السؤال: هل النية الحسنة تبرر المعصية؟

جواب سماحة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:

الإسلام يُقدِّر البواعث الكريمة والقصد الشريف والنية الطيبة في تشريعاته وتوجيهاته كلها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (رواه البخاري)، وبالنية الطيبة تستحيل المباحات والعادات إلى طاعات وقربات إلى الله. فمن تناول غذاءه بنية حفظ الحياة، وتقوية الجسد، ليستطيع القيام بواجبه نحو ربه وأمته؛ كان طعامه وشرابه عبادة وقربة.

ومَن أتى شهوته مع زوجته يقصد ابتغاء الولد أو عفاف نفسه وأهله؛ كان ذلك عبادة تستحق المثوبة. وفي ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: "وفي بُضع أحدكم صدقة". قالوا: أيأتي أحدنا شهوته يا رسول الله ويكون له فيها أجر؟! قال: "أليس إن وضعها في حرام كان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر" (رواه الشيخان)، "ومَن طلب الدنيا حلالًا تعففًا عن المسألة، وسعيًا على عياله، وتعطفًا على جاره؛ لقي ربه ووجهه كالقمر ليلة البدر" (نص حديث رواه والطبراني).

وهكذا كل عمل مباح يقوم به المؤمن، يدخل فيه عنصر النية، فتحيله إلى عبادة، أما الحرام فهو حرام مهما حسنت نية فاعله، وشرف قصده، ومهما كان هدفه نبيلًا، ولا يرضى الإسلام أبدًا أن يُتخذ الحرام وسيلة إلى غاية محمودة؛ لأن الإسلام يحرص على شرف الغاية وطهر الوسيلة معًا، ولا تقر شريعته بحال مبدأ: "الغاية تبرر الوسيلة" أو مبدأ: "الوصول إلى الحق بالخوض في الكثير من الباطل"، بل توجب الوصول إلى الحق عن طريق الحق وحده، فمن جمع مالًا من ربًا أو سُحت أو لهو حرام أو قمار أو أي عمل محظور ليبني به مسجدًا أو يقيم مشروعًا خيريًا.. أو.. أو.. لم يشفع له نبل قصده، فيرفع عنه وزره الحرام؛ فإن الحرام في الإسلام لا تؤثر فيه المقاصد والنيات.

هذا ما علَّمه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (المؤمنون:51)، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (البقرة:172)، ثم ذكر: "الرجل يطيل السفر أشعث أغبر - ساعيًا للحج أو العمرة ونحوهما - يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك"؟! (رواه مسلم والترمذي عن أبي هريرة).

ويقول: "من جمع مالًا من حرام ثم تصدق به؛ لم يكن فيه أجر وكان إصره عليه" (رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة)، ويقول: "لا يكسب عبد مالًا حرامًا، فيتصدق به فيُقبل منه، ولا ينفق منه فيبارَك له فيه، ولا يتركه خلف ظهره؛ إلا كان زاده إلى النار، إن الله تعالى لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث" (رواه أحمد وغيره عن ابن مسعود).

هذا والله سبحانه أعلى وأعلم