سؤال من الإخوة السوريين:
الذين هُجّروا من بيوتهم إلى أحياء أخرى من نفس المدينة أو إلى مدن أخرى، وليس معهم مال ولا يجدون لأنفسهم ولعائلاتهم مأوى سوى المنازل التي تركها أصحابها وفرّوا منها أو التي يعيش أصحابها خارج البلد، هل يجوز لهم أن يدخلوها بغير إذن أهلها ويُقيموا فيها ريثما تأمن مناطقهم ويعودوا إلى بيوتهم التي فارقوها، على أن لا يستبيحوا تلك البيوت ولا يستعملوا منها إلا ما لا غنى عنه للحياة، من أرض وسقف ووطاء وغطاء وكهرباء وماء؟
لعلك تفيدنا، بارك الله فيك وفي علمائنا الكرام، ولك مني أطيب السلام.
جواب العلامة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله:
لا شك أن السكن الشخصي حاجة من حاجات الإنسان الأصلية، بل ربما كان ضرورة من الضرورات، كما امتن الله على عباده بقوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا}[النحل:80]. وقد قرن الله تعالى بين قتل الأنفس والخروج من الديار فقال: { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ } [النساء:66].
وعلى هؤلاء الإخوة الذين خرجوا من بيوتهم فرارا من القتل أو الاعتقال أن يسعوا إلى تأمين مآوٍ لهم بإذن أصحابها من أقاربهم أو جيرانهم أو من أهل الخير ممّن يقدِّم لهم جزءا من دارهم.
ويجب على الشعب السوري أن تشيع فيهم روح التضحية والإيثار والمروءة، ويواسي بعضهم بعضا، لأن الأمة في خطر ومواجهة أحداث كبيرة.
وندعو أصحاب البيوت الفارغة التي تركها أصحابها أن ينسقوا مع إخوانهم من أجل إيوائهم إليها. فالحجارة والمال ليسا أهم من إيواء إخوانهم المهجرين، وتأمينهم من الخوف والجوع، وسترهم وحمايتهم من تسلط الظالمين عليهم .
ومن استطاع أن يقيم في مكان عام كالمدارس والمكاتب والمخيمات إن توفرت لهم فليس لهم أن يدخلوا تلك البيوت.
فإذا انقطعت بهم السبل فلهم أن يدخلوا تلك البيوت بعد الاتصال بأصحابها وأخذ الإذن منهم، فإذا لم يجدوا سبيلاً إلى الاتصال بهم واستئذانهم أصبحوا مضطرين، والقاعدة الأصولية تقول: (الضرورات تبيح المحظورات). وهذه القاعدة مأخوذة من قول الله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:173].
والضرورة تقدر بقدرها، ومن شروط هذه الضرورة :
أن يستأذنوا رجال الأحياء الثقات، أو المسئولين الشعبيين عن الثورة ويعلموهم بضرورتهم، لدخول إلى تلك البيوت.
وأن يكون هؤلاء الذين يستبيحون تلك البيوت لأنفسهم ولعائلتهم من المشاركين في الجهاد والثورة ضد الظلم والطغيان، أو ممن مسهم أذى من السلطة الغاشمة.
وإن تحققت هذه الشروط فعليهم أن يسكنوا في غرفة من البيت، فمن كفته غرفة لا يجوز له أن يستعمل غرفتين، وعليهم أن يستعملوا أغراض البيت بقدر ولا يتوسعوا في الضرورة، وأن يحفظوا الأشياء المهمة من نقود وذهب وقطع ثمينة في البيت بكل ما يستطيعون، وأن يقيموا في تلك البيوت بقدر المدة الممكنة. وكل هذه القيود في حال الضرورة الكبرى.
وأحذر من احتكار السلع ورفع إيجارات البيوت في مثل هذه الأزمة التي تمر بها سوريا رغبة في الحصول على المكاسب الدنيوية، فإن ذلك خذلان لإخوانهم.
والأولى أن تقدم الخدمات الإنسانية طواعية ومجانا نصرة لإخوانهم، وإذا احتاج من يقدم الخدمات إلى مال فلا يأخذ أكثر مما يسد به حاجته.
وأسأل الله سبحانه أن ينصر إخواننا في سوريا على من بغى عليهم، نصرا عزيزا ويهديهم صراطا مستقيما، ويؤمنهم في أنفسهم وأهليهم وأموالهم، ويكشف الغمة عنهم، إنه ولى ذلك والقادر عليه.
3 ربيع الآخر 1433هـ
25 فبراير 2012م
الدوحة