السؤال: بسبب التطور الكبير للإعلام الحديث؛ هناك شبكات للدعوة النصرانية، فهل هناك من ضير في محاورة هؤلاء لمعرفة ما عندهم لعل ذلك يكون بابًا لدعوتهم إلى الإسلام؟

الإجابة:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فالتحاور مع أهل الكتاب حول مسائل العقيدة لا يُمنع منه شرعًا، ولكن يجب ألا يقوم بهذا إلا من كانت له دراية كافية بقواعد الإسلام وتعاليمه، وإلمام بما عندهم من عقائد، مع إخلاص النية لله، ومراعاة آداب المحادثة عبر الوسائل الإلكترونية الحديثة عسى الله أن يهدي قلوبهم إلى الحق والهدى.

ويقول العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:

نحن لا نحاور النصارى ليرضوا عنا؛ وإنما نحاورهم لنبحث عن أرضية مشتركة نعمل على أساسها، ولا يعادي بعضنا بعضًا، فالله تعالى يقول: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ} (العنكبوت: 46).

فقد أمرنا الله أن نجادلهم بالتي هي أحسن، ونحن نجد أن الدعوة الإسلامية حينما وضع الله منهجها في كتابه قال: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125).

ندعوالموافقين بالحكمة والموعظة الحسنة: الحكمة التي تقنع العقول، والموعظة التي تهز القلوب، واكتفى القرآن في الموعظة بأن تكون حسنة، ولكنه لم يكتف في الجدال إلا بالتي هي أحسن؛ لأن الموعظة مع الموافقين والجدال مع المخالفين، فإذا جادلت المخالفين فجادلهم بأرق الألفاظ وألطف الأساليب التي لا توغل الصدور، والتي تبني ولا تهدم، وتجمع ولا تفرق، {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}؛ بمعنى لو كان هناك طريقتان طريقة حسنة جيدة وطريقة أحسن منها وأجود؛ فالمؤمن مأمور أن يحاور ويجادل بالطريقة التي هي أحسن وأجود، وهذا هو ما علمنا القرآن إياه، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للذين يخاطبهم ويحاورهم من المشركين: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (سبأ: 24)، فهل الرسول صلى الله عليه وسلم شاكٌ في نفسه؟!

إنما هذا من باب إرخاء العنان وكسب الخصم، {قُل لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (سبأ: 25) كان مقتضى الكلام في الظاهر أن يقول: "لا تُسألون عما أجرمنا ولا نُسأل عما تجرمون"، إنما لم يشأ أن ينسب إليهم الإجرام، ولكن قال: {وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، فالقرآن يقول: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِد} يعني: اذكروا النقاط الجامعة، الجوامع المشتركة بينكم وبينهم، ولا تذكروا نقاط التميز والاختلاف، عندما تحاور؛ حاول أن تصنع أرضية مشتركة بينك وبينهم، وقل: كلنا نؤمن بإله واحد فتعالوا نلتقي على كلمة سواء.

فنحن لا نحاورهم ليرضوا عن ديننا، فلن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم، وهذه حقيقة، إنما نحن نحاورهم لنقف على أرض مشتركة، نقف جميعًا ضد الإلحاد والإباحية، نقف ضد المظالم، نحاورهم فنقول لهم: ما موقفكم من قضية فلسطين؟ أو من قضية القدس؟ أو من قضية المسجد الأقصى؟ نحاول جمع النصارى معنا لنقف سويًا خصوصًا في قضية فلسطين، فإن فلسطين فيها مسلمون ونصارى، نحاول أن نجمع مسلمي القدس ونصاريها معًا لنقف ضد الصهيونية وضد التعنت الإسرائيلي والتجبر الإسرائيلي، فهذا لا مانع منه.

والله أعلم