.
أو أسماء لأناس سابقين ممن يُقتدى بهم من الأنبياء والصالحين والصالحات، مثل: إبراهيم، وإسماعيل، ويوسف، وموسي، ومريم.
وفي ضوء هذه التوجيهات يجوز للمسلم أن يُسمي ابنه أو ابنته، سواء كان الاسم عربيًا أم أعجميًا.
وبالله التوفيق